مسيرات "الدعم السريع" تغرق السودان في الظلام
تصاعدت في الآونة الأخيرة هجمات الطائرات المسيرة على محطات توليد الكهرباء بالمناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني، بعد استهدافها من قبل قوات "الدعم السريع"، وسط مخاوف متزايدة من توسيع نطاق الهجمات على المنشآت الاقتصادية والحيوية لتصل إلى كل الولايات والمدن الآمنة.
بدأ أول انقطاع للكهرباء الأسبوع الماضي بعد هجمات بالطائرات من دون طيار على سد مروي أكبر سد في البلاد، مما أثر في الولاية الشمالية، وكذلك حدوث مشكلات فنية بولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، واتسع نطاق انقطاع الكهرباء بعد الهجوم على محطة كهرباء منطقة الشوك شرق السودان، ليشمل ولايات القضارف وكسلا وسنار، ونتيجة لهذه الهجمات انقطعت الخدمات الأساس عن مئات آلاف المدنيين بخاصة المياه وشبكات الاتصالات والإنترنت، إلى جانب توقف عمل المستشفيات والتطبيقات البنكية.
وتستضيف المدن والمناطق المتضررة من انقطاع الكهرباء ملايين النازحين داخلياً، مما يشكل ضغطاً كبيراً على مساحة المعيشة والبنية التحتية، فكيف ينظر المراقبون والمتخصصون إلى هذا التطور ومدى خطورته على المنشآت الاقتصادية الحيوية وانعكاساته على المواطنين السودانيين، وإمكان تأمين الجيش المنشآت من الاستهداف؟
أهداف ومكاسب
الباحث في مركز الخرطوم للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني قال إن "الدعم السريع" ومنذ الأيام الأولى للحرب لا تراعي قواعد الاشتباك والقيم المتبعة أثناء النزاعات المسلحة وأبرزها حماية المدنيين، وابتعدت كثيراً عن الأخلاقيات المعهودة، إذ عمدت إلى قتل الأسرى والاحتماء بالمرافق، وتموضعت ونصبت أسلحتها الثقيلة داخل منازل المواطنين، واعتدت على النساء، وقتلت هذه القوات الأطفال وكبار السن أمام ذويهم، واتخذت دور العبادة المساجد والكنائس نقاط ارتكاز لتوجيه نيران المدافع نحو المرافق المدنية خارج سيطرتها، خصوصاً المستشفيات ومراكز الخدمات، وكذلك احتمت بمحطات مياه الشرب وحولتها لمواقع للمناورة".
وأشار مدني إلى أن قوات "الدعم السريع" اتجهت خلال الفترة الأخيرة إلى استخدام سلاح المسيرات بكثافة خارج الميدان العسكري المباشر، وذلك بضرب بعض المواقع المدنية لإحداث أثر نفسي يمكنها من الضغط على الجيش والمواطنين، لكن لا أعتقد أن عاملي الوقت والواقع المتغير سيسعف خططها".
ولفت الباحث في مركز الخرطوم للحوار إلى أن "مواصلة استهداف المرافق المدنية والمنشآت الاقتصادية البعيدة من ميدان الحرب يهدف إلى أحراز نصر بأى شكل لرفع الروح المعنوية لهذه القوات، وإحراج السلطة الحاكمة، فضلاً عن إطالة أمد الصراع المسلح وتوصيل رسالة للخارج بأن الحرب ما زالت متقدة والرهان على الزمن لتحقيق مكاسب سياسية".
يأس وإحباط
إلى ذلك، دانت وزارة الخارجية السودانية الهجوم الذي شنته قوات "الدعم السريع" على محطة كهرباء منطقة الشوك ومحطة مياه القضارف في شرق البلاد، واستهداف المدنيين.
وقالت في بيان لها إن "الهجوم أثر بشكل كبير في إمدادات المياه والكهرباء في ولايتي كسلا والقضارف، اللتين تعتبران من أكبر الإقاليم المنتجة للغذاء، وتستضيفان أعداداً كبيرة من النازحين الفارين من ويلات الحرب واللاجئين من دول الجوار".
ووصف البيان الحادثة بأنها "جريمة جديدة تعبر عن اليأس والإحباط لدى قوات "الدعم السريع" بعد سلسلة الهزائم العسكرية التي ألحقها بها الجيش السوداني والقوات المساندة له.
بيد أن "الدعم السريع" لم تصدر أي تعليق أو بيان حتى اللحظة على اتهام الجيش والخارجية لها باستهداف محطات توليد الكهرباء.
تأثير اقتصادي
في السياق، يري المحلل وأستاذ الاقتصاد محمد الناير أن "استهداف المنشآت الاقتصادية يتنافي مع الأعراف الدولية المتعارف عليها، وهذه الخطوة تشكل تطوراً في مسار الحرب بصورة أساسية، لأن هذه المنشآت استراتيجية وترتبط بحياة المواطنين، بخاصة المستشفيات والمرافق الخدمية، إذ تدخل الطاقة الكهربائية والمياه في دائرة الإنتاج، وكذلك تسهم في تسيير دولاب العمل في الدولة وتقديم الخدمات الضرورية، بالتالي فهي مهمة ولا يستطيع الإنسان العيش من دون توافر الماء والعلاج".
وأضاف أن "استقرار الكهرباء يدعم شبكات الاتصالات نظراً لارتباط كثير من العمليات اليومية التي يحتاجها الناس بهذه الخدمة، لا سيما التطبيقات البنكية والتحويلات المصرفية".
وأوضح الناير أن "التطورات الأخيرة في مسار الحرب أثرت في الاقتصاد السوداني، لذلك ينبغي على الدولة أن تضع التدابير اللازمة من ناحية اقتصادية وعسكرية لتأمين هذه المنشآت الحيوية والاستراتيجية ووضع الحلول الناجعة لعدم استهدافها وعودتها إلى الخدمة بصورة عاجلة، وكذلك إثبات ما تم من تدمير وأضرار للمجتمع الدولي لأن هذه العمليات التخريبية تتنافي مع الأعراف الدولية التي تمنع استهداف المدنيين في مناطق وجودهم أو خدماتهم الضرورية من كهرباء ومستشفيات ومحطات مياه".
تفاقم المعاناة
على الصعيد نفسه، قالت مجموعة "محامو الطوارئ" الحقوقية إنه "نتيجة لهذه الهجمات، انقطعت الخدمات الأساس عن مئات الآلاف من المدنيين في أنحاء البلاد، مما أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية".
وأشارت في بيان لها "يعد هذا الهجوم انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام البنية التحتية المدنية الضرورية للحياة اليومية، وفقاً لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي لعام 1977، وتعتبر المنشآت الحيوية مثل محطات الكهرباء أهدافاً محمية يجب عدم استهدافها أثناء النزاعات المسلحة، إلا إذا كانت تستخدم مباشرة لأغراض عسكرية".
وأضافت "هذه الهجمات لا تؤدي فقط إلى حرمان المدنيين من حقوقهم الأساس، بل تزيد من خطر تصعيد العنف، ولذلك نحمل قوات "الدعم السريع" المسؤولية الكاملة عن تعمد استهداف منشآت حيوية لأن هذه الأفعال تفاقم الأزمات الإنسانية وتعرض أرواح الأبرياء لأخطار جسيمة".
استراتيجية جديدة
على صعيد متصل، أوضح أستاذ العلوم السياسية محمد جبارة أن "هجمات مسيرات الدعم السريع على شمال وشرق السودان لن تكون الأخيرة وربما تتطور بهدف استهداف منشآت حيوية واستراتيجية في مدن البلاد الآمنة، بالتالي يجب أن يضع الجيش تدابير عسكرية لتأمين المرافق الخدمية من خطر التدمير والتخريب".
ونوه جبارة إلى أن الضغط الذي تتعرض له قوات "الدعم السريع" في مناطق عدة خصوصاً ولاية الجزيرة والخرطوم بحري، وتضييق الخناق عليها بالضربات الجوية المكثفة، دفعها للجوء إلى استراتيجية جديدة تسعى من خلالها لتعطيل خدمات المنشآت الاقتصادية، لا سيما وأن الطائرات المسيرة تمتلك خاصيتي الاستطلاع والتدمير معاً.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن قوات "الدعم السريع" تسعى حثيثاً إلى جعل الشمال والشرق ضمن دائرة الحرب وفي بالها العاصمة الإدارية الحالية بورتسودان نفسها، بعد أن تسببت تلك الهجمات في زعزعة الأمن وبث الخوف وسط المواطنين، ورفع درجة استعداد الأجهزة الأمنية إلى الدرجة القصوى تحسباً لهجمات جديدة متوقعة في أية لحظة".