Image

لاجئو سوريا... عودة مشروطة بالسياسة والأمن والاقتصاد

التقى أخيراً القائد العام للعمليات أحمد الشرع في العاصمة السورية دمشق دبلوماسيين بريطانيين، مشدداً على طلب رفع العقوبات عن سوريا تسهيلاً لعودة اللاجئين الذين غادروا بسبب الحرب.

وركز الشرع في سياق حديثه على أن أولى الأولويات هي بناء المنازل المهدمة وإعادة المهجرين حتى آخر خيمة، مع وضع خطط اقتصادية فعالة ومهمة جداً.

وتزامناً، قدرت الأمم المتحدة أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلادهم خلال الأشهر الستة المقبلة أي ما بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران) 2025، بعد الإطاحة بنظام الأسد.

وقالت مديرة مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ريما جاموس إمسيس خلال مؤتمر صحافي في جنيف، "نتوقع الآن رؤية نحو مليون سوري يعودون خلال هذه الأشهر الستة من عام 2025 إلى بلادهم".

لاجئو سوريا

هذا ويقدر عدد اللاجئين السوريين في دول الخارج بنحو 7 ملايين يتركز معظمهم داخل تركيا بتعداد يقارب 3 ملايين سوري وفي ألمانيا بنحو 800 ألف لاجئ، أما في لبنان فتشير البيانات الرسمية إلى وجود نحو 800 ألف لاجئ أيضاً، فيما تقدر منظمات معنية العدد بالضعف أي مليون ونصف المليون وربما أكثر.

وفي الأردن نحو 700 ألف سوري وداخل العراق 300 ألف ومصر بنحو 150 ألفاً إضافة إلى أن النمسا والسويد بهما نحو 200 ألف لاجئ، فيما تحتضن دول أخرى نحو 500 ألف لاجئ.

القيادة السورية الجديدة أرسلت التطمينات لكل اللاجئين في الخارج مع التعهد بعدم التعرض لهم كالحال التي واجهوها مع النظام السابق إضافة إلى وجود عفو عام، ولكن هل سيعود اللاجئون فعلاً؟

هذا ما بحثت عنه "اندبندنت عربية" عبر سؤال شريحة متنوعة من اللاجئين يقيمون داخل دول عدة.

ما زالت غير آمنة

الصحافي إبراهيم مراد المقيم في ألمانيا وهو مدير تنفيذي لموقع "+963" الإخباري أوضح في سياق حديثه جملة من المعطيات المتعلقة بعودة اللاجئين، إذ بين عدم القدرة حالياً على التنبؤ بعدد اللاجئين السوريين الذين قد يعودون إلى البلاد خلال فترة قصيرة، إذ توجد عوامل عدة رئيسة تعوق العودة الجماعية لهؤلاء اللاجئين.

ويكمل حديثه قائلاً "لا تزال سوريا غير آمنة لعودة الملايين من اللاجئين، فعلى رغم سقوط نظام بشار الأسد ما زالت بعض المناطق تعاني فوضى أمنية، وهناك أيضاً جبهات مشتعلة واشتباكات مستمرة مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني، على سبيل المثال شهدت الفترة الأخيرة عمليات انتقامية من فصائل مسلحة مدعومة من أنقرة ضد المهجرين الأكراد في ريف حلب، إضافة إلى عمليات النهب التي طاولت المناطق الخاضعة لسيطرة هذه الفصائل، كما حدث في منبج شرق مدينة حلب. وتتخوف الأقليات المختلفة من عمليات انتقامية مما يعمق الشعور بعدم الأمان الذي تعانيه البلاد منذ أكثر من عقد".

وبحسب الصحافي مراد "تتطلب عودة اللاجئين ضمانات دولية تشمل تأمين السكن وضمان حقوقهم المدنية والملكية، كما أن هناك تحدياً كبيراً يتمثل في تسجيل مئات الآلاف من الأطفال المولودين خارج سوريا الذين يفتقرون إلى سجلات مدنية، وهو أمر معقد في ظل عدم استقرار الأوضاع، إضافة إلى ذلك تتطلب عملية تعليم الأطفال وإعادة دمجهم في النظام التعليمي السوري جهوداً كبيرة، وبخاصة مع اختلاف المناهج واللغة التي تعلم بها هؤلاء الأطفال في دول اللجوء أو المخيمات".

ويستطرد قائلاً "الوضع في سوريا يحتاج إلى جهود دولية متكاملة لضمان استقبال اللاجئين بصورة آمنة وميسرة، وأصبحت الحاجة ملحة لتطبيق آليات التعافي المبكر التي تستهدف تحسين حياة الأفراد والمجتمعات، بما في ذلك تأمين سبل العيش وتوفير الخدمات الأساس، وهذه الخطوات ضرورية لتجنب كارثة إنسانية أو مجاعة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تشهده البلاد".

ويختتم الصحافي حديثه بالتأكيد أن عودة اللاجئين السوريين تتطلب معالجة شاملة للعوامل الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب توافر إرادة دولية حقيقية لدعم سوريا في هذه المرحلة الحرجة.

أسباب اقتصادية

بدورها قالت معدة البرامج والمذيعة رؤى جبر قاسم والتي تتخذ من الإمارات مقراً لإقامتها "إسرائيل احتلت جبل الشيخ والقنيطرة، ووصلت إلى درعا ومنطقة اليرموك التي تبعد 15 كيلومتراً من دمشق".

وتتساءل قاسم "لو فرضنا جدلاً عودة مليون لاجئ إلى سوريا، هل الوضع الآن يسمح باستقبال هؤلاء الأشخاص؟ وهل لدينا بنى تحتية لاستقبالهم؟ هل لدينا منازل جاهزة؟ هل هناك خدمات ماء وكهرباء؟".

وأشارت إلى أن سوريا منذ 14 عاماً تعيش في الظلام، فالبلد بلا خدمات من ماء وكهرباء ومشاف، ولديها هجرة أطباء منذ عقد ونصف العقد وحتى اليوم بسبب تدني الأجور، مؤكدة أن "خيار العودة يجب أن يكون متأنياً لكثير من الأسباب وأهمها الاقتصادية، وضمناً ضعف وضآلة الرواتب".

وتتابع الإعلامية "الآن ما يعوق عودة أي لاجئ إلى سوريا هو عدم تأهيل البنية التحتية للبلد خلال الأعوام السابقة، باعتبار سوريا دُمرت على مدار 14 عاماً من الحرب، فالخدمات فعلاً معدومة والكوادر التدريسية لدينا مشكلات بها، ومن بين الأسباب المهمة حالياً وجود فجوة كبيرة جداً بين الأجور والمصاريف لتأمين أقل معيشة ممكنة".

ضمانات دولية

نور اسم مستعار لفتاة سورية لاجئة في لبنان طلبت عدم الكشف عن هويتها، تحدثت عبر الرسائل الصوتية في برنامج "واتساب"، مبينة أنها لا يمكن لها أن تعود إلى سوريا في هذا التوقيت على رغم أنها كانت من أكثر المتحمسين لسقوط النظام السابق لشدة إمعانه في الإجرام.

وتضيف الفتاة "سبب عدم عودتي الآن أن الوضع جداً ضبابي وغير مفهوم، والأخبار التي نسمعها وترد إلينا من المدن والقرى والساحل والعاصمة تنبىء أن هناك صورة من الانفلات الأمني النسبي الذي يُوثق أحياناً، لذا لا يمكن القول دائماً إنه إشاعات فلا يمكن إطلاقاً أن أعود في ظل هذا الوضع، لكن عندما تصبح هناك قوى أمنية وشرطة وجيش وسجون قانونية وحكومة ورئيس قد أعود، ولكن حالياً في ظل هذا الضباب عودتي مستحيلة".

وتتابع المتحدثة قائلة "كذلك الوضع الاقتصادي، كل ما يحصل الآن هو مجرد وعود لا أدري إن كانت ستُطبق أم لا، فالفترة التي مرت على سقوط النظام هي 10 أيام وهذا وقت قليل وقصير جداً للحكم عليها، أنا منذ هاجرت من سوريا لم يكن هناك عمل ولا أجور ولو عدت الآن فالحال نفسها لا عمل ولا أجور، مع وجود بطالة وتضخم وارتفاع جنوني في الأسعار. صحيح أن هناك تغييراً في صورة النظام لكن الأمر يتطلب وقتاً كبيراً لإحداث فارق على أرض الواقع، كمثل حال عودة المهجرين من مناطق سُويت بالأرض على أيدي النظام السابق".

وتنهي نور كلامها بالتشديد على عدم وجود أي سبب خارجي يمنعها من العودة، وبخاصة في ظل التسهيلات المتاحة والمفتوحة من الجانب اللبناني للعودة، مستخدمة عبارة "فقط عليك أن تقول إنك عائد بعيونهم يوصلونك إلى حدود سوريا، نحن نعرف أننا حمل ثقيل".

بين عائد ولا عائد

من ثم ما يمنع نور من العودة هي الأسباب الداخلية في بلدها والحال العامة وليست الأسباب الخارجية حيث هي موجودة الآن، وهذا ما يتماشى مع حال أعداد لا يستهان بها من اللاجئين وأولئك يمكن تقسيمهم إلى قسمين.

القسم الأول شعب الخيام، وهؤلاء عليهم أن يعودوا ولكنهم يحتاجون بيوتاً صالحة للسكن وخدمات رئيسة، والقسم الآخر هو من وصل إلى أوروبا بصعوبة وهناك حصل على دراسة أو عمل براتب يضمن له معيشة أكثر من كريمة، أو من اختار دول الخليج وينطبق عليهم ما ينطبق على قاطني أوروبا من حياة تناسبهم حد الكمال، لتبقى الأنظار شاخصة نحو مخيمات الأردن وتركيا ولبنان وكيفية مواجهة القيادة السورية الجديدة عودتهم وتأمين متطلبات حياتهم.