هل يكبح ترمب النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا؟
طرأ تغير كبير على أفريقيا منذ غادر دونالد ترمب البيت الأبيض قبل أربعة أعوام، ومع ذلك غابت قضايا القارة السمراء بصورة شبه كاملة للعائد لحكم الولايات المتحدة خلال خطاب تنصيبه لولاية ثانية أو عن حملته الرئاسية، لكنه بدأ بسنّ قرارات فورية بدأ الأفارقة يتحسسون انعكاساتها على اقتصادهم، علماً أنه ورث تحدي التمدد الروسي عسكرياً والزحف الصيني اقتصادياً عن الإدارة السابقة التي فقدت حضورها في الساحل.
وحضر حفل تنصيب دونالد ترمب في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) الجاري لعهدة ثانية مدتها أربعة أعوام في واشنطن العاصمة، قادة من أوروبا وأميركا اللاتينية وآسيا إضافة إلى رؤساء سابقين ومليارديرات "وادي السيليكون"، من دون أن توجه أية دعوة لزعيم أفريقي للحضور، على رغم إبداء كثير منهم اهتمامهم بالمناسبة، في تجاهل لم يكن مفاجئاً على خلفية موقف الرئيس الأميركي الثابت تجاه عدد من الزعماء الأفارقة المتهمين بسوء الإدارة وانعدام الكفاءة وعدم تداول السلطة.
فريق دبلوماسي
واستبعاد قادة دول تشكل بلدانهم مصدراً لثروات أصحاب مليارات "وادي السيليكون" ممن حضروا حفل التنصيب بسبب اعتمادهم الكبير على معادن أفريقيا لا يعني بالضرورة عدم إدراك ترمب أهمية هذه المنطقة المهمشة من العالم، كما لا يدل على نياته الدبلوماسية، فخلال الأعوام الأربعة التي قضاها في البيت الأبيض خلال عهدته الأولى بين عامي 2017 و2021، استقبل ترمب اثنين فقط من رؤساء دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وهما محمدو بوخاري من نيجيريا وأوهورو كينياتا من كينيا، وفي وقت أطلق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سلسلة قمم روسية - أفريقية، الأولى كانت في سوتشي عام 2019، لم تستضف إدارة ترمب أية قمة أميركية - أفريقية، فيما يعمل حالياً بسرعة على تجميع فريقه الدبلوماسي المعني بأفريقيا كتحرك غاب عن ولايته الأولى عندما أبقى المناصب الرئيسة في ملف القارة شاغرة.
ويرجح مراقبون أميركيون أن يصبح المبعوث الخاص لمنطقة الساحل خلال إدارة ترمب الأولى جيه بيتر فام، أعلى مسؤول في وزارة الخارجية لشؤون أفريقيا، أما المساعد الجمهوري المخضرم جو فولتز فمرشح لمنصب المدير الأول لشؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ومن مهمات الفريق الجديد التعامل مع كثير من التحديات وعلى رأسها مواجهة النفوذ الروسي والصيني، ووقف الحرب الطاحنة في السودان، انتهاء بقانون النمو والفرص في أفريقيا عام 2025.
التصدي للتمدد الروسي والصيني
وأفاد موقع "أفريكا إنتلجنس" الاستخباراتي الفرنسي بوجود شخصيات أخرى مرتبطة بالدوائر الأفريقية الجمهورية يجري النظر في توليها مناصب في الإدارة الجديدة، ومن بينهم كاميرون هدسون الذي شغل منصب مدير مجلس الأمن القومي الأميركي في أفريقيا خلال عهد جورج دبليو بوش بعد أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية، ويتوقع المصدر إسناد ترمب بعض جوانب سياسته في القارة السمراء إلى أقاربه المقربين كجزء من دبلوماسيته العائلية، ومن بين الأسماء التي يتكرر ذكرها مسعد بولس والد مايكل زوج تيفاني ترمب، الرابعة بين أبناء الرئيس المنتخب، والذي يتمتع بعلاقات تجارية قوية مع الجالية اللبنانية في غرب أفريقيا ووسطها.
ويرى الباحث المتخصص في الشأن الأفريقي أحمد عسكر أن أحد أبرز محاور سياسة ترمب في أفريقيا برزت خلال حملته الانتخابية وهو التصدي للتمدد الروسي والصيني واعتباره وجوداً خبيثاً، وخصوصاً بكين، ومع التشكيل الجديد لأفريقيا في الإدارة الجديدة فيبدو أن القارة على موعد مع موجة أخرى من التغييرات الإستراتيجية في ظل إدراك فريق الرئيس الأميركي أهمية القارة الجيوسياسية والاقتصادية.
وقال الباحث في "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" أحمد عسكر خلال تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن "هناك توجهاً نحو عدم ترك أفريقيا الغنية بالمعادن والثروات التعدينية ساحة وفريسة لبكين روسيا تستفيدان منها لتعزيز مكانتهما الاقتصادية على الصعيد العالمي على حساب النفوذ الاقتصادي لواشنطن"، وبالتالي يتوقع المحلل أن تشهد المرحلة المقبلة تحركاً أميركياً لتعزيز نفوذ واشنطن الاقتصادي والأمني بما يعرقل المساعي الصينية والروسية في تمديد نفوذهما المتصاعد على الساحة الأفريقية خلال الأعوام الأخيرة.
وعلى العكس يرى المحلل السياسي والأستاذ في جامعة الجزائر العيد زغلامي في تصريح خاص أن "أفريقيا ليست من أولويات ترمب"، بعدما تصدرت أجندته قضايا عالمية مثل تهديده بفرض رسوم جمركية على أوروبا والصين، ودعوته إلى رفع دول القارة العجوز من إسهاماتها في حلف الأطلسي، وصولاً إلى قضية المهاجرين غير الشرعيين المتدفقين إلى بلاده، وأيضاً قضية الشرق الأوسط بمواصلة دعم إسرائيل، إضافة إلى التوصل مع الرئيس الروسي إلى حل لقضية الحرب الأوكرانية.
ويرى زغلامي أن الحاكم الجديد للبيت الأبيض يريد إحداث تغيير في النظام العالمي خدمة للمصالح الأميركية، إذ سيتعامل مع أفريقيا في قضية التعاون وفق مبدأ المقايضة، بينما لن تغيب عنه مسألة البحث عن إنشاء قواعد عسكرية أميركية لمنافسة المد الروسي والصيني والتركي في كل الدول وبخاصة في منطقة الساحل الأفريقي وليبيا.
التعويض عن الانسحابات العسكرية
ولتخطي إجراءات الإدارة السابقة سيكون على ترمب المسارعة إلى التعويض عن الانسحابات العسكرية المتلاحقة من دول الساحل في تشاد ومالي والنيجر، خصوصاً في الأخيرة، إذ أكملت الولايات المتحدة سحب قواتها منها خريف العام الماضي عقب فتور في العلاقات بين الجانبين منذ انقلاب يوليو (تموز) 2023 على الرئيس المنتخب محمد بازوم، حيث توجهت أنظار وزارة الدفاع الأميركية صوب تلك المنطقة وعدّت النيجر نقطة ارتكاز لها لأكثر من 13 عاماً بسبب موقعها الإستراتيجي، حيث تحدها تشاد شرقاً ونيجيريا جنوباً، وفي الشمال الغربي الجزائر ومالي، وفي الجنوب الغربي بوركينا فاسو وبنين، وفي الشمال الشرقي ليبيا.
وفي ليبيا التي تحولت إلى ساحة مواجهة بين الكرملين والبيت الأبيض انعكس الصراع أخيراً على أسرة المشير خليفة حفتر نفسها عبر تنافس بين نجليه في الشرق الليبي بين رئيس أركان القوات البرية الفريق صدام حفتر المستعد بصورة متزايدة للتعاون مع الأميركيين، في مقابل شقيقه خالد رئيس الأركان في القوات الأمنية بالجيش في الشرق الليبي الملتزم بعلاقات أوثق مع الروس، وهو تباين لم يمنع من توسع القواعد العسكرية الروسية وآخرها بعث "قاعدة معطن السارة" قرب المثلث الحدودي بين ليبيا وتشاد والسودان. أما في الغرب الليبي حيث يسيطر رئيس حكومة الوحدة الموقتة عبد الحميد الدبيبة على المنطقة فيقيم تعاوناً وثيقاً مع الأتراك.
وبالنسبة إلى الوضع في السودان الذي يشهد حرباً أهلية بين عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، فقد كتب الباحث الأول في برنامج أفريقيا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية كاميرون هدسون في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أمس الأول السبت أن دونالد ترمب هو الوحيد القادر على إنهاء الحرب في السودان لنفوذه الكبير والواسع على الخرطوم والقوى الإقليمية، وفي هذا السياق يتفق الباحث في العلاقات الدولية حسين مصدق مع القول إن "ترمب ليست له خطة واضحة وإنما سياسات متقلبة بحسب المصلحة الآنية"، مضيفاً أن "للسياسة الأميركية وجهان لتحقيق هدف واحد وهو الهيمنة على العالم، فأميركا لم تكن مهتمة بأفريقيا لأنها تركتها لحلفائها الأوروبيين".
توسيع النفوذ
وفيما يتميز الوجود الصيني بالتوسع الاقتصادي في رأي الباحث، فإن "الحضور الروسي مجرد ذر للرماد في العيون وهذا ما لوحظ في أماكن عدة، لأن سياسات روسيا غير مبنية على التحالفات وإنما على الوطنية المحضة"، وفق قوله.
ووسّع هذان الخصمان نفوذهما في القارة، فقد أكدت روسيا مكانتها كأكبر بائع للأسلحة في أفريقيا، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري هناك إذ يبلغ حجم التجارة مع القارة السمراء حالياً خمسة أضعاف حجم التجارة مع الولايات المتحدة، وما بين السادس والتاسع من يناير الجاري زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي أربع دول أفريقية هي تشاد وناميبيا والكونغو ونيجيريا، ضمن محادثات مكثفة لتعزيز التعاون، ولا سيما الاقتصادي.
ويحذر مراقبون من استغلال خصوم ترمب إجراءاته التي ينوي اتخاذها وتكون لها ارتدادات عكسية على شعوب القارة، فقد أبدى اهتماماً ضعيفاً بتمديد قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، كما اقترح فرض تعرفة جمركية بنسبة 10 في المئة على الواردات، مما يمثل تحدياً للاقتصادات الأفريقية إضافة إلى التدقيق في ملف المهاجرين والتغييرات المتوقعة في برامج المساعدات والعلاقات التجارية.
وبحسب إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في شأن المساعدات الإنمائية الرسمية، تعد الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات الخارجية حيث وزعت 48 مليار دولار عام 2021، وقد ذهب نحو ثلث هذا المبلغ إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وزيادة على ذلك فإن سياسات ترمب في معاركه ضد تحالف "أوبك+" تشمل زيادة إنتاج النفط الأميركي وحث المنتجين الرئيسين الآخرين على خفض السعر، مما سيؤثر في كبار منتجي النفط داخل أفريقيا، كما هدد ترمب بالرد على الدول التي تسعى إلى التخلي عن الدولار الأميركي، وبذلك تقع نيجيريا في دائرة الخطر بعد أن جددت خلال الفترة الأخيرة اتفاق تبادل العملات مع الصين، وهي من الدول الأفريقية التي تواجه خيارات صعبة بين الاقتراب من تكتل "بريكس" والمخاطرة بعقوبات واشنطن، أو الامتثال لمطالب ترمب والاستمرار في الوصول إلى السوق الأميركية.