ما مآرب نتنياهو السياسية من هدنة غزة؟
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ أشهر ضغوطاً من حلفائه السياسيين وعائلات الرهائن والجنود لإنهاء حرب غزة، لكن محللين يقولون إنه يأمل الآن في أن يساعده وقف إطلاق النار على البقاء في السلطة.
يمثل اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الذي أعلنه الوسيطان قطر والولايات المتحدة أمس الأربعاء، لحظة محورية لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
فمنذ هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، واجه نتنياهو انتقادات علنية حادة لعدم تأمين إطلاق سراح المحتجزين في غزة في وقت أبكر.
واتهمت عائلات الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون في غزة نتنياهو بعرقلة الجهود التي استمرت أشهراً لإنهاء الحرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية، بينما يواجه في الوقت نفسه اتهامات بالفساد في محاكمة متواصلة.
وأرسل إليه نحو 800 من أهالي الجنود في وقت سابق من الشهر الجاري رسالة قالوا ضمنها إنهم لم يعُد بإمكانهم "السماح لك بمواصلة التضحية بأبنائنا كوقود للمدافع".
وقُتل أكثر من 400 جندي إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية منذ بدء الحرب، لكن أعضاء اليمين المتطرف في ائتلاف نتنياهو هددوا بالانسحاب من إدارته إذا ما أبرم اتفاقاً لوقف إطلاق النار وضغطوا من أجل رد أكثر قوة في غزة.
وعلى رغم الضغوط المتضاربة، يقول محللون إن العقبات التي خيّمت على ولايته خلال الأشهر الأخيرة، من غير المرجح أن تؤدي إلى إسقاط رئيس الوزراء الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه ناجٍ سياسي.
بعد هجوم السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1210 أشخاص، معظمهم من المدنيين بحسب تعداد لوكالة الصحافة الفرنسية استناداً إلى بيانات إسرائيلية رسمية، تعهد نتنياهو بـ"سحق حماس" وإعادة الرهائن إلى ديارهم.
وخلال الهجوم، خطفت حركة "حماس" 251 شخصاً ما زال 94 من بينهم محتجزين في قطاع غزة، فيما أعلن الجيش مقتل 34 منهم.
وعلى رغم أن "حماس" لم تهزم، فإن إسرائيل دمرت قيادة الحركة وبنيتها العسكرية، وأضعفت بصورة كبيرة عدوها اللدود "حزب الله" اللبناني في حرب موازية شمالاً، تمكنت خلالها من اغتيال الأمين العام للحزب المدعوم من إيران حسن نصرالله وعدد من القياديين الآخرين.
والآن، قد يسعى نتنياهو إلى إيجاد طريقة لاستخدام اتفاق وقف إطلاق النار لمصلحته، ربما بالابتعاد من شركاء الائتلاف اليمينيين المتطرفين الذين اعتمد عليهم منذ عام 2022.
وقد يمهد الاتفاق الطريق لسلام طويل الأمد مع السعودية، بدعم من الرئيس الأميركي العائد للبيت الأبيض دونالد ترمب.
أفضل لاعب
يقول رئيس قسم الدراسات السياسية في جامعة بار-إيلان في تل أبيب جوناثان رينهولد إن "المفتاح ليس الموقف ولكن كيف تخوض اللعبة، والخلاصة هي أن (نتنياهو) أفضل لاعب في اللعبة".
وقبل هجوم "حماس"، كانت الولايات المتحدة حليفة إسرائيل على وشك إبرام اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب.
ويرى الصحافي ومؤلف كتاب سيرة نتنياهو عام 2018 أنشيل فيفر أن "السؤال هو ما الذي سيحصل عليه نتنياهو من الصفقة بعد إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، وهنا نصل إلى المسألة السعودية".
ويشير إلى أنه من الممكن أن يكون الاتفاق "جزءاً من شيء أكبر بكثير، فيريد ترمب صفقة" بين السعودية وإسرائيل.
وفيما تعهد شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف بمعارضة وقف إطلاق النار، قال فيفر إنه من غير المرجح أن تؤدي أي خلافات في الائتلاف الحاكم إلى إسقاطه.
وعلى رغم ذلك، فإن وقف إطلاق النار سيكون "لحظة الحقيقة" بالنسبة إلى نتنياهو، إذ قد يحاول الابتعاد من اليمين المتشدد في الائتلاف إلى "نوع من الصفقة مع السعوديين تحدد إرثه" السياسي، وفق فيفر.
الاستغناء عن أقصى اليمين
وتقول المحللة السياسة في الجامعة العبرية في القدس غاييل تالشير إن نتنياهو ربما لم يعُد بحاجة إلى الاعتماد على أقصى اليمين.
وأعرب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن إيتمار بن غفير وكلاهما من أعضاء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو مراراً عن معارضتهما للصفقة.
وترجح تالشير "ألّا يكون سموتريتش وبن غفير جزءاً من صفقة مماثلة، مما يعني أنه خلف الستائر الثقيلة، قد يكون نتنياهو يستعد لذلك اليوم".
وتردف أن وزير الدفاع السابق بيني غانتس وزعيم المعارضة يائير لابيد وشخصيات أخرى أشاروا بالفعل إلى أنهم سيعملون مع نتنياهو إذا توصل إلى اتفاق لتحرير الرهائن أو إذا أبرم صفقة مع السعودية.
لا تغيير في قواعد اللعبة
ويلفت المعلق السياسي ورئيس أركان نتنياهو السابق أفيف بوشينسكي إلى أنه على رغم بعض الاضطرابات التي أثارها وقف إطلاق النار، "فإنه من الناحية السياسية، ليس تغييراً في قواعد اللعبة".
وعلى رغم ذلك، يقول إن هجوم السابع من أكتوبر سيستمر في إلقاء ظلاله على نتنياهو، ويضيف أن رئيس الوزراء "يريد أن يتذكر الناس أولئك الذين تمكن من إعادتهم ولكن ليس أولئك الذين لم يتمكن من إعادتهم".
ويتابع "لكن هذا الشيء سيستمر في مطاردته، ستكون المرة الأولى منذ قيام إسرائيل" التي يعجز فيها جيشها عن إنقاذ مدنيين مفقودين.