Image

مصر.. إخضاع سائقي حافلات المدارس لتحليل المخدرات

في ظل انتشار حوادث الحافلات المدرسية الناجمة عن تعاطي السائقين للمخدرات، والتي يدفع ثمنها العديد من الأطفال الأبرياء، اتخذت الحكومة المصرية الكثير من الإجراءات والقرارات التي من شأنها الحد من الظاهرة والحفاظ على حياة الصغار. ومن بين هذه الإجراءات إخضاع سائقي "الأتوبيسات" إلى تحليل المخدرات. 

هذا الإجراء سيتم سواء بصورة دورية داخل المدارس نفسها، أو بصورة مفاجئة تتم على الطرق، بالتعاون بين وزارات وأجهزة مختلفة مثل وزارتي التربية والتعليم والتضامن وأجهزة مكافحة الإدمان تحت شعار "الوقاية خير من الحوادث".

في هذا الصدد، يؤكد الدكتور عمرو عثمان، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هناك علاقة وثيقة بين تعاطي الحشيش والمخدرات ووقوع حوادث الطرق، حيث تزداد احتمالية وقوع مثل هذه الحوادث ثلاثة أضعاف في حالة تعاطي المواد المخدرة لأن الإدمان يؤثر على تقدير المسافات وردود الأفعال ودرجة التركيز، ولذا فإن صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي يسعى جاهدا بالتعاون مع وزارتي الصحة والداخلية لمواصلة الإجراءات الاستباقية وحملات الكشف المبكر عن تعاطى المواد المخدرة بين سائقي الأوتوبيسات المدرسية تفاديا لوقوع الحوادث، حيث يتم الكشف سنويا داخل مقرات المدارس على حوالي 16 ألف سائق، وقد بدأت هذه الحملات في عام 2017 وكانت حينها نسبة السائقين المتعاطين تبلغ 12%، ومع استمرار هذه الحملات انخفضت النسبة لتصبح حاليًا 6% فقط".

ويرى عثمان أن "التشريعات القانونية الحالية كافية ومفعلة"، موضحا أنه "من خلال حملات الكشف المبكر عن تعاطى المواد المخدرة بين سائقي الأوتوبيسات المدرسية يتم أخذ عينات لفحص السائقين وفي حالة الاشتباه في تعاطيهم للمخدرات يتم إرسال العينات للمعمل، وفي حالة التأكد يتم تحويل المتعاطين للنيابة العامة وفصلهم عن وظائفهم بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات التقاضي".

وأضاف أن "الاتجاه الذي يحكمنا الآن هو الوقاية أولا قبل أن تستفحل المشكلة، لذلك نحاول أن نعالج ظاهرة حوادث الطرق بالنسبة لسيارات المدارس من المنبع، لأن الدراسات أثبتت أن معظم هذه الحوادث السبب فيها قيادة السيارات في حالة من فقدان جزئي للوعي تحت تأثير المخدرات، لا سيما وأن السائقين قد يظلوا مستيقظين لأكثر من 3 أيام متتالية، وبالتالي يفقد تركيزه ويرتكب حوادث يكون الضحية فيها الصغار"، مشيرا إلى أن كثيرا من الحافلات المدرسية قد تلجأ إلى تحميل أعداد من التلاميذ أكبر من السعة الطبيعية لها.

فحوصات طبية ضرورية قبل التعيين

من جانبه، أكد الدكتور محمد عبد الرحمن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، خطورة تعاطي المخدرات خاصة بين سائقي الأوتوبيسات المدرسية لأنها تؤدي إلى ذهاب العقل والوعي وتعب الأعصاب وقد يصل الأمر إلى تخيل أشياء لا تمت للواقع بصلة مما يؤدي إلى وقوع الحوادث المفجعة.

وأضاف: "يزداد الأمر خطورة في حالة الباصات المدرسية لأنها تحمل عددا كبيرا من الأطفال، وكذلك فإن الكوارث تزداد بسبب قيام بعض المدارس بتعيين سائقين دون إخضاعهم لكشوفات أو فحوصات"، مبرزا أن "الخطورة لا تكمن في الإدمان فقط، حيث يجب التأكد من عدم إصابة السائقين بالضغط أو السكر أو ضعف النظر وغيرها من الأمراض التي قد تؤثر على القيادة"، مضيفا أن فحوصات الكشف عن تعاطي مختلف أنواع المخدرات لابد أن يتم إجراؤها قبل تعييين السائقين كما يجب أيضا أن تتم بشكل دوري ومفاجئ وليس عند التعيين فقط، خاصة وأن بعض أنواع المخدرات يذهب تأثيرها ولا تظهر في التحاليل بعد 24 ساعة من تعاطيها".

وأوضح: "كذلك هناك اعتقاد خاطئ وخطير لدى بعض السائقين بأن تناول البرشام والمواد المخدرة ضرورة لتحمل مشاق السواقة، فلا بد من تنظيم حملات توعوية بمختلف وسائل الإعلام للتحذير من مخاطر تناول المخدرات، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات على متعاطي المخدرات لتصبح رادعة ولا تقتصر على مجرد الفصل من العمل، فلابد من أن تشمل العقوبات السجن المشدد والغرامات، وكذلك لابد من إلزام المدارس بإجراء تحليلات للسائقين قبل تعيينهم أو التعاقد معهم".   

تغليظ العقوبات في القانون

من زاوية ثالثة، يوضح الخبير الدستوري والقانوني دكتور إسلام قناوي أن تعاطي المخدرات يعد من أخطر الجرائم التي يقترفها الإنسان تجاه نفسه والمجتمع، فالمخدرات هي وباء العصر وهي البوابة الرئيسية لعالم الجريمة، ومن أجل ذلك فقد وضع المشرع لها نصوصا عديدة تجرم تجارتها وتعاطيها.

وتابع أن "الأمر يزداد خطورة عندما يكون مدمن المخدرات ومتعاطيها مسؤولا عن غيره من أرواح بشرية وخصوصا لو كانوا أطفالا صغارا لا حول لهم ولا قوة، فالصورة الأخطر والأشهر هم السائقين وخصوصا سائقي أتوبيسات المدارس، ولا يجب أن ننسى أن حادث القطار الشهير بمحطة مصر الذي تسبب فيه سائق يتعاطى الأستروكس كان سببا في سن تشريع خاص بفصل الموظف متعاطي المخدرات، وهو القانون 73 لسنة 2021 في شأن شروط شغل الوظائف والاستمرار فيها، حيث يخضع الموظف سواء عند التعيين أو عند الترقية لتحليل لضمان عدم تعاطيه المخدرات، وهو ما يسري أيضا على السائقين، حيث نص صراحة على سريانه على المدارس الحكومية والخاصة ودور الأيتام وعلى كافة العاملين بهم، وبالتالي إذا التزمت المدارس بإجراء هذا التحليل عند التعيين أو الترقية سيختلف الأمر".

وواصل حديثه موضحا أن "القانون ينص أيضا على إجراء تحاليل مفاجئة لعينات عشوائية ولكن كل ذلك لا يحدث للأسف فالقانون موجود ولكن التطبيق يكاد يكون متوقفا وهنا تكمن المشكلة، فلابد من تفعيل القانون وأن تكون هناك زيارات مفاجأة من قبل اللجنة المشار إليها في القانون والتي تتكون من عناصر من الطب الشرعي والمستشفيات الجامعية ووزارة الصحة لإجراء تحاليل عشوائية للسائقين".

مخاوف أولياء الأمور

من جانبه، يطالب المهندس عمرو سيد والدكتورة نهلة عبد المنعم (أولياء أمور) بتكثيف "حملات الكشف على تعاطي سائقي الحافلات المدرسية للمخدرات تفاديا لوقوع الحوادث، خاصة وأن المخدرات تسبب غياب الوعي، كما أنها قد تسبب تصرف مدمنيها بطريقة غير لائقة حيث تتدنى أخلاقياتهم وسلوكياتهم وألفاظهم وقد يصل إلى التحرش بالأطفال، فلابد ألا يقتصر الأمر على إجراء تحليلات داخل المدارس للسائقين، وإنما لابد من وجود تفتيش وحملات مفاجئة على الطرق لإجراء التحليلات للسائقين، لحماية الأطفال الأبرياء".