"دافوس" في عصر الذكاء الاصطناعي.. هل تغيّرت الأولويات؟
تحت شعار "التعاون لعصر أكثر ذكاءً"، افتتح المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2025" أعمال دورته السنوية الـ 55، الإثنين الماضي، حيث يُعد هذا الحدث من أبرز المنصات العالمية التي تستقطب قادة الحكومات، ورواد الأعمال، والخبراء من مختلف أنحاء العالم لبحث القضايا العالمية والإقليمية الملحّة.
ورغم تنوع الموضوعات المطروحة على أجندة "دافوس 2025"، والتي تشمل حالة عدم اليقين الجيوسياسي والتوترات الاقتصادية والتجارية وأهداف المناخ، إلا أن نسخة هذا العام طغى عليها الطابع التكنولوجي بشكل لافت ما حوّل المنتدى إلى ما يشبه المؤتمر للذكاء الاصطناعي، وذلك مع تخصيص أحد المحاور الرئيسية لـ "دافوس 2025"، للحديث عن الذكاء الاصطناعي بوصفه "قوة دافعة للاقتصاد والمجتمع".
الذكاء الاصطناعي في صلب النقاشات
وبحسب تقرير أعدته مجلة "فورتشن" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه تم تخصيص أكثر من 20 جلسة خلال "دافوس 2025" للتركيز بشكل مباشر على مجال الذكاء الاصطناعي ودوره في التعليم والعمل والاقتصاد، إضافة إلى كيفية تأثيره على الجغرافيا السياسية وضرورة تنظيمه.
وسيشارك في المنتدى الكثير من ممثلي قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث سيلتقون بقادة العالم ويتحدثون عن أبرز الخطوط العريضة لتوجهات هذه التكنولوجيا، ومن أبرز هؤلاء، سام ألتمان، المؤسس المشارك لشركة OpenAI، رئيس Meta AI يان لوكان، والمؤسس المشارك لشركة Inflection مصطفى سليمان، إضافة إلى رائد الذكاء الاصطناعي أندرو نج، وآخرون.
الـ AI يستولي على "ممشى دافوس"
استحواذ الذكاء الاصطناعي بشكل لافت على مجريات الأحداث في منتدى دافوس لعام 2025، تطرق إليه أيضاً تقرير أعدته شبكة "CNBC" تحت عنوان "جنون الذكاء الاصطناعي يسيطر على دافوس"، فبحسب التقرير الذي اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تحوّل "ممشى دافوس" الذي يعد النقطة المحورية للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى مساحة لعرض العلامات التجارية مثل Intel و Salesforce وWorkday لمنتجاتها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى أن شركات التكنولوجيا استولت هذا العام على الممشى، تماماً كما فعلت شركات التشفير في الأعوام السابقة.
والتركيز الذي تشهده أجندة منتدى دافوس لعام 2025 باتجاه الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات كبيرة، حول الأسباب التي تدفع المنظمين الى تحويل المنتدى إلى ما يشبه المؤتمر للذكاء الاصطناعي بدلاً من مؤتمر اقتصاد، حيث أشار تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن هذا التوجّه ليس بمستغرب، نظراً للطفرة التي تشهدها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والتي دفعت الشركات إلى الذهاب بهذا التوجّه.
أخبار ذات صلة أخبار أميركامستشار ألمانيا ينتقد "تحية ماسك".. والأخير يسخر دافوس 2025لاغارد: لا نشعر بقلق مفرط من انتقال التضخم إلى أوروبا
وينقل التقرير عن ميهير شوكلا، الرئيس التنفيذي لشركة Automation Anywhere، قوله، إن المحادثات بشأن الذكاء الاصطناعي هذا العام، تحولت من المبالغة إلى أسئلة حول الحقائق العملية، كاشفاً أن الرؤساء التنفيذيين للشركات باتوا يطاردون الذكاء الاصطناعي، لكونهم يجدونه رائعاً، ولكن المهمة حالياً هي إيجاد القيمة الحقيقية منه.
أسباب جعلت الـ AI حديث دافوس
تقول مستشارة الذكاء الاصطناعي المعتمدة من أوكسفورد هيلدا معلوف، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه لطالما كان لصناعة التكنولوجيا حضور كبير في دافوس، مع بيل غيتس ومارك زوكربيرغ، ولكن الذكاء الاصطناعي سيطر حالياً على المحادثات بوتيرة غير مسبوقة، نظراً لقدرته على جذب كميات مذهلة من رأس المال، إضافة إلى خلق مشاعر الدهشة والخوف معاً، فمنتدى دافوس 2025 يركّز بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، لكوننا نشهد اليوم نقلة نوعية في طريقة عمل الاقتصاد العالمي، إذ أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرّد أداة لتحليل البيانات، بل أصبح محركاً رئيسياً للإنتاجية والابتكار، مشيرةً إلى وجود العديد من الشركات الكبرى التي باتت تعتمد على هذه التكنولوجيا، لتحسين سلاسل الإمداد، وتطوير منتجات جديدة، وحتى تعزيز تجربة العملاء، فإذا نظرنا إلى الإحصائيات، سنجد أن الاستثمارات العالمية في هذا المجال تنمو بوتيرة غير مسبوقة، مما يؤكد أن الذكاء الاصطناعي عامل أساسي في بناء الاقتصاد المستقبلي، وهذا التوجه ليس برفاهية، بل ضرورة لأي دولة تريد أن تحافظ على تنافسيتها في السوق العالمية.
ولفتت معلوف إلى أن الذكاء الاصطناعي بدأ يشكّل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأوضح مثال على ذلك هو قيام شركات إنتاج الهواتف بطرح طرازات قادرة على استيعاب هذه التكنولوجيا، وذلك لعلمها أن الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي الذي ظهر في نهاية 2022، سيغيّر طريقة تعاطينا مع مجريات الأحداث اليومية، فحالياً يمكن للتطبيقات الذكية أن تساعدنا في كل شيء، من الصحة إلى التعليم وحتى في تنظيم شؤوننا اليومية، وعلى سبيل المثال، في الرعاية الصحية، أصبح بالإمكان استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتشخيص بعض الأمراض بشكل أسرع، وفي التعليم، بات بإمكان الذكاء الاصطناعي المساعدة في تصميم مناهج مخصصة لكل طالب بناءً على احتياجاته، ومع هذا التغيير الكبير يمكن فهم سبب تركيز النقاشات في دافوس 2025 على موضوع الذكاء الاصطناعي، فالعالم أجمع ينظر إلى ما ستحمله هذه التكنولوجيا من تغييرات في الأيام والأشهر المقبلة.
دافوس.. التعاون من أجل عصر ذكي
وبحسب معلوف فإن النقطة التي لا يمكن تجاهلها والتي تدفع منتدى دافوس 2025 للتركيز على الذكاء الاصطناعي، هي أن هذه التكنولوجيا أصبحت قضية جيوسياسية بامتياز، فالدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين تتنافس بشدة على الريادة في هذا المجال، على اعتبار أن الذكاء الاصطناعي يشكّل عنصر قوة في كل شيء، من الاقتصاد إلى الدفاع، وبالتالي تتطرق المناقشات في المنتدى، إلى القلق الواضح بشأن التوترات العالمية، التي تظهر بشأن التكنولوجيا وسبل مواجهتها، وذلك كي لا يصبح الذكاء الاصطناعي أداة لتعميق الانقسامات بين الشعوب والدول، كما يشهد دافوس إطلاق دعوات للتعاون الدولي، لوضع أطر تنظيمية تضمن أن هذه التكنولوجيا، ستستخدم بطرق أخلاقية وعادلة.
تكنولوجيا تعيد صياغة الاقتصاد والسياسة
من جهته يقول المحلل التقني جوزف زغبي في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أحد أبرز أسباب التركيز على الذكاء الاصطناعي في منتدى دافوس هذا العام هو سرعة تطور هذه التكنولوجيا، فنحن في الوقت الراهن نتحدث عن أنظمة متقدمة، قادرة على القيام بمهام كانت حكراً على البشر، مشيراً إلى أن هذه التكنولوجيا تحمل فرصاً هائلة لتحسين الإنتاجية والابتكار، ولكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات كبيرة حول كيفية إدارتها وضمان استخدامها بشكل مسؤول، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يركز منتدى اقتصادي كدافوس، على وضع أطر تنظيمية واضحة، تمنع استغلال هذه التقنيات بطرق تضر بالمجتمعات.
واعتبر زغبي أن إحدى القضايا الأكثر إثارة للقلق التي تتم مناقشتها في دافوس هذا العام هي إمكانية تكرار الذكاء الاصطناعي لأخطاء وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بنشر المعلومات المضللة، ولذلك فإن حضور سام ألتمان، المنتدى سيكون، للدفاع عن التكنولوجيا الجديدة، وشرح كيف يمكن ضمان عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها تكنولوجيات أخرى في الماضي.
ويلفت زغبي إلى أن المنتدى سيناقش أيضاً التحديات التقنية والبيئية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فتشغيل هذه التكنولوجيا يتطلب كميات ضخمة من الطاقة، ما سيؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون في حال لم يتم تبني حلول طاقة نظيفة لتشغيلها، وبالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات أمنية تتعلق بحماية أنظمة الذكاء الاصطناعي من القرصنة أو إساءة الاستخدام، كاشفاً أن النقاش في دافوس سيركز على أهمية تحقيق التوازن بين التقدم التقني والاعتبارات البيئية والأمنية، لضمان مستقبل مستدام وآمن لهذه التكنولوجيا.
منتدى دافوس ملفات ساخنة تسيطر عليها غزة وسوريا