Image

أسعار الذهب.. ما العوامل التي يتعين مراقبتها في 2025؟

واصل الذهب ترسيخ مكانته كملاذ آمن واستثمار استراتيجي في ظل الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية المتقلبة في العام 2024؛ فقد حقق المعدن النفيس أداءً استثنائياً، مسجلاً مستويات قياسية غير مسبوقة منذ أكثر من عقد.

جاء ذلك الأداء مدفوعاً بتزايد التوترات الجيوسياسية من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، وارتفاع معدلات التضخم نسبياً، مما جعل الذهب الخيار الأول لحماية القيمة وسط حالة من عدم اليقين الاقتصادي.

التحولات في السياسة النقدية لعبت دوراً محورياً في تحديد مسار الذهب، حيث تحولت البنوك المركزية الكبرى من التشديد النقدي في 2023 إلى خفض أسعار الفائدة في 2024، مما أتاح مساحة أوسع لتدفقات استثمارية قوية نحو المعدن. إلى جانب ذلك، شهدت الأسواق طلباً متزايداً من البنوك المركزية، خاصة من الصين، والتي تبنت استراتيجيات مالية تعتمد على تعزيز حيازاتها من الذهب لمواجهة تقلبات الأسواق العالمية.

بالنظر إلى العام 2025، يبقى السؤال حول ما إذا كان الذهب سيحافظ على وتيرة صعوده. بينما المؤشرات الأولية ترجح استمرار الأداء الإيجابي، وإن كان بوتيرة أبطأ في تقدير بعض المؤسسات، مع توقعات بأن تظل مشتريات البنوك المركزية وسياسات خفض الفائدة عوامل داعمة رئيسية، ومع مراقبة تداعيات سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بعدما يتولى مهامه رسمياً في العشرين من يناير الجاري.

ومع ذلك، فإن التراجع المحتمل للتوترات الجيوسياسية أو انعكاس الاتجاه النقدي برفع أسعار الفائدة قد يشكل تحديات جديدة أمام المعدن النفيس. بينما الأسواق تترقب بحذر التحولات القادمة، مدركةً أن الذهب سيبقى انعكاساً للعبة التوازن بين المخاطر والفرص.

أنهى المعدن النفيس العام عند أفضل أداء سنوي منذ سنة 2010، مرتفعاً بنحو 27 بالمئة.

كان الذهب قد سجل أعلى مستوى له عند 2790.15 دولار للأونصة في 31 أكتوبر الماضي.

يتوقع المحللون -بحسب رويترز- استمرار العوامل الداعمة للذهب في 2024 خلال 2025، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى رياح غير مواتية محتملة نتيجة سياسات ترامب المحتملة التي قد تذكي التضخم وتبطئ وتيرة خفض الفائدة من جانب الفيدرالي.

وبحسب رئيس استراتيجية المعادن في شركة إم كيه إس بامب إس إيه، نيكي شيلز، فإن:

الذهب سوق صاعدة، لكن الاتجاه لن يكون في سياق واحد في عام 2025 كما هو الحال في عام 2024.

انتهى الخوف السياسي بعد فوز ترامب الحاسم.. وسوف تستمر اتجاهات الشراء لدى البنوك المركزية بنفس الوتيرة في 2025، ولكن التدفقات سوف تظل أكثر تحفظا نظرا لتهديد الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب على البلدان التي يُنظر إليها على أنها تعمل بنشاط على إزالة الدولار من احتياطياتها.

ما الذي ينتظر الذهب في 2025؟

وفق مجلس الذهب العالمي، فإن:

عمليات شراء البنوك المركزية والمستثمرين عوضت التباطؤ الملحوظ في الطلب الاستهلاكي.. وكان المستثمرون الآسيويون حاضرين بشكل شبه دائم.

في حين أدت العائدات المنخفضة وضعف الدولار الأميركي في الربع الثالث من العام إلى تغذية تدفقات الاستثمار الغربية.

مع ذلك، فإن الدور الذي يلعبه الذهب كأداة تحوط وسط تقلبات السوق المتزايدة والمخاطر الجيوسياسية هو الذي يفسر على الأرجح أداءه الرائع.

تتجه كل الأنظار إلى ما قد تعنيه ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الثانية للاقتصاد العالمي. وربما يستفيد المستثمرون الباحثون عن المغامرة من موجة مبكرة من تزايد الإقبال على المخاطرة، لكن الحروب التجارية المحتملة والضغوط التضخمية المتوقعة قد تمتد لتنعكس على النمو الاقتصادي العالمي.

تشير إجماعات السوق بشأن المتغيرات الكلية الرئيسية مثل الناتج المحلي الإجمالي والعائدات والتضخم إلى نمو إيجابي ولكن أكثر تواضعا للذهب في العام 2025. وقد يأتي الارتفاع من الطلب الأقوى من المتوقع من جانب البنوك المركزية، أو من التدهور السريع للظروف المالية التي تؤدي إلى هروب التدفقات إليه، وفق المجلس.

وعلى العكس من ذلك، فإن سيناريو الانعكاس في السياسة النقدية، الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة، من المرجح أن يجلب تحديات للمعدن النفيس. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مساهمة الصين في سوق الذهب ستكون أساسية.

بالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، فإن الفضة سجلت أفضل أداء سنوي منذ أربع سنوات، مرتفعة بنحو 22 بالمئة. في حين سجل البلاتين والبلاديوم خسائر سنوية بتراجع بنحو 8 و17 بالمئة على التوالي.

الملاذ الآمن

في حديثه عن أسعار الذهب العالمية في العام 2024، يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن العام 2024 كان استثنائياً في تحركات الذهب، حيث حقق مكاسب قياسية ومستويات تاريخية غير مسبوقة منذ أكثر من عقد، مشيراً إلى أن ثمة عدة عوامل أدت إلى هذا الأداء المتفوق للذهب مقارنةً ببقية الأصول المالية.

أولاً: يُعتبر الذهب ملاذًا آمنًا، حيث يلجأ المستثمرون إليه للتحوط من المخاطر. وقد شهد العام 2024 تحوطاً قوياً؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية المضطربة وارتفاع معدلات التضخم، مما أدى إلى تراجع قيمة العملات، وبالتالي توجّه المستثمرون إلى الذهب كخيار رئيسي للحفاظ على القيمة.

ثانياً: كانت هناك أحداث جيوسياسية مثيرة للقلق، مثل التوترات في أوكرانيا والشرق الأوسط، مما زاد من الإقبال على الذهب كملاذ آمن في ظل عدم اليقين السياسي.

يشير سعيد إلى دور السياسات النقدية في التأثير على مسار المعدن النفيس خلال العام؛ إذ شهدت سنة 2023 تشديداً عنيفاً في السياسة النقدية لمواجهة التضخم، بينما انطلقت البنوك المركزية الكبرى في العام 2024 نحو تخفيض الفائدة، مما كان له تأثير إيجابي على أسعار الذهب.

ويضيف: علاوة على ذلك، فإن هناك طلباً متزايداً من البنوك المركزية، لا سيما في كل من الصين والهند على الذهب، حيث قامت البنوك بشراء كميات ضخمة من الذهب كجزء من استراتيجياتها المالية.

أما بالنسبة لتوقعاته للعام الجديد 2025، يلفت خبير أسواق المال، لدى حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن التوترات الجيوسياسية قد تكون أقل، مما قد يؤدي إلى تراجع الإقبال على الذهب كملاذ آمن. كما يتوقع أن التضخم سيواصل طريقه للتراجع، مما سيقلل من الحاجة للتحوط من المخاطر الاقتصادية.

ورغم ذلك، يبدي سعيد تفاؤله بأن الذهب قد يستمر في الارتفاع ولكن بوتيرة أبطأ مقارنةً بالعام 2024، مع سقف توقعات يصل إلى 3000 دولار للأونصة؛ بناءً على الاتجاهات الحالية.

في ختام تصريحاته، يؤكد سعيد أن السوق تشهد تغيرات مستمرة، وأن المستثمرين يتعين عليهم أن يكونوا مستعدين للتكيف مع المستجدات الاقتصادية والسياسية في المستقبل.

مستوى الـ 3 آلاف دولار

وتتبنى المؤسسات المالية الكبرى نظرة متفائلة بالنسبة لأسعار الذهب في العام 2025:

غولدمان ساكس، يتوقع ارتفاع المعدن النفيس إلى مستوى قياسي -إلى نحو 3 آلاف دولار للأونصة- بفضل مشتريات البنوك المركزية وخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة.

المحرك الهيكلي للتوقعات هو ارتفاع الطلب من البنوك المركزية.. كذلك التدفقات الواردة إلى صناديق الاستثمار المتداولة مع خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي للفائدة.

"يو بي إس" تتوقع ارتفاع سعر الذهب في العام 2025 إلى 2900 دولار للأونصة بنهاية السنة، بدعم من عديد من العوامل، بما في ذلك مشتريات البنوك المركزية كجزء من استراتيجيات التنويع الخاصة بها.

عام استثنائي

من جانبه، يلفت مدير مركز رؤية للدراسات والبحوث الاقتصادية والاستراتيجية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع  "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن العام 2024 كان عاماً استثنائياً على المستويين السياسي والاقتصادي، فقد شهد اضطرابات كبيرة في الأوضاع الاقتصادية، بعضها يمكن مقارنتها بأزمات سابقة مثل الأزمة المالية العالمية في 2008.. هذه التحديات والاضطرابات لم تكن إلا مرآة للوضع الجيوسياسي الذي كان أكثر سوءاً.

هذه الأوضاع أثرت بشكل مباشر على أسعار عديد من الأصول، بما في ذلك الذهب باعتباره مخزن قيمة، والذي استفاد بشكل كبير من حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي.

يضيف شعيب:

في ظل هذه الظروف، شهدنا ارتفاعاً عالمياً في أسعار الذهب، ليسجل أفضل أداءً منذ أكثر من عقد من الزمن، حيث انتقل سعر الأونصة من حدود الـ 2000 دولار بنهاية العام الماضي إلى ما فوق الـ 2600 دولار الآن.

يُنظر إلى الذهب كمأوى آمن في أوقات الركود الاقتصادي، والمخاوف التي تلف الأسواق، بما في ذلك المخاوف المرتبطة بثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما نشهده حالياً مع تراجع النمو الاقتصادي في الصين.

ويستطرد مدير مركز رؤية للدراسات والبحوث الاقتصادية والاستراتيجية: "الملفات الجيوسياسية والاقتصادية حالياً في حالة من التوتر الكبير وهو ما سوف يظل تأثيره واضحاً على سوق الذهب العالمي في العام الجديد أيضاً"، موضحاً في الوقت نفسه أن من العوامل التي تتم مراقبتها في هذا السياق أيضاً وبما يحدد اتجاهات الأسواق العالمية، ما يتعلق بالسياسات النقدية المتبعة من البنوك المركزية الكبرى، ذلك أن أي خفض للفائدة سيكون له تأثير صعودي كبير على أسعار الذهب.