في عمليات قمع وحشية مرعبة .. عصابة إيران تفاقم معاناة الشعب باستمرار اعتقال الموظفين الدوليين
تواصل عصابة الحوثي الايرانية منذ أربعة أشهر اختطاف اكثر من 60 من موظفي المنظمات والوكالات الأممية والدولية، بينهم 13 من موظفي الأمم المتحدة، وعمدت في اغسطس الماضي على نشر مقاطع فيديو تظهر عدداً من الموظفين المتعقلين يتحدثون تحت التهديد عن عمليات تجسس لإفساد المناهج التعليمية وأخلاقيات المجتمع اليمني.
ومنذ ذلك الحين تتوالى ردود الفعل الدولية على استمرار عصابة الحوثي اعتقال عشرات الموظفين الدبلوماسيين، في سابقة غير معهودة على المستوى العالمي نظراً إلى عدد المحتجزين وفترة اعتقالهم، إذ مرت سنوات عدة على توقيف بعضهم في سجون العصابة المدعومة من النظام الإيراني.
تحرك سياسي أممي
وفي آخر تحرك سياسي لها في هذا الشأن، قالت الأمم المتحدة الأربعاء الماضي، إنها ستظل ثابتة في المطالبة بالإفراج عن موظفيها المحتجزين لدى جماعة الحوثي "فوراً من دون قيد أو شرط".
وجاء ذلك خلال لقاء جمع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ مع نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان ندى الناشف.
وذكر مكتب المبعوث الأممي في بيان، أن اللقاء ناقش الجهود القائمة لإطلاق سراح موظفي الأمم المتحدة الذين "تم اعتقالهم تعسفياً من قبل الحوثيين".
وخلال الأشهر الأربعة الماضية، اعتقلت جماعة الحوثي 60 موظفاً يعملون في المنظمات والوكالات الأممية والدولية، بينهم 13 من موظفي الأمم المتحدة، أضيفوا إلى أربعة موظفين أمميين سابقين اختطفتهم المليشيات في 2021.
قمع وحشي وصل مستوى مرعب
وتناولت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً أعده الصحافي إسماعيل نعار عبّر فيه عن مدى مخاوف الدبلوماسيين الدوليين وموظفي الإغاثة والأعمال الإنسانية العاملين في اليمن من شبح الاعتقال بتهمة التجسس، ووصف القمع الذي يتعرضون له بأنه "وحشي ووصل إلى مستويات مرعبة".
واستدل التقرير بحالة أحد المعتقلين واسمه شايف الحمداني الذي قال إن زملاءه وأصدقاءه السابقين لا يعرفون ما إذا كانوا سيرونه مرة أخرى أو لا، كاشفاً عن أنه تم اعتقال الحمداني، الموظف اليمني السابق في السفارة الأمريكية لدى بلاده عام 2021 من قبل مسلحين حوثيين من الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات شمال البلاد.
مقاطع فيديو بائسة
وفي أغسطس الماضي، نشر الحوثيون مقاطع فيديو تظهر عدداً من الموظفين الذين اعتقلوهم من السفارات والبعثات الدبلوماسية يتحدثون عن خلايا صهيونية وغربية تتجسس لإفساد المناهج التعليمية وأخلاقيات المجتمع اليمني.
وسببت المقاطع ردود فعل شعبية غاضبة وأدانتها الحكومة الشرعية، إذ اعتبرها النشطاء والحقوقيون محاولات حوثية بائسة لتصوير سلوكياتها بأنها دفاعاً عن المجتمع من مؤامرات ضده.
"التجسس" تهمة جاهزةو
بحسب التقرير، لم يُعرف تالياً سوى قليل عن قضية الحمداني أو قضايا 10 موظفين يمنيين آخرين نشطين أو سابقين في السفارة الأميركية ما زالوا موقوفين معه، "باستثناء أنهم محتجزون بسبب صلاتهم بالولايات المتحدة".
وفي يونيو الماضي، قال الكاتب إن الحمداني "ظهر بطريقة محزنة للغاية"، ففي مقطع فيديو دعائي أصدره الحوثيون، اعترف بالتجسس لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل.
وكانت عصابة الحوثي اتهمت الموظفين الستة في مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان الذين اعتقلوا في السادس من يونيو الماضي ضمن عشرات آخرين، بـ"التعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي"، إلا أن الأمم المتحدة اعتبرت أن مقاطع الفيديو التي نشرتها الميليشيات "اعترافات قسرية في الأساس"، وقالت إن هذا النوع من الاتهامات "كاذب تماماً، وأمر مقلق بصورة خاصة".
وحسب صحيفة "اندبندنت عربية"، فإن عصابة الحوثي عادة ما تطلق تهمة التجسس للغرب والصهاينة ضد كل من تعتقله وهي التهمة التي تبرر بها حملات الاختطاف التي شنتها بحق الموظفين في المنظمات والوكالات الدولية والسفارات الأجنبية.
سلوكيات قمعية وسمط دولي
ووفقاً لمراقبين، تحاول عصابة الحوثي الايرانية إلباس سلوكياتها القمعية بغطاء مجابهة الغزو الفكري الأجنبي والمؤامرات التي يحيكها ضد الشعب اليمني ومقدسات الأمة، مستغلة حال التعاطف الشعبي مع مثل هذه القضايا التي تجد اهتماماً لدى العوام والأطفال وصغار السن.
وترى الناشطة الحقوقية اليمنية سارة اليافعي، أن سلسلة الاعتقالات الحوثية جاءت بعد صمت من المجتمع الدولي تجاه الناشطين المحليين والنساء بصورة عامة، مما شجعها على أن تتمادى أكثر.
وقالت في تصريحات صحفي، إن "سجون الحوثي تعج بـألفي معتقلة يواجهن أبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي والانتهاكات الإنسانية المريعة، ولكنها انتهاكات لم تكُن كافية لتحرك ضمير الجهات الدولية الحقوقية".
وترى أنه "عندما وصل الأمر إلى اعتقال الموظفين الدوليين، بدأت تلك الجهات تتحدث عن جور الممارسات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني في حق اليمنيين، ناهيك عن عشرات آلاف المعتقلين الآخرين وملايين المهجرين والنازحين".
وأرجعت اليافعي تلك الممارسات إلى "استخدامها أوراق ابتزاز سياسي دولي ووقف المساعدات والتعاون الدولي للشعب اليمني وحكومته الشرعية، مما أدى إلى انسحاب المنظمات الدولية وخفض نسبة المعونات الدولية وضاعف الأزمة الإنسانية الأسوأ على مستوى العالم".
وتضيف أن "أفعال الحوثي تتسبب في مفاقمة المعاناة الصعبة اليوم، مما يثبت أن كل يوم يمر في وجودها يُعدّ مضاعفة فادحة لمعاناة ملايين السكان المعذبين بالجوع والفقر".
مخاوف من حملة أوسع
تقرير "نيويورك تايمز" نقل عن الدبلوماسي الأميركي آدم إيريلي الذي عمل سابقاً مع الحمداني في السفارة قبل أكثر من عقدين من الزمان قوله "رؤية شايف في تلك البدلة الزرقاء التي كان يرتديها في السجن حطمت قلبي، وهو مجبر على الاعتراف تحت الإكراه".
وأكد التقرير أن موجة الاعتقالات التي شنها الحوثيون خلال يونيو الماضي أثارت "مخاوف من حملة أوسع نطاقاً ضد أولئك المرتبطين بالمنظمات الدولية والبعثات الأجنبية في اليمن"، لافتاً إلى "تصاعد التوترات بين الحوثيين والغرب على مدى العام الماضي، فهاجم المسلحون اليمنيون الشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن، وأطلقوا الصواريخ على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين في غزة".
دوافع تخريبية
وفي حديث علني بعد نشر الاعترافات المسجلة بالفيديو، قال زعيم العصابة عبدالملك الحوثي إن أعضاء شبكة التجسس المزعومة الذين اعتُقلوا عام 2021 لديهم دوافع "تخريبية" وراء عملهم الإنساني.
وفي مقطع الفيديو الحوثي، يزعم الحمداني أنه عمل بأوامر إيريلي، الدبلوماسي الأميركي، وفي رد فعله إزاء هذه التهم، كتب إيريلي على وسائل التواصل الاجتماعي أن "هذا الفيديو كاذب ومروع، نعم عمل شايف الحمداني معي في السفارة الأميركية في صنعاء"، وأضاف "لا، لم يكُن أي منا جاسوساً، لقد أدرنا برامج تعليمية وثقافية بموافقة الحكومة اليمنية لتطوير مؤسسات حرة ومستقلة".
وعلق السفير الأميركي في اليمن ستيفن فاغين على تلك الاعتقالات بأن "قيام الحوثيين بارتكاب هذه الأعمال المتطرفة ضد إخوانهم اليمنيين هو أمر قصير النظر وقاسٍ وغير إنساني".
وعلى رغم هذه الإدانات، واصل الحوثيون حملتهم القمعية، فاقتحموا في أغسطس الماضي، مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في صنعاء واستولوا على وثائق وأثاث ومركبات، ودان المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك هذا الإجراء ووصفه بأنه "هجوم خطر على قدرة الأمم المتحدة على أداء ولايتها".
وأكدت الأمم المتحدة أن الحوثيين احالوا كثير من العاملين في المجال الإنساني الذين احتجزوا إلى المحاكمة الجنائية.
وكشف تقرير الصحيفة الأميركية عن أن "من العواقب الأكثر أهمية المحتملة لهذه الحملة أنها دفعت وكالات الأمم المتحدة والحكومات الغربية إلى إعادة تقييم مشاركتها في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون"، وهي المطالب التي سبق وكررتها الحكومة الشرعية التي حثت الوكالات الدولية على نقل أعمالها إلى العاصمة الموقتة عدن (جنوب اليمن).
وفي تعليق سابق حول ذلك، قال المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ "هذا يطرح بعض الأسئلة الخطيرة للغاية على الأمم المتحدة وهذه المنظمات غير الحكومية حول ما إذا كان بإمكانها الاستمرار في العمل في اليمن، وإذا كان الأمر كذلك، فبأي شروط؟. نريد مساعدة الشعب اليمني، لكن الحوثيين يجعلون القيام بذلك بأمان أكثر صعوبة".