Image

سيناريوهات ما بعد انتخاب جوزاف عون رئيسا للبنان

أصبح للبنان رئيس للجمهورية هو العماد جوزاف عون، بعد فترة من المخاض العسير والتعقيدات الدولية والداخلية وحرب إسرائيلية ضروس، وبعد فراغ استمر أكثر من عامين. كثيرة هي القراءات في كيفية وصول العماد عون، بخاصة أنه ولساعات قليلة قبل الانتخاب كان هناك عديد من الكتل النيابية إما ضد اسم عون، أو لم تكن قد حسمت أمرها بعد، وأخرى تنتظر أين ستصب موازين القوى.

إنما وبسحر التشاور صوت 99 نائباً من أصل 128 لمصلحة عون في الدورة الثانية، بعدما كان قد حصل على 71 صوتاً في الدورة الأولى، فما الذي تغير بين الجلستين؟ الجواب ببساطة لا شيء، فقط حاولت كتلة "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل) أن تناور ولذلك أسباب كثيرة.

تأثير الدومينو

الرئيس عون قال في بداية خطاب القسم "لقد شرفني السادة النواب بانتخابي رئيساً للجمهورية اللبنانية، وهو أعظم الأوسمة التي أحملها وأكبر المسؤوليات، فأصبحت الرئيس الأول بعد المئوية الأولى لقيام دولة لبنان الكبير، في وسط زلزال شرق أوسطي تصدعت فيه تحالفات وسقطت أنظمة وقد تتغير حدود". ومن هذه النقطة أتى انتخاب عون رئيساً بعد توازن القوى الجديد الداخلي والإقليمي الذي فرضته معطيات عديدة بدءاً من حرب غزة، والحرب بين "حزب الله" وإسرائيل، وسقوط نظام بشار الأسد.

مناورة "الثنائي"

في النظام اللبناني الذي يتبع سياسة لا غالب ولا مغلوب والديمقراطية التوافقية بسبب التعقيدات الطائفية التي تتشبث بالبلد، سيحتفظ "الثنائي الشيعي" بنفوذ سياسي كبير في المرحلة المقبلة، في الأقل حتى انتخاب مجلس نيابي جديد يعكس التحولات وموازين القوى الجديدة، وهذا ما دفع "الثنائي" إلى المناورة خلال جلسة الانتخاب بعدم التصويت للرئيس عون في الجلسة الأولى، ليعطوا الانطباع للخصوم والحلفاء وللبيئة الحاضنة أنهم هم من يقررون اسم الرئيس، ومن غير أصواتهم لم يكن ليصل جوزاف عون إلى سدة الرئاسة. وبالطبع سيطالب "الثنائي" لاحقاً بالثمن المناسب، وسيتجلى ذلك في الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة، ومن ثم تشكيل الحكومة، وإعداد البيان الوزاري، وصولاً إلى المطالبة بحقائب معينة منها وزارة المالية. تلك المساومات ستكون أول اختبار للعهد الجديد، وكيف سيتعامل معها رئيس الجمهورية. وربما كان الرئيس عون قد تلمس ما يحاك من "مناورات"، مما دفعه إلى الإشارة في خطابه إلى أن "عهدي مع المجلس النيابي ومجلس الوزراء أن نعيد هيكلة الإدارة العامة وأن نقوم بالمداورة في وظائف الفئة الأولى في الإدارات والمؤسسات العامة"، وذلك في إشارة إلى ما سرب عن أن "حزب الله" طالب بأن تكون وزارة المالية من حصته.

الجمهورية الثالثة: السلاح تحت سلطة الدولة

وبدا خطاب القسم الذي كان واضحاً ومحدداً وهادفاً أن الرئيس عون على دراية بكل تفصيل سياسي أو أمني واقتصادي واجتماعي، وأنه على إلمام بوجع الناس، وأطلق تعهدات كثيرة، وللمرة الأولى يشعر اللبنانيون بإجماع غير مسبوق على أهمية بناء دولة حقيقية، إذ لا أفضلية لأحد على آخر، وحيث الكل متساو أمام القانون، لا تفاوت ولا امتيازات، بل عدالة تامة تحت سقف واحد. وبعد عقود من الهيمنة السورية والإيرانية، وعقود من الفساد والمحسوبيات سيطرت على مفاصل الدولة، وفككتها، بحيث أصبح لبنان هيكلاً متصدعاً لدولة شارفت على أن تصبح دولة مارقة. من هنا عقد اللبنانيون آمالاً كثيرة على هذا الخطاب الذي جاء حاسماً في أمور عديدة بخاصة أنه لم يشهد لبنان منذ "اتفاق الطائف"، وربما منذ نشأته، لحظة تحمل هذا القدر من الجرأة والوضوح، بأن يتعهد رئيس الجمهورية، في خطاب القسم علناً بحصر السلاح بيد الدولة، هو أمر لم يكن يوماً جزءاً من معادلة السياسة اللبنانية. ولعقود كانت مفردة "المقاومة" لا تغيب عن أي خطاب رئاسي أو بيان وزاري، لكن عون وأمام نواب يمثلون كل أطياف المجتمع اللبناني، بمن فيهم نواب "حزب الله"، قال بحزم ووضوح، "أتعهد بممارسة دوري لتأكيد حق الدولة في احتكار حمل السلاح".

هذا التعهد ستكون له ارتدادات كثيرة على الساحة اللبنانية التي ما زالت هشة، ولكن ذلك لم يكن مجرد تصريح عابر بل هو وعد ونقطة تحول، وربما إيذاناً بولادة الجمهورية الثالثة في لحظة مصيرية داخلية وإقليمية ودولية تتزامن مع زلزال سياسي يغير معالم المنطقة، وتتشكل فيه أنظمة وتحالفات جديدة، ويأتي رئيس الجمهورية ليعيد ترسيخ مكانة لبنان، على خريطة المتغيرات الكبرى، كمشارك وربما كمقرر، وليس كملف يطرح على طاولة الكبار. أضف إلى ذلك تعهده بـ"دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويسهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور".

هل وضع لبنان تحت الوصاية الدولية؟

المناورات السياسية التي سبقت ورافقت جلسة انتخاب الرئيس الـ14 للجمهورية اللبنانية، طرح سؤالاً حول حدود ومفهوم السيادة اللبنانية، وهل وصول قائد الجيش جوزاف عون إلى قصر بعبدا جاء نتيجة تدخل دولي وعربي؟ أيضاً ليطرح تساؤلات عميقة حول دور الأطراف الخارجية في تحديد مصير البلاد.

مما لا شك فيه أن التدخلات والجولات المكوكية والزخم الدبلوماسي الذي سبق ورافق انتخاب الرئيس له أبعاد دولية وعربية. لكن هذا التدخل في الشأن اللبناني ليس ظاهرة جديدة، ذلك أن لبنان كان تاريخياً ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية. وجاء انتخاب عون في هذه المرحلة ليعكس مزيجاً من الإرادة الداخلية والتدخل الخارجي الذي يفرض نفسه نتيجة الأزمة والشلل السياسي والاقتصادي في البلاد. الرجل الذي لاقى إجماعاً بين الدول الكبرى (مثل الولايات المتحدة وفرنسا)، والدول العربية (وبخاصة السعودية وقطر) عمل على "فرض" اسمه كانعكاس لهذا التوافق على شخصه، إذ ينظر إليه كشخصية توافقية تملك خلفية عسكرية قادرة على فرض الاستقرار النسبي، بخاصة مع تزايد المخاوف من تفكك المؤسسات الأمنية، وخلفيته كقائد للجيش تمنحه شرعية داخلية، لا سيما في ظل الثقة التي يتمتع بها الجيش كمؤسسة غير منحازة نسبياً. ومع ذلك فإن التدخل في هذه الحالة يبدو أقل ارتباطاً برغبة في الهيمنة، وأكثر تعلقاً بمحاولة إنقاذية، ولو أنها تخدم مصالح خارجية إلى جانب استقرار لبنان.

مدى استقلال القرار اللبناني

لا يمكن إنكار أن الطبقة السياسية اللبنانية تعاني ضعفاً حاداً في اتخاذ قرارات سيادية بعيداً من الإملاءات الخارجية. الفساد والانقسام الداخلي جعلا من لبنان دولة تعتمد بصورة كبيرة على الدعم الخارجي، وهذا التدخل الدولي في تسمية الرئيس يعكس هشاشة الوضع السياسي الداخلي، إذ لم تتمكن القوى اللبنانية من الاتفاق على مرشح توافقي طوال أشهر.

وفي ظل هذا السياق يمكن اعتبار التدخل نوعاً من الضغط الناعم، ولكن لا يصل إلى مستوى فرض وصاية كاملة. وفي النهاية اعتمد هذا التدخل على قبول داخلي من القوى السياسية، سواء كان نتيجة توافق أو رضوخ. ولكن يمكن القول إن هذا التدخل قد يمثل وصاية سياسية موقتة حتى تستقيم الأمور في الداخل اللبناني، ومع ذلك فإن استمرار هذا النمط من التدخل الخارجي قد يؤدي، في المستقبل، إلى تقويض إضافي لاستقلالية القرار اللبناني، مما يجعل الحديث عن وصاية دولية محتملة أمراً أكثر قرباً من الواقع إذا لم تصلح المؤسسات السياسية اللبنانية نفسها، وفي حال لم تتمكن القوى السياسية اللبنانية من استعادة زمام المبادرة، فإن البلاد قد تتحول تدريجاً إلى نموذج من الوصاية الناعمة، إذ تبقى القرارات الحاسمة رهينة الإرادة الدولية والإقليمية، وانتخاب جوزاف عون قد يكون "الفرصة الذهبية" للملمة البيت اللبناني.

رسائل خطاب القسم

وتشديد الرئيس عون على حصرية السلاح بيد الجيش اللبناني يعد إشارة قوية للداخل اللبناني، خصوصاً مع وجود أطراف مسلحة مثل "حزب الله"، الذي كثيراً ما كان طرح موضوع السلاح نقطة خلاف أساسية معه. ولكن الخطاب يعكس رغبة في استعادة هيبة الدولة اللبنانية التي تآكلت بسبب انتشار السلاح خارج إطارها. هذا الموقف يفهم على أنه دعوة لتعزيز الشرعية وحصر القوة العسكرية بمؤسسات الدولة. أضف إلى ذلك إعادة إحياء الحوار الداخلي عبر التركيز على السلاح، مما قد يدفع باتجاه إعادة إطلاق طاولة حوار وطني لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، بخاصة أن هذا الملف كان مجمداً منذ أعوام.

ولكن من الجهة المقابلة سينظر "حزب الله" إلى هذا الخطاب كتهديد مباشر لدوره العسكري، مما قد يدفع الحزب إلى تبني موقف أكثر تحفظاً أو تصعيدياً لاحقاً. كما أن مواقف الكتل السياسية التقليدية ستكون منقسمة، إذ قد يدعم بعضها هذا التوجه لاستعادة دور الدولة، فيما قد يعارضه آخرون لحسابات طائفية أو تحالفات إقليمية، أو لمصالح ذاتية.

البعد الإقليمي

والجدير بالإشارة إلى أن موضوع السلاح في لبنان ليس شأناً داخلياً فحسب، بل هو ملف مرتبط بصورة وثيقة بالتوازنات الإقليمية والدولية، وسيعتبر موقف الرئيس عون رسالة غير مباشرة لإيران، بأن لبنان يسعى إلى التخلص من تأثير الأذرع المسلحة غير الشرعية، مما قد يؤدي إلى توترات إضافية في العلاقة مع طهران. في المقابل سينظر المجتمع الدولي لموقف عون من دور الجيش وحصرية السلاح، كرسالة طمأنة لهذا المجتمع، بخاصة إسرائيل، في شأن ضبط الوضع الأمني على الحدود الجنوبية. ولكن حتماً سيلقى الخطاب ترحيباً من الدول الخليجية التي كانت تنتقد دور "حزب الله" في زعزعة استقرار المنطقة، وستعتبر هذه الدول موقف عون خطوة نحو إعادة التوازن في لبنان.

موقف القوى الدولية

ومن المتوقع أن يلقى خطاب عون قبولاً لدى الغرب، خصوصاً أنه يتماشى مع مطالبهم الداعمة لحصر السلاح بيد الجيش. كما أن التركيز على التزام القرارات الدولية، لا سيما القرار 1701، يعزز موقع لبنان كشريك دولي يسعى إلى استعادة الاستقرار.

السيناريوهات المستقبلية، مسار الحوار أو التصعيد داخلياً

وقد يسعى عون إلى إطلاق مبادرة حوارية لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، وهو ما قد يلقى قبولاً من بعض الأطراف. ولكن إذا اعتبر خطاب عون بمثابة تهديد مباشر لـ"حزب الله"، فقد نشهد تصعيداً سياسياً أو حتى أمنياً في بعض المناطق، مما سيضع الجيش اللبناني أمام اختبارات صعبة. وإقليمياً قد نشهد ردود أفعال من إيران وحلفائها، ولكن بالتأكيد هذا الموقف سيعيد فتح أبواب الدعم الخليجي، خصوصاً أن بعض دول الخليج كانت تنتقد تزايد النفوذ الإيراني في لبنان. ودولياً من المتوقع أن يعزز الخطاب فرص الجيش في الحصول على مساعدات إضافية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، لكن هذه القوى الدولية قد تستغل هذا الخطاب للضغط على لبنان من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية موازية.

تحديات العهد الجديد

ومع ما يحمله عهد الرئيس عون من تطلعات لإحداث تغيير جذري في المشهد اللبناني، فإنه سيواجه جملة من التحديات البارزة، بعضها داخلي وبعضها خارجي.

أول هذه التحديات ستكون وبصورة مؤكدة حصر السلاح بيد الدولة، إذ إن ذلك سيصطدم بواقع سياسي وأمني معقد، لا سيما مع وجود قوى سياسية وعسكرية، مثل "حزب الله"، الذي يرى أن سلاحه جزء من "مقاومة إسرائيل"، والتعامل مع هذا الملف سيحتاج إلى رؤية شاملة تجمع بين الحوار والتفاوض المدروس داخلياً ودعم إقليمي ودولي. وأي خطوة فعلية لنزع السلاح أو تنظيمه ستثير توترات أمنية أو تصعيداً داخلياً. كذلك فإن التزام تنفيذ قرارات مثل الـ1701 (وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل) قد يشكل تحدياً في ظل موقف "حزب الله" الرافض بعض جوانبها. من هنا ستكون العلاقة بين الدولة والحزب محورية في تحديد شكل المرحلة المقبلة، سواء من ناحية إدارة الخلافات أو التوصل إلى تفاهمات تضمن استقرار البلاد.

إصلاح النظام السياسي

ويشكل النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة الطائفية عائقاً أمام أي إصلاح حقيقي. وتعهد الرئيس بتطبيق "المداورة" في المناصب الحساسة سيواجه اعتراضات من القوى الطائفية المتجذرة. كذلك فإن إعادة ثقة المواطنين بالنظام السياسي شبه المعدومة ستتطلب جهوداً كبيرة لإقناع اللبنانيين بأن عهد الرئيس يحمل تغييراً حقيقياً، ولن يقتنع المواطن اللبناني بذلك حتى يلمس هذا التغيير.

الانهيار المالي

من ناحية أخرى يفرض الانهيار المالي نفسه كتحد صعب أمام رئيس الجمهورية، فلبنان الذي يرزح تحت أزمة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم وارتفاع التضخم وانهيار العملة الوطنية وانهيار البنى التحتية، يجعل من معالجة الملف الاقتصادي أولوية قصوى.

كذلك فإن إعادة هيكلة القطاع المصرفي في حاجة إلى إصلاح شامل وسط انهيار الثقة به محلياً ودولياً. من هنا فإن المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وأي برنامج إنقاذ اقتصادي ستحتاج إلى توافق سياسي وقرارات صعبة مثل رفع الدعم والإصلاح الضريبي، وهي خطوات قد تثير اعتراضات شعبية.

بناء جيش قوي والتحدي العسكري

كما أن تعهد الرئيس عون ببناء جيش قوي وموحد قادر على حماية الحدود ومحاربة الإرهاب سيتطلب تمويلاً ودعماً تقنياً في ظل تآكل قدرات الدولة. وسيكون على الجيش التعامل بحذر مع التوترات على الحدود الجنوبية مع إسرائيل، بخاصة مع احتمال نشوب نزاعات مرتبطة بالصراعات الإقليمية. وبما أن لبنان يقع في قلب التوترات الإقليمية بين إيران ودول المنطقة، وبين إسرائيل و"محور المقاومة"، سيحتاج الرئيس إلى سياسة خارجية متوازنة تمنع جر البلاد إلى أزمات جديدة، وهو أثار هذه النقطة في خطابه، بتعهده أن يقيم "أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من أن لبنان عربي الانتماء والهوية، وأن نبني الشراكات الاستراتيجية مع دول المشرق والخليج العربي وشمال أفريقيا، وأن نمنع أي تآمر على أنظمتها وسيادتها ـ وأن نمارس سياسة الحياد الإيجابي...". كل هذا سيعرض رئيس البلاد إلى مواجهة ضغوط من قوى دولية مختلفة، بعضها داعم للإصلاح، وأخرى متخوفة من التأثير في مصالحها في لبنان.

إعادة بناء الدولة ومؤسساتها في ظل الفساد المؤسسي

كما أن تفكيك شبكات الفساد المتجذرة في مؤسسات الدولة سيكون تحدياً هائلاً. والإصلاح القضائي سيكون ضرورياً لإعادة هيبة الدولة وضمان تطبيق القوانين على الجميع. ولا شك أن الأزمة الاقتصادية دفعت آلاف اللبنانيين إلى الهجرة، وأصبح أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، لذلك فإن إعادة بناء الأمل والحد من التدهور الاجتماعي ستكون أولوية، ولكن هذا يجب أن يرافقه حل لملفي النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين اللذين شكلا ضغطاً إضافياً على الاقتصاد والبنية التحتية.

معادلة جديدة أم تجديد للأزمات؟

وتقف رئاسة جوزاف عون على مفترق طرق تاريخي. النجاح في مواجهة هذه التحديات يتطلب قيادة حكيمة وتوافقاً وطنياً ودعماً إقليمياً ودولياً. ومع ذلك فإن أي إصلاح حقيقي سيظل مرهوناً بإرادة سياسية جامعة، وهي التحدي الأكبر في المشهد اللبناني. كذلك فإن الخطاب يحمل رؤية طموحة لاستعادة دور الدولة وحصرية السلاح بيد الجيش اللبناني، لكنه يواجه بيئة داخلية منقسمة وضغوطاً إقليمية ودولية هائلة. ونجاح هذه الرؤية يعتمد على قدرة عون على إدارة التوازنات الدقيقة، وإقناع الأطراف الداخلية والخارجية بجدية مشروعه من دون أن يتحول الأمر إلى صراع مفتوح. والمعادلة المقبلة قد تكون بداية لبناء دولة حديثة ذات سيادة، لكنها في الوقت ذاته تحمل خطر الانزلاق إلى مواجهات داخلية وإقليمية إذا لم تدر بحكمة.