Image

الإسلام السياسي في قبضة الرئيس التونسي من جديد

أقرت السلطات القضائية في تونس قراراً يحظر السفر عن 40 قيادياً في صفوف حركة النهضة الإسلامية، وذلك في إطار تحقيقات واسعة في شأن قضية التآمر على أمن الدولة المثيرة للجدل.

وأثار القرار الذي جاء بعد ساعات من إعلان فوز الرئيس قيس سعيد بولاية ثانية مدتها خمس سنوات، تساؤلات حول ما ينتظر الإسلاميين في البلاد في الفترة المقبلة، خصوصاً أن قياداتهم من الصف الأول أُوقفوا قبل أشهر على غرار رئيس النهضة راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض ونور الدين البحيري وآخرين.

وشكلت حركة النهضة رقماً صعباً في المعادلة السياسية في تونس بعد الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011، وهو التاريخ الذي كان شاهداً على فرار الرئيس الراحل زين العابدين بن علي إثر انتفاضة شعبية ضد حكمه، ونجحت الحركة التي تنهل من فكر الإخوان المسلمين في إدارة خيوط اللعبة السياسية إلى حدود الـ25 من يوليو (تموز) 2021.

لا قدرة على المواجهة

وبدأت متاعب حركة النهضة عندما نجح الرئيس قيس سعيد في تفعيل المادة الـ80 من الدستور السابق ليطيح البرلمان والحكومة اللذين كانت تهيمن عليهما الحركة آنذاك.

وإثر ذلك استقال نحو 110 قياديين بالحركة من ضمنهم نواب سابقون ووزراء سابقون احتجاجاً على استفراد رئيس الحزب، راشد الغنوشي، بالقرار ووضع عقبات أمام إقامة المؤتمر الـ11 له.

ولم تتوقف المتاعب عند هذا الحد، إذ بدأت سلسلة ملاحقات قضائية في حق قيادات بارزة من الحركة على غرار الغنوشي والعريض والبحيري بسبب عديد من القضايا مثل "التآمر على أمن الدولة"، كما شملت الإجراءات التي أضعفت الحركة بصورة كبيرة غلق مقرها المركزي وتطويقه من قبل أفراد الأمن، مع بدء أبحاث في شأن تلقيها تمويلات من الخارج والمساهمة في تسفير التونسيين نحو مناطق القتال مثل سوريا للانضمام إلى جماعات إرهابية وغير ذلك.

 

 

وقال الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي إنه "من المھم النظر إلى آفاق العلاقة بين الرئيس قيس سعيد والإسلاميين، انطلاقاً من معطيات لا تركز كثيراً على المسار القضائي الذي تبقى له دائماً معطيات وآليات تحافظ له على الحد الأدنى من خصوصية وحرية الاشتغال".

وتابع الحاجي في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" أن "من بين المعطيات التي أعتقد أنه من الضروري التركيز عليھا ھي حدود ومجالات الانفتاح التي تحدث عنها نوفل سعيد مدير الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد، وتحديد ذلك يمر عبر الجواب عن سؤال محوري وھو ھل للرئيس موقف أيديولوجي مناھض لحركة النهضة وللإسلام السياسي أم لا؟".

وشدد على أن "مستقبل الإسلام السياسي في المشھد الإقليمي والدولي بخاصة في الترتيبات التي ستعقب ما بعد غزة، وكذلك موقع حركات الإسلام السياسي في أقطارھا سيتأثر بھذا العامل كثيراً".

وخلص الحاجي إلى أن "حركة النهضة غير قادرة في الوقت الحاضر على المواجھة وليس من مصلحتھا أن تفعل ذلك، وھي أحوج في تقديري إلى إعادة ترتيب البيت وربما البحث عن قنوات تواصل مع الرئيس قيس سعيد الذي يمتلك حالياً غالب أوراق اللعب، ولكن قد تفرض الحاجة إلى التركيز على الملف الاقتصادي تنقية المناخ السياسي".

تلاشٍ ولكن

ومن عهد الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة عندما كانت تسمى حركة "الاتجاه الإسلامي" مروراً بحقبة حكم بن علي، دأبت حركة النهضة على التأقلم مع الأوضاع السياسية التي تعرفها البلاد.

وبعد مرور نحو سنتين من دخولها في مواجهة شاملة مع الرئيس قيس سعيد الذي عارضت قراراته بشدة، من غير الواضح هل ستنجح حركة النهضة في استعادة زمام المبادرة والعودة إلى الواجهة.

يجيب الباحث السياسي التونسي، الجمعي القاسمي، على ذلك بالقول إن "حركة النهضة تلاشت مثلها مثل تنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة العربية ككل، عشرية ما سمي بالربيع العربي انتهت وتبين أن هذه التنظيمات كانت تستند في سرديتها السياسية إلى بعض المسائل التي تجاوزها الزمن".

وأردف القاسمي في تصريح خاص أنه "في ما يتعلق بالنهضة ليست استثناء على ما يجري في المنطقة العربية التي يتراجع فيها الإخوان من الأردن وليبيا والمغرب ومصر، وانطلاقاً من هذا تراجعت حركة النهضة كثيراً في الفترة الماضية وأسهمت القرارات التي اتخذها قيس سعيد في جعل الحركة في الزاوية، والآن الصفان القياديان الأول والثاني للحركة في السجن، والاعتقالات والمتابعات القضائية طاولت الصفين الثالث والرابع الآن".

وشدد المتحدث على أن "هذه المعطيات مجتمعة تعطي رسالة مفادها أن هذه الحركة لا بد من القضاء عليها، لكن علمتنا التجربة أن الإخوان المسلمين عادة ما يتعاملون بالانحناء أمام العاصفة في المراحل الصعبة ثم يعاد بناء هذه التنظيمات من جديد، وحركة النهضة ليست استثناء في ذلك، والآن هي في مرحلة تراجع كبير ومن الصعب أن تنجح في استعادة مكانتها كرقم مهم فاعل في المشهد السياسي، لكن ذلك لا يمنع من القول إنها مثلها مثل تنظيمات الإسلام السياسي قد تجد نافذة ما أو طريقة تعود منها في مراحل أخرى".

تهدئة مطلوبة

في مقابل الحديث عن مستقبل النهضة التي تسعى إلى الظهور بواجهات جديدة على غرار جبهة الخلاص الوطني المعارضة التي تعد الحركة جزءاً منها، بدا لافتاً خروج مدير حملة الرئيس قيس سعيد وشقيقه نوفل سعيد، إلى العلن ودعوته إلى "تهدئة سياسية شاملة".

وإذا كتب لدعوة نوفل سعيد النجاح ولجأت أطراف المشهد السياسي في تونس إلى تهدئة سياسية في الفترة المقبلة، فإن التساؤلات التي تطرح حول ما إذا سيكون هناك مكان للحركة في الترتيبات السياسية المقبلة.

وقال الجمعي القاسمي إن "التهدئة السياسية مطلوبة في تونس في المرحلة الراهنة خصوصاً من أجل تنزيل شعارات الرئيس قيس سعيد وحملته على أرض الواقع وهي البناء والتشييد، لكن شقيق الرئيس سعيد ليس ناطقاً باسم الدولة".

ويرى أنها "تبقى مجرد احتمالات في انتظار الخطاب الذي سيلقيه قيس سعيد بعد أدائه اليمين الدستورية للولاية الرئاسية الجديدة، ووقتها ستتضح معالم التوجهات القادمة خلال الخماسية الجديدة".

وأنهى القاسمي حديثه بالقول إن "شعار البناء والتشييد مهم لكن لا يمكن تجسيده على أرض الواقع من دون وجود مناخ عام يساعد على البناء والتشييد".