Image

هل تتكرر مأساة ترحيل اللاجئين البوسنيين مع السوريين في ألمانيا؟

بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، اشتد النقاش السياسي في ألمانيا حول العودة الطوعية أو الترحيل الإجباري للاجئين السوريين، مما يعيد إلى الأذهان ترحيل اللاجئين البوسنيين بعد انتهاء حرب التطهير العرقي وكيف أثرت هذه المأساة بخاصة في الأطفال الذين بالكاد يعرفون شيئاً عن وطن آبائهم.

تأثير تجربة اللجوء في الأطفال

تجربة ميلينا بورتشاك، الصحافية البوسنية تجسد كيف تؤثر تجربة الحرب واللجوء في الأطفال، فقد ولدت ميلينا في فوتشا عام 1990 ومع اندلاع الحرب الأهلية في البوسنة اضطرت عائلتها إلى الهروب واللجوء إلى ألمانيا.

ويشار إلى أن حملة التطهير العرقي التي شهدتها حرب البوسنة والهرسك (1992-1995) أجبرت عدداً كبيراً من مسلمي البوسنة (البوشناق) والكروات البوسنيين على الفرار من منازلهم.

الحرب والإبادة الجماعية واللجوء حاضرة باستمرار في حياة ميلينا، فالصحافية البوسنية لا تزال تتذكر كيف اضطرت عائلتها بعد انتهاء الحرب عام 1996 إلى مغادرة ألمانيا، إذ طلب منهم إما المغادرة الطوعية أو الترحيل على نفقتهم الخاصة.

ويشار إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1996 تمت عمليات الترحيل من ألمانيا إلى البوسنة والهرسك. وعانى الأطفال الذين ذهبوا إلى المدارس في ألمانيا بصورة خاصة من هذا القرار. وكانت عليهم مغادرة البلاد مع عائلاتهم والذهاب إلى البوسنة التي كانت حينها لا تزال مدمرة بالكامل بسبب الحرب.

عادت ميلينا مع عائلتها لسراييفو، لكن لم يُسمح لهم بالعودة لقريتهم الأصلية، وتقول في هذا الصدد، "كنا لاجئين في بلدنا".

ولم يتراجع اهتمام الصحافية البوسنية بألمانيا، ففي 2015 سافرت إلى برلين كطالبة بعد أن حصلت على منحة دراسية، وهي تعمل حالياً في مؤسسات ووسائل إعلام مختلفة، تحاول جاهدة إيصال معاناة الشعب البوسني مع الإبادة والعنصرية، ونقل مأساة الأطفال الذين اضطروا إلى العودة لوطن لا يعرفون عنه شيئاً.

في تسعينيات القرن الماضي، استقبلت ألمانيا ما يقارب 400 ألف لاجئ من يوغوسلافيا السابقة، وكان معظمهم من البوسنة والهرسك، وبعد انتهاء الحرب طلبت منهم "المغادرة طواعية".

وتُعدّ قصة ميلينا واحدة من آلاف القصص لأطفال تمت إعادتهم إلى وطنهم بعد انتهاء الحرب.

"لا أتقن الحديث والكتابة باللغة العربية"

يشعر آدم بالقلق والفرح في الوقت نفسه، فسقوط بشار الأسد يُعدّ "خبراً جيداً" بالنسبة إليه، لكن النقاش الحالي حول إعادة اللاجئين يشعره بالقلق، ويقول الشاب البالغ من العمر 18 سنة "أناً حالياً في صف البكالوريا وأخطط لألتحق بالجامعة في مجال هندسة السيارات، أجد مستقبلي هنا في ألمانيا فالعودة حالياً صعبة، لا سيما أنني أنا لا أتقن الحديث ولا الكتابة باللغة العربية".

ويعيش آدم برفقة عائلته في فرانكفورت، ويأمل الشاب السوري في أن تسمح ألمانيا لهم فقط "بزيارة سوريا لكن من دون إلغاء صفة اللجوء".

"سوريا تبحث بشدة عن عمال"

تختلف المواقف السياسية في ألمانيا حول كيفية التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، إذ يدعو سياسيون من "الحزب الديمقراطي المسيحي" (CDU) و"حزب البديل من أجل ألمانيا" (AfD) إلى ترحيل اللاجئين السوريين أو تشجيعهم على العودة الطوعية من خلال تقديم حوافز مالية.

ويشير "حزب البديل من أجل ألمانيا" إلى أن اللجوء هو حق موقت، وبمجرد زوال أسبابه يجب عموماً إعادة اللاجئين إلى وطنهم وذلك لأجل مصلحتهم، فسوريا تبحث بشدة عن عمال لإعادة بناء البلاد.

1000 يورو لكل شخص

في حين اقترح نائب رئيس كتلة "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في البرلمان الألماني ينس سبان استئجار طائرات للسوريين الراغبين في العودة لبلادهم وتقديم مبلغ مالي يصل إلى 1000 يورو لكل شخص. في المقابل، عبّر "حزب الخضر" عن تحفظاته على مثل هذه الإجراءات، محذراً من أن التسرع قد يتسبب في أوضاع غير إنسانية.

ومنذ عام 2020، اتخذت ولاية ساكسونيا خطوة غير مسبوقة من خلال تقديم حوافز مالية للاجئين السوريين الذين يقررون مغادرة ألمانيا طوعاً، ويتم تقديم 1000 يورو لكل فرد، وهذه المبالغ تمول بالكامل من موازنة الولاية، وفي 2024 لم يغادر سوى 17 سورياً من أصل 28 ألفاً مسجلين في الولاية.

"تأجيل القرارات المتعلقة بطلبات اللجوء"

بعد سقوط نظام الأسد، قرر المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) تعليق معالجة طلبات اللجوء الجديدة المتعلقة بسوريا، وحالياً هناك أكثر من 47 ألف طلب لجوء معلق.

وهناك نحو مليون سوري يعيشون في ألمانيا، ومن بين هؤلاء هناك 712 ألف شخص لاجئون.

ويُعدّ معظمهم من الأطفال والشباب، ففي العام الدراسي 2023-2024، التحق 206 آلاف من بينهم بمدارس التعليم العام في ألمانيا، بينما التحق 56 ألفاً آخرين بمدرسة مهنية.

وبحسب وزارة الداخلية الألمانية، فقد تم تأجيل القرارات المتعلقة بطلبات اللجوء الجديدة من السوريين حتى تتضح الأمور في سوريا، وفي المقابل تُمنح الأولوية لطلبات اللجوء من بلدان أخرى.

وأكدت وزيرة الداخلية نانسي فايسر أن برلين تنتظر أن يتضح الوضع في سوريا قبل اتخاذ أي قرارات نهائية في شأن مصير اللاجئين.

"زيادة التأثيرات الدينية"

ونشر طارق العويس، الناشط السوري المقيم في ألمانيا، تقريراً بعد زيارته سوريا، على صفحة "Pro Asyl" منظمة تدعم اللاجئين، وتحدث عن الأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

ورأى أن سوريا بعيدة من الاستقرار، مشيراً إلى أن النقاشات في ألمانيا التي تصوّر سوريا "آمنة" للعودة تتجاهل هذا الواقع. وأضاف أن سوريا لا تزال تعاني آثار الحرب بسبب تدمير البنية التحتية والتضخم والبطالة. وأردف أن هناك تقارير عن زيادة التأثيرات الدينية التي تؤثر بصورة خاصة في النساء والأقليات.