Image

من هو يون سوك يول صاحب قرار فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية؟

تعيش كوريا الجنوبية حال اضطراب بعد أن أعلن الرئيس يون سوك يول فرض الأحكام العرفية مساء أول من أمس الثلاثاء ليقوم بإلغاء القرار بعد ساعات من الضغط الهائل.

وأثار المرسوم الذي يمثل أول محاولة لفرض مثل هذه التدابير في البلاد منذ أكثر من أربعة عقود، دعوات لاستقالته وخلف حالاً من الفوضى في المشهد السياسي داخل البلاد.

وأمس الأربعاء، تقدم نواب المعارضة بطلب رسمي لعزل الرئيس خلال وقت صرح فيه النائب كيم يونغ مين بأنه قد يصار إلى التصويت على الطلب يوم غد الجمعة.

الزعيم المحاصر

كان الرئيس يون الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 2022 بفارق ضئيل يواجه تراجعاً متزايداً في شعبيته منذ توليه الحكم. وأدت الهزيمة الساحقة التي مُني بها حزبه في الانتخابات البرلمانية خلال وقت سابق من هذا العام، إلى إضعافه وهبطت شعبيته إلى 17 في المئة قبل أحداث هذا الأسبوع.

وبدأت الفوضى مساء أول من أمس عندما برر الرئيس يون إعلانه الأحكام العرفية مستشهداً بالتهديدات التي تواجهها بلاده من جارتها كوريا الشمالية، فضلاً عن الحاجة إلى القضاء على "العناصر المناهضة للدولة".

بيد أن تلك الخطوة فسرت على نطاق واسع على أنها محاولة لتعزيز سلطته في مواجهة صراعاته الداخلية. وفي غضون ساعات سارع المشرعون وبعضهم من حزب قوة الشعب الذي ينتمي إليه إلى الجمعية الوطنية لمنع صدور الأمر، في حين نزل الآلاف من المحتجين إلى شوارع العاصمة سيول.

وبحلول وقت سحب فيه يون المرسوم كان المتظاهرون خارج الجمعية الوطنية يهتفون، لكن الضرر الذي لحق برئاسته بدا غير قابل للإصلاح.

وشكل إعلان الرئيس عن فرض الأحكام العرفية "تجاوزاً قانونياً وسوء تقدير سياسي"، بحسب ما صرحت به البروفيسورة ليف إريك إيزلي من جامعة إيهاوا للسيدات في سيول لقناة "بي بي سي نيوز". وأضافت "بدا أنه رجل سياسي محاصر، يقوم بتحرك يائس ضد الفضائح المتصاعدة ضده والعراقيل المؤسسية والدعوات إلى عزله".

 

رئاسة مثقلة بالجدل

عانت رئاسة يون اضطراباً منذ البداية. فقد شغل يون منصب المدعي العام قبل دخوله عالم السياسة واكتسب شهرة وطنية لتزعمه قضية الفساد ضد الرئيسة السابقة بارك غيون هاي. وبدا افتقاره إلى الخبرة السياسية واضحاً بعد هزيمته بهامش ضئيل أمام الليبرالي لي جاي ميونغ عام 2022.

وعلى رغم أن حملة يون لاقت صدى بين الناخبين الذكور الشباب بسبب خطابها المناهض للنسوية، فإن الآمال العامة بتحقيق "المبادئ والشفافية والكفاءة" تحت قيادته سرعان ما تلاشت، وفقاً لما صرح به البروفيسور دون أس لي من جامعة سونجكيونكوان في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وفي سياق متصل، لاحقت الفضائح يون خلال فترة ولايته وتركزت معظمها حول زوجته كيم كيون هي بعد أن واجهت اتهامات بقبول حقيبة يد فاخرة من "ديور" والتلاعب بالأسهم. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي اعتذر يون عن تصرفاتها لكنه رفض المطالبات بإجراء تحقيق رسمي في تلك المسائل.

وفي غضون ذلك، أدت زلاته المتكررة إلى تآكل صدقيته بصورة أكبر، إذ التُقط فيديو له وهو يوجه شتائم عبر مكبر صوت مفتوح للمشرعين الأميركيين، ويشيد بالديكتاتور السابق تشون دو هوان.

وقاد تشون الدبابات والقوات إلى سيول في ديسمبر (كانون الأول) 1979 في ثاني انقلاب تعيشه البلاد بعد وفاة الديكتاتور بارك تشونغ هي. وخلال العام التالي، نظم حملة عسكرية لقمع انتفاضة مؤيدة للديمقراطية في مدينة غوانغجو الجنوبية، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 200 شخص.

وعلى رغم ذلك أشاد به الرئيس يون ووصفه بأنه شخص "يجيد السياسة".

علاقات متوترة داخلياً وخارجياً

وعلى الصعيد المحلي، واجه يون صعوبة في التعامل مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة المتمثلة في الحزب الديمقراطي، والذي فاز بغالبية حاسمة خلال انتخابات أبريل (نيسان) الماضي. وفي هذا السياق، عرقل نواب المعارضة مراراً وتكراراً أجندته التشريعية مما أجبره على استخدام حق النقض (فيتو) بمعدل غير مسبوق. وخلال الأسبوع الماضي، نجحوا في خفض الموازنة المقترحة من جانب الحكومة مما ترك للرئيس يون مجالاً ضئيلاً للمناورة.

وسط هذه الانتكاسات السياسية، بقيت معدلات تأييد يون منخفضة مع تزايد الدعوات إلى عزله. وفي هذا الصدد، وصف زعيم المعارضة لي جاي ميونغ إعلان الأحكام العرفية أول من أمس بأنه "فرصة حاسمة لكسر الدائرة المفرغة والعودة إلى المجتمع الطبيعي".

وعلى الصعيد الدولي، كانت رئاسة يون مزيجاً متنوعاً. ففي حين عزز العلاقات مع حلفائه كالولايات المتحدة واليابان وقدم المساعدات لأوكرانيا، أدى موقفه المتشدد تجاه كوريا الشمالية إلى تصعيد التوترات مع بيونغ يانغ.

واتهمه النقاد بتعريض العلاقات مع الصين الشريك التجاري الأبرز لكوريا الجنوبية للخطر.

ما مصير يون سوك يول؟

أثارت المجازفة السياسية الأخيرة التي أقدم عليها يون إدانة واسعة النطاق ضده. فقد تقدم كبار مساعديه باستقالاتهم بصورة جماعية أمس  في حين مضى نواب المعارضة قدماً في إجراءات عزله. وحتى الزعماء داخل حزبه طالبوا بإقالته.

ولا يزال الغضب يتصاعد في أنحاء كوريا الجنوبية جراء تلك الهزة السياسية. فخلال وقت تعهد فيه المتظاهرون بالبقاء داخل الشوارع حتى يتنحى يون، أعلنت إحدى أكبر النقابات العمالية في البلاد عن خططها لتنفيذ إضراب.

وفي هذا الإطار، تعد وزيرة الخارجية الكورية الجنوبية السابقة كانغ كيونغ أن الرئيس يون حشر نفسه في الزاوية، قائلة "أصبحت الكرة الآن في ملعب الرئيس لإيجاد طريقة للخروج من هذه الأزمة التي وضع نفسه فيها".