Image

13 عاما من الفشل ..جهود السلام بين التشاور والتساهل مع عصابة الحوثي .. زادت من بؤس اليمنيين وثراء تجار الحروب

تتواصل جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والإقليمي، لايجاد حلول سلام للأزمة اليمنية، منذ عقد ونيف من الزمن، دون أن يلمس المواطن اليمني البسيط أي نتائج تذكر تنقذه من الأوضاع التي تزداد سوءًا عليه يومًا بعد آخر، في حين تزداد ثروات تجار الحروب وتتوسع استثماراتهم خارج البلاد.

ورغم اشتراك عدة أطراف بجهود السلام إلى جانب الأمم المتحدة، كالولايات المتحدة عبر مبعوث خاص، وممثلين لدول أوروبية، إلى جانب الوسطاء الإقليميين في عمان والسعودية، إلا أن تلك الجهود لم تحقق أي نتائج على الارض تنعكس ايجابيًا على حياة المواطنين الذين وصل بهم الحال إلى عدم قدرتهم على توفير متطلبات الحياة اليومية لأُسرهم.

تعددت الأطراف وغابت الحلول
ومن خلال التتبع لمراحل جهود السلام في اليمن التي بدأت مع فوضى العام 2011، واستمرت على مدى 13 عامًا، تعددت فيها الأطراف، وغابت عنها الحلول، ولم تصل الى أي نتائج يملسها المواطن، بل زادت من معاناة اليمنيين الأبرياء، ورفعت أرصدة تجار الحروب، وزادت من ثرائهم واستثماراتهم الخارجية.
ومن الأمم المتحدة إلى الولايات المتحدة مرورًا بالاتحاد الأوروبي، وروسيا والصين، وصولًا إلى السعودية وعمان، ظلّت جهود السلام التي يبذلونها تراوح مكانها، ولم تقدم أي شيء يُذكر لليمنيين المنتظرين تُحسّن حياتهم المعيشية التي وصلت إلى حافة المجاعة.
وظلّت جهود السلام في اطار المربع الأول من الأزمة، لم تتمكن تجاوز مرحلة معالجة الأوضاع الإنسانية بسبب تعنُّت عصابة الحوثي الإيرانية ورفضها جميع المقترحات والحلول المقدمة عبر الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين والإقليميين، ورغم ذلك لم يتم اتخاذ أي عقوبات ضدها، أو إجراءات دولية لإجبارها على الخضوع لرغبة اليمنيين في السلام.

من بن عمر إلى هانس
ظلّت جهود الأمم المتحدة في إحلال السلام باليمن خلال مراحلها المتعددة، رغم تعدد مبعوثيها الى اليمن الذين فشلوا جميعًا في تقديم أي حلول جدية للأزمة، وظلّت مساعيهم تراوح عملية استطلاع الآراء للمكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية المتعددة في البلاد، بل ساهم بعض المبعوثين في تعقيد الازمة، كما هو الحال بالنسبة للمبعوث الأممي الأول إلى اليمن جمال بن عمر.
تم تعيين جمال بن عمر مبعوثًا أمميًا إلى اليمن في أبريل 2011، شهدت الأزمة في عهده تعقيدات وتصاعد في حدة العنف، وسط اتهامات محلية ودولية للرجل بأنه يتساهل مع عصابة الحوثي الإيرانية، وإطالة أمد الصراع.
واستمرت مهمة الرجل حتى أبريل 2015، حين تم استبداله بمبعوث جديد هو الدبلوماسي الموريتاني اسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي تقلّد منصبه من 25 أبريل 2015 حتى 16 فبراير 2018، تم في عهده عقد جولتين من المفاوضات في "جنيف والكويت"، لكنهما لم تنجحا في صناعة سلام لليمنيين والسبب معروف "تعنُّت الحوثيين".
ومع استمرار تعنُّت الحوثيين ورفضهم التعامل معه والمطالبة بتغييره، رحل إسماعيل ولد الشيخ في 22 يناير 2018، وعُيَّن البربطاني مارتن جريفيث خلفًا له في فبراير 2018، تجددت الآمال مرة أخرى لدي اليمنيين حول إمكانية وضع حلول للحرب التي تقودها عصابة الحوثي، لكنه ظلَّ يمارس مهامه في اطار عقد اللقاءات مع مختلف الأطراف اليمنية لتكوين رؤية واضحة للأزمة، وهو ما يمارسه خلفه المبعوث الحالي هانس غروندبرغ حاليًا.
وأسوأ ما حققه جريفيث خلال مهمته في اليمن هو التوصل الى اتفاق ستوكهولم، الذي أوقف تحرير الحديدة في ديسمبر 2018، وسلم موانئ المحافظة للحوثيين، الأمر الذي تسبب اليوم بأزمة استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر من وكلاء ايران باليمن "الحوثيين".
استمر المبعوث الأممي مارتن جريفيث في مهمته حتى اغسطس  2021، لكن فشله كان يزداد يومًا بعد يوم، وأثارت مواقفه المنحازة للانقلابيين غضب اليمنيين، وفي السادس من اغسطس 2021 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، تعيين السويدي هانس غروندبرغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، خلفاً لمارتن غريفيث، لتبدأ مرحلة ذات الجهود في جمع الآراء والاطراف اليمنية، دون تحقيق أي اختراق يُذكر في حل الأزمة اليمنية.

تحركات غروندبيرغ
ظلَّت تحركات المبعوث الأممي الحالي لليمن غروندبيرغ، تدور خلال الأعوام الثلاثة الماضية في اطار إجراء المشاورات وجمع آراء الأطراف اليمنية، تمكن خلالها من التواصل الى جزء من اتفاق لإطلاق سراح عدد من الأسرى.
إلا أن جهوده خلال العام الماضي 2023 للبحث عن حل سياسي مستدام ومقبول من جميع الأطراف اليمنية، توقفت عند إعلانه في سبتمبر من نفس العام التوصل إلى اتفاق جديد شكَّل بارقة أمل كبيرة لإحلال السلام في اليمن وإنهاء الحرب، حيث تعهد أطراف النزاع بالالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن.
وأعلن المبعوث الدولي إلى اليمن هانس جروندبرغ أن الأطراف اليمنية التزمت بوقف جديد لإطلاق النار والانخراط في عملية سلام سياسية جامعة، ووضع خريطة طريق تحت رعاية الأمم المتحدة تتضمّن هذه الالتزامات وتدعم تنفيذها لإنهاء الحرب.
ووقف تعنُّت الحوثيين كما هو معتاد أمام ما تم الإعلان عنه في خارطة الطريق الجديدة، المتمثلة في "دفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة"، وينتظر أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة والتقدم نحو سلام دائم فيما تبقى من فترة عمله كمبعوث سلام لليمن.

استهداف السفن
وبعد إعلان المبعوث خارطة الطريق الجديدة، عمدت عصابة الحوثي الإيرانية إلى إفشالها قبل أن يبدأ تنفيذ مراحلها، من خلال تصعيدها ضد خطوط الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، و واصلوا زعزعة أمن واستقرار المنطقة، التي بدأت في نوفمبر 2023، ما يشكل تقويض جميع جهود التهدئة، وإفشال وإجهاض مساعي السلام وتجديد الهدنة والعودة للمفاوضات، حسب حديث المبعوث الاممي غرندبيرغ في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن.

لا سلام ولا معيشة
وخلال السنوات الـ 13 من عمر الأزمة الطاحنة في البلاد جراء فوضى 2011 وانقلاب عصابة الحوثي في 2014، وما تخللها من جهود سلام تقودها الأمم المتحدة وأطراف دولية وإقليمية، ظلَّت الأزمة الاقتصادية والإنسانية والمعيشية تطحن اليمنيين وتقودهم نحو الهاوية.
وظلَّت جميع الجهود تراوح مكانها في الحصول على موافقة من الحوثيين لإنهاء معاناة اليمنيين، دون ان يتم اتخاذ أي إجراءات عقابية ضدها بشكل جدي كما حدث مع محاربة الإرهاب في العراق وسورية من قبل التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة.
ومع مرور الوقت، تزداد أعداد اليمنيين العاجزين عن الوصول إلى تأمين متطلباتهم الضرورية في ظل تفاقم الازمة المعيشية جراء انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع اسعار السلع والبضائع، وغياب مصادر الدخل للأُسر، رغم استمرار ثراء قيادة وتجار النزاع والصراع، الرافضين وضع حد لمعاناة المواطنين حتى لا يفقدون ما هم فيه من نعيم وحياة رفاه.
وفي ظل اصرار عصابة الحوثي بدفع من ايران، على الانخراط في الصراع الإقليمي، وتعريض حياة اليمنيين الأبرياء لمزيد من الأخطار جراء استدعاء مزيد من العدوان الإسرائيلي والضربات الأمريكية والبريطانية، واستمرار رفضها أي حلول، أو مقترحات، أو معالجات حتى للأزمة الاقتصادية والإنسانية، تظل حياة اليمنيين في خطر داهم تحيط بهم الأزمات الإنسانية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية، التي تهدد ما تبقى من حياتهم البسيطة.. في حين تظل جهود السلام تتنقل بين عواصم الدول ومراكز القوى بعيدة عن معاناة اليمنيين.