نزوح عشرات الآلاف من حمص خشية دخول الفصائل المعارضة إليها
نزح عشرات الآلاف من سكان الأحياء العلوية في مدينة حمص بوسط سوريا، وفق ما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس الخميس، بعيد إعلان الجيش السوري انسحابه من مدينة حماة مع سيطرة الفصائل المعارضة عليها.
وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن عن "نزوح جماعي لأبناء الطائفة العلوية من أحياء مدينة حمص، مع توجه عشرات الآلاف منهم إلى مناطق الساحل السوري، خشية تقدم الفصائل إليها".
وقال خالد، المقيم على أطراف مدينة حمص، إن "الطريق المؤدي إلى محافظة طرطوس ضاق مساء الخميس بأنوار مئات السيارات التي كانت في طريقها الى خارج المدينة".
وتقع حمص على بعد حوالى 40 كيلومتراً جنوب مدينة حماة، التي انسحبت القوات الحكومية منها الخميس، إثر تقدم هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها إليها.
وتضم مدينة حمص التي لقبها ناشطون معارضون بـ"عاصمة الثورة"، بعدما شهدت كبرى التظاهرات الشعبية المناوئة للنظام عام 2011، أحياء ذات غالبية علوية.
وتعرض بعض تلك الأحياء لتفجيرات دامية. وفي 29 أبريل (نيسان) 2014، قُتل مئة شخص على الأقل غالبيتهم مدنيون، وفق حصيلة للمرصد حينها، في تفجير مزدوج تبنته "جبهة النصرة" آنذاك واستهدف حياً ذا غالبية علوية في المدينة.
مظلة الخوف
وقال حيدر (37 سنة)، القاطن في حي ذي غالبية علوية عبر الهاتف، إن "الخوف هو المظلة التي تغطي حمص الآن"، وأضاف "لم أر مثل هذا المشهد في حياتي، نحن خائفون للغاية ولا نعلم ماذا يحصل بين ساعة وأخرى".
وقال إنه تمكن من إرسال والديه الى طرطوس بينما لم يجد بعد سيارة تقله وزوجته "جراء الطلب المرتفع على السيارات"، موضحاً "متى وجدنا سيارة سنغادر في أسرع وقت إلى طرطوس" المحافظة ذات الغالبية العلوية والتي بقيت بمنأى من الحرب منذ اندلاعها.
وشهدت مدينة حمص خلال سنوات النزاع الأولى معارك ضارية بين الفصائل المعارضة والجيش السوري الذي تمكن عام 2014 من السيطرة على مجملها بعد انسحاب مقاتلي المعارضة من أحيائها القديمة بموجب اتفاق تسوية أعقب عامين من الحصار والقصف.
وانكفأ المقاتلون الباقون آنذاك إلى حي الوعر مع آلاف المدنيين، قبل أن ينسحبوا منها عام 2017 بموجب اتفاق تسوية مع الحكومة.
السيطرة على حماة
سيطرت فصائل المعارضة الخميس على مدينة حماة، رابع كبرى المدن السورية والواقعة في وسط البلاد، بعد أيام على سيطرتها على حلب في إطار هجوم مباغت، ما يضعف أكثر سلطة الرئيس بشار الأسد.
أطلقت فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام هجومها قبل أكثر من أسبوع بقليل انطلاقا من معقلها في إدلب (شمال غرب)، وخلفت المعارك حتى الآن أكثر من 800 قتيل بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
واقتحمت الفصائل حماة التي تعد مدينة استراتيجية في عمق سوريا وتربط حلب بدمشق عبر مدينة حمص، بعد معارك ضارية مع قوات النظام.
واحتفل المقاتلون بدخولهم إلى المدينة، وأطلق بعضهم النار في الهواء بينما سجد آخرون شاكرين، وفق ما أظهرت صور لوكالة الصحافة الفرنسية. وظهرت جثث في الشوارع، بينما صفق سكان مبتسمين لوصول مسلحي المعارضة.
في المقابل، أعلن وزير الدفاع السوري العماد علي محمود عباس مساء الخميس أن قوات الجيش "ما زالت في محيط مدينة حماة"، مؤكداً أن ما حصل هو "إعادة تموضع وانتشار".
وقال عباس في بيان متلفز إن "ما حدث في مدينة حماة اليوم هو إجراء تكتيكي موقت، ما زالت قواتنا في محيط مدينة حماة".
حمص تترقب
وفي وقت سابق، قال القيادي في المعارضة المسلحة حسن عبد الغني عبر تيليغرام "حمص تترقب قدوم قواتنا"، مضيفاً في منشور منفصل "يا أهلنا الأبطال في حمص قد آن أوانكم، أعلنوها ثورة ضد الظلم والطغيان وكونوا كما عهدناكم".
أقر الجيش السوري بخسارته حماة، قائلاً إن وحداته قامت "بإعادة الانتشار والتموضع خارج المدينة".
وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن "انسحاب أكثر من 200 آلية عسكرية" للجيش باتجاه مدينة حمص، إضافة إلى انسحاب الجيش من مدينتي السلمية في ريف حماة وتلبيسة في ريف حمص.
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الدفاعات الجوية أسقطت طائرتين مسيرتين "معاديتين" في سماء دمشق، من دون مزيد من التفاصيل.
يعد هذا القتال الأعنف منذ العام 2020 في البلد الذي شهد حربا أهلية اندلعت لدى قمع النظام السوري الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية عام 2011.
منذ 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، خلف القتال والقصف الجوي والمدفعي 826 قتيلا، من بينهم 111 مدنياً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ مقراً في بريطانيا ويعتمد على شبكة واسعة من المصادر في سوريا. وقال المرصد إن 222 مقاتلاً في الإجمال قضوا منذ الثلاثاء في محيط حماة.
مناشدة أممية
إلى ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف "إراقة الدماء" في سوريا، معتبراً أنه نتيجة "فشل جماعي مزمن" في بلوغ تسوية سياسية للنزاع.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تدعم بلاده عدداً من الفصائل المعارضة، نظيره السوري بشار الأسد إلى إيجاد "حل سياسي عاجل" للأزمة.
من جهتها، أعلنت الخارجية الروسية الأربعاء أن روسيا وإيران، الحليفتين الرئيسيتين لدمشق، على اتصال وثيق لتحقيق استقرار الوضع في سوريا.
بعد بدء هجوم الفصائل المعارضة، شن الجيش الروسي غارات جوية على المناطق التي يسيطر عليها المعارضون دعما للقوات الحكومية.
في الأثناء، حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من عودة ظهور تنظيم "داعش" في سوريا.
وأفادت الأمم المتحدة بنزوح 115 ألف شخص من مناطق القتال في أسبوع واحد. لكن في حلب، احتفل سكان عادوا مع دخول قوات المعارضة بلم شملهم مع عائلاتهم.
"فرحة لا توصف"
وتحدث محمد جمعة (25 سنة) عن "فرحة لا توصف" بعودته إلى حلب التي غادرها من دون عائلته عندما سيطرت القوات الحكومية على المدينة بالكامل عام 2016.
في رسالة مصورة، تعهد زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني الذي استخدم الخميس للمرة الأولى اسمه الحقيقي أحمد الشرع، أن "لا ثأر" في حماة بعد دخول مقاتليه المدينة "لتطهير ذاك الجرح الذي استمر في سوريا لمدة 40 سنة"، في إشارة إلى حملة القمع الدامية لانتفاضة في المدينة قادتها جماعة الإخوان المسلمين عام 1982.
كما دعا رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى النأي بالعراق عن الحرب السورية، ومنع إرسال مقاتلين من الحشد الشعبي لمساندة قوات النظام السوري.
بدعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، استعادت حكومة الرئيس بشار الأحد جزءا كبيرا من البلاد عام 2015، وحلب بأكملها في عام 2016.
وقال الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم في خطاب الخميس إنه يقف إلى جانب الأسد.
واعتبر قاسم أن مسلحي المعارضة "لن يتمكنوا من تحقيق أهدافهم رغم ما فعلوه في الأيام الماضية، وسنكون كحزب الله إلى جانب سوريا في إحباط أهداف هذا العدوان بما نتمكّن منه".
من جهته، اعتبر أرون لوند من "مركز القرن الدولي للأبحاث" أن خسارة حماة "ضربة كبيرة جداً للحكومة السورية خصوصاً بعد هزيمتها في حلب. حاول الجيش قلب الوضع لكنه لم ينجح"، مضيفاً "ستحاول هيئة تحرير الشام الآن التقدم نحو حمص".