Image

في قاعة تحت الأرض... نتنياهو يدلي بشهادته أمام المحكمة بتهم فساد

مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم الثلاثاء، أمام المحكمة في تل أبيب للرد على الاتهامات والشهادات التي سيقت ضده في قضايا فساد، وهي محاكمة من المرجح أن تجبره على التنقل بين قاعة المحكمة وغرفة إدارة الحرب لأسابيع.

وحاول نتنياهو، وهو أول رئيس وزراء لا يزال في منصبه يخضع لمحاكمة جنائية، تأجيل المحاكمة مرات عدة، وهو ويواجه تهماً تتعلق بالفساد والاحتيال وسوء الأمانة.

وقال نتنياهو للقضاة الثلاثة المعنيين بالقضية، "انتظرت ثماني سنوات حتى هذه اللحظة كي أقول الحقيقة... لكن أنا أيضاً رئيس وزراء... أقود البلاد في حرب على سبع جبهات. وأعتقد أنني قادر على التوفيق بين المهمتين".

ووصل نتنياهو مبتسماً إلى مقر المحكمة في نحو الـ10 صباحاً (08:00 بتوقيت غرينتش)، فيما تجمع أنصاره في الخارج ومناهضون له. كما وصل عدد من أعضاء البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) لمؤازرته في الجلسة التي عقدت في غرفة تحت الأرض على بُعد 15 دقيقة سيراً على الأقدام من مقر الدفاع الوطني للبلاد، وذلك لأسباب أمنية.

وقبل أن يدلي نتنياهو بشهادته، قدم محاميه أميت حداد للقضاة ما يعتبره الدفاع عيوباً أساسية في التحقيق. وقال حداد إن المدعين العامين "لم يكونوا يحققون في جريمة، بل كانوا يستهدفون شخصاً".

وأفاد صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية خارج المحكمة، بأن أنصار نتنياهو هتفوا "نتنياهو، الشعب يدعمك"، في حين هتف معارضوه الذين يتظاهرون ضده منذ أشهر "بيبي (لقب نتنياهو) إلى السجن".

وكان نتنياهو مثل آخر مرة أمام المحكمة في يونيو (حزيران) 2023 قبل اندلاع الحرب في قطاع غزة.

وفي مؤتمر صحافي مساء أمس الإثنين، قال نتنياهو "سأتحدث في المحكمة ولن أتهرب".

 

مهاجمة سلطات إنفاذ القانون

وتشن إسرائيل حرباً على حركة "حماس" في قطاع غزة منذ أكثر من عام، سمح خلالها لنتنياهو بتأجيل بدء مثوله أمام المحكمة. لكن قضاة قرروا الخميس الماضي، أنه يتعين على رئيس الوزراء البدء في الإدلاء بشهادته.

وقالت المحكمة، إن نتنياهو المتهم بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة سيدلي بشهادته ثلاث مرات في الأسبوع، على رغم حرب غزة والتهديدات الجديدة المحتملة التي يشكلها التوتر الأوسع القائم في الشرق الأوسط، بما في ذلك بسوريا المجاورة.

ووجهت اتهامات إلى نتنياهو عام 2019 في ثلاث قضايا تتعلق بهدايا من أصدقاء من فئة المليونيرات وبالسعي لمنح مزايا تنظيمية لأباطرة الإعلام مقابل تغطية تفضيلية. وينفي نتنياهو ارتكاب أي مخالفات.

وفي الفترة التي سبقت موعد محاكمته، عاد نتنياهو إلى خطاب ما قبل الحرب المألوف ضد سلطات إنفاذ القانون، ووصف التحقيقات ضده بأنها حملة شعواء، علماً أنه ينفي الاتهامات ويؤكد أنه غير مذنب.

وقال في بيان صدر الخميس الماضي، "التهديد الحقيقي للديمقراطية في إسرائيل لا يشكله ممثلو الجمهور المنتخبون، بل بعض أفراد سلطات إنفاذ القانون الذين يرفضون قبول اختيار الناخبين ويحاولون تنفيذ انقلاب من خلال تحقيقات سياسية مسعورة غير مقبولة في أي ديمقراطية".

وفي مؤتمر صحافي عقد مساء أمس، قال نتنياهو إنه انتظر ثمانية أعوام حتى يتمكن من سرد قصته، وعبر عن غضبه إزاء الطريقة التي تم بها التعامل مع الشهود أثناء التحقيقات.

الانقسام في أوساط الإسرائيليين

وقبل الحرب، أدت المشكلات القانونية التي واجهها نتنياهو إلى انقسام شديد بين الإسرائيليين وأربكت السياسة الإسرائيلية خلال خمس جولات من الانتخابات. كما أدت محاولة حكومته العام الماضي للحد من صلاحيات القضاء إلى زيادة انقسام الإسرائيليين.

وأدى الهجوم المفاجئ الذي شنته "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والحرب التي تلتها في قطاع غزة، إلى إبعاد محاكمة نتنياهو عن الاهتمام العام في إسرائيل، إذ اتحد الإسرائيليون في ظل حال من الحزن والصدمة. ولكن مع استمرار الحرب انهارت الوحدة السياسية.

وفي الأسابيع القليلة الماضية، وبعد هدوء القتال على إحدى الجبهات بعد أن توصلت إسرائيل إلى وقف لإطلاق النار مع "حزب الله" في لبنان، اندلع صراع بين أعضاء حكومة نتنياهو، بمن في ذلك وزيرا العدل والشرطة، والسلطة القضائية.

ونتنياهو (75 سنة) الذي تولى السلطة بصورة متواصلة تقريباً منذ عام 2009، هو الزعيم الأطول بقاء في السلطة في تاريخ إسرائيل وأول رئيس وزراء في منصبه يتهم بارتكاب جرائم.

وتفاقمت مشكلاته القانونية المحلية الشهر الماضي عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقه ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت إلى جانب قيادي في "حماس" بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.

 

ثلاث قضايا

وبدأت محاكمة نتنياهو عام 2020 في ثلاث قضايا جنائية.

الأولى هي "القضية 4000"، التي يقول ممثلو الادعاء فيها، إن نتنياهو منح مزايا تنظيمية بقيمة 1.8 مليار شيكل (نحو 500 مليون دولار) لشركة "بيزك" الإسرائيلية للاتصالات. وسعى في المقابل كما يقول ممثلو الادعاء، للحصول على تغطية إيجابية لنفسه وزوجته سارة على موقع إخباري يديره رئيس الشركة السابق شاؤول إلوفيتش. وفي هذه القضية، اتهم نتنياهو بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.

الثانية هي "القضية 1000"، واتهم فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بالاحتيال وخيانة الأمانة للاشتباه بأنه وزوجته تلقيا بصورة غير قانونية ما يقارب 700 ألف شيكل (210 آلاف دولار) في شكل هدايا من أرنون ميلشان، وهو مواطن إسرائيلي ومنتج في هوليوود، ومن رجل الأعمال الأسترالي الملياردير جيمس باكر. وقال ممثلو الادعاء، إن الهدايا شملت زجاجات شمبانيا وأنواعاً من السيجار الفاخر مقابل مساعدة نتنياهو لميلشان في مصالحه التجارية. ولا يواجه باكر وميلشان أي اتهامات.

الثالثة هي "القضية 2000" التي يقال فيها إن نتنياهو تفاوض على صفقة مع أرنون موزيس، مالك صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، تقوم الصحيفة بموجبها بتقديم تغطية إيجابية عنه في مقابل تشريع لإضعاف صحيفة منافسة. وفي هذا الصدد، اتهم نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة.

في الأثناء وبموجب القانون الإسرائيلي، فإن رئيس الوزراء غير مجبر على التنحي ما لم تتم إدانته. وإذا استأنف على حكم الإدانة، فيمكنه الاحتفاظ بمنصبه طوال عملية الاستئناف.

وفي إسرائيل، تصل عقوبة تهم الرشوة إلى السجن لمدة 10 أعوام و/أو غرامة. ويعاقب على الاحتيال وخيانة الأمانة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاثة أعوام. وما لم يسع نتنياهو للتوصل إلى اتفاق بإقرار بالذنب، فمن غير المرجح صدور حكم عليه قريباً إذ قد يستغرق الأمر أشهراً عدة أخرى قبل أن يقول القضاء كلمته.