صنعاء .. المدينة المنسية والمتروكة للمليشيا الحوثية
عقد من الزمن لم تتوقف فيه عصابة الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران عن اختطاف واعتقال اليمنيين في مختلف المحافظات المسيطرة عليها. ولم تكتف بملء السجون والمعتقلات الظاهرة أمام الرأي العام، وإنما جعلت من المنازل التي صادرتها سجونًا سرية يتم فيها ممارسة أبشع أنواع التعذيب ضد المعتقلين المغيبين، حتى أصبح البحث عنهم من قبل الجهات الحقوقية أشبه بمتاهة.
تعيش السجون في المناطق الخاضعة لسيطرة عصابة الحوثي وضعًا مأساويًا يتجاوز كل تصور، حيث تتجلى فيها انتهاكات حقوق الإنسان بشكل صارخ. إن ما يحدث داخل هذه السجون لا يختلف كثيرًا عن ممارسات الجماعات المتطرفة الأخرى مثل داعش والقاعدة، حيث يتم استخدام التعذيب والاعتقال التعسفي كوسائل لقمع المعارضين وتصفية الحسابات السياسية.
كما يتم احتجاز السجناء في ظروف غير إنسانية، مع عدم توفير الرعاية الكافية لهم، مما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية.
روائح الخوف والموت
صنعاء المدينة المنسية والمتروكة لمليشيا الحوثي الإيرانية أصبحت أشبه بسجن كبير كل شارع وزقاق منها يصدح بالألم والعذاب وتنبعث منه روائح الموت والخوف. الخطى متوجسة أينما ذهبت والنظرات طافحة بالتوجس والمعاناة، وكل منزل أصبح في طريقه لأن يصبح سجنا. حتى المدارس بمبانيها الشاخصة كتذكار لآخر ملامح دولة مرت من هناك، هي الأخرى لم يعد أحد يعتقد بأنها لا تزال مدارسًا فعلًا ولم تتحول إلى سجون، فهي موحشة على الدوام كأن لا حياة فيها.
أكثر من مائة وخمسين سجنا داخل صنعاء. هذا فقط ما تم الكشف عنه، وإلا فالعدد مرشح أو قد يكون أكبر من ذلك بكثير.
علاوة على أن هناك تنافسًا شديدًا بين قيادات الجماعة على استئثار كل واحد منهم بسجنه الخاص، مثلما اتضح مؤخرًا بين نجل الصريع حسين الحوثي، المدعو علي حسين والذي عيَّنته المليشيا قائدًا لقوات النجدة ووكيلًا لوزارة الداخلية لقطاع الشرطة والأمن، وبين المدعو عبد الحكيم الخيواني المُعيَّن رئيسًا لجهاز الأمن والمخابرات الذي أنشأته عصابة الحوثي.
سياسة ممنهجة
والمضحك المبكي في نفس الوقت هو ما تحاول عصابة الإرهاب الترويج له من كون المعتقلين في سجونها يحظون برعاية وخدمات فندقية راقية. ففي الوقت الذي يظل فيه المختطف شهورًا بأكملها مغيبًا ومجهول المصير ولا تعلم أسرته وذووه شيئًا عنه، تأتي هذه العصابة الإجرامية لتزعم بأنها تتعامل بكل إنسانية مع المعتقلين، مع أنها تكون قد أسقطت من الوهلة الأولى كل حقوقهم بعدم إعلام أسرهم بأماكن اعتقالهم، فضلًا عما يتعرضون له داخل السجون من امتهان وتعذيب وحرمان، حيث لا يخرج كثير منهم إلا جثثًا هامدة وإلى المقابر مباشرة.
إن هذه الانتهاكات ليست مجرد حالات فردية، بل هي سياسة ممنهجة تهدف إلى ترهيب المجتمع وإسكات الأصوات المعارضة.
قتل بالجملة
مؤخرًا تم الكشف عن عشرات الوفيات داخل أحد السجون الحوثية بالعاصمة صنعاء، حيث أفادت مصادر حقوقية بإصابتهم بوباء أزهق أرواحهم بطريقة مرعبة وسط تكتم شديد من قبل عصابة الإجرام.
المصادر أكدت أن جميع الوفيات شوهدت الدماء تخرج من أفواهها وهي تحتضر، قبل أن تلفظ أرواحها، ما يشير إلى وباء تعاملت معه عصابة الإرهاب بلا مبالاة.
وكان مدير عام حقوق الإنسان بأمانة العاصمة، فهمي الزبيري، أكد أن عدد السجون داخل العاصمة المختطفة صنعاء، فقط، تجاوز 150 سجنًا تتوزع على جميع المديريات، موضحًا أن العدد الأكبر منها بمنطقة السبعين، حيث تتواجد منازل المعارضين التي حولّتها جماعة الحوثي إلى سجون سرّية.
تقارير حقوقية تفيد بأنّ الحوثيين يديرون حوالي 203 سجناً، منها 125 سرياً. إضافة إلى السجون السرية الخاصة التي استحدثتها داخل أقبية المؤسسات الحكومية كالمواقع العسكرية، وأخرى موجودة في مبان مدنية كالوزارات والإدارات العامة. وكذا منازل المعارضين لها التي صادرتها وحوّلتها إلى سجون خاصة.
ولا يوجد إحصائية شاملة بعدد المختطفين داخل السجون الحولية، إلا أن التقديرات تشير إلى الآلاف بما فيهم نساء وأطفال.
من جهتها وثّقت منظمة “رايتس رادار” لحقوق الإنسان خلال العام 2023، قيام عصابة الحوثي باختطاف 510 مدنيًا بينهم 48 طفلًا و5 نساء، و31 مسنًا. وإخفاء 60 آخرين قسريًا بينهم 6 أطفال و7 نساء و4 مسنين. كما وثّقت تعذيب 80 مختطفًا، بينهم 4 أطفال وامرأتين و9 مسنين.
الخلاصة
إن ما يحدث داخل السجون في ظل عصابة الإرهاب الحوثي يجب أن يكون موضوع اهتمام دولي، ويجب محاسبة الجناة وتقديمهم للعدالة، حتى يتمكن السجناء من الحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية والعيش بكرامة وأمان.
خلاصة القول، أن ما يحدث داخل السجون في ظل عصابة الإرهاب الحوثي يفوق كل تصور، فهي لا تقل بشاعة عن مثيلاتها من حركات الإسلام السياسي كداعش والقاعدة وغيرهما.
إن هذه الانتهاكات تنتهك حقوق الإنسان الأساسية وتعتبر جرائم حرب، وتستدعي تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات ومحاسبة مرتكبيها وتقديمهم للمحاكمة.