Image

"دعرة" .. البركان الذي انفجر في وجه المستعمر البريطاني

لم تكن المرأة اليمنية أقل كفاحًا ولا نضالاً في مواجهة الاستعمار البريطاني، فقد حملت البندقية جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل، وشاركت في العمليات المسلحة وفي خنادق القتال وقادت التظاهرات ، لتصنع غدها المشرق وتطرد الاحتلال عن أرضها، واذا كنا نحتفي بالذكرى 61 لثورة 14 أكتوبر لا بد أن تكون "دعرة" حاضرة بنضالها، تلك المرأة البركان التي انفجرت في وجه المستعمر .

مريم بنت سعيد ثابت لعضب، واسمها الحركي في الكفاح المسلح (دعرة)،  واحدة من النساء النادرات اللواتي قدمن عملاً بطولياً في مواجهة الاستعمار البريطاني، وظلت تناضل إلى أن تحققت الثورة في ال14 من اكتوبر .

المرأة الفدائية
لُقبت "دعرة" بالمرأة الفدائية التي أرعبت الجيش البريطاني، ولدت في العام 1928م بمنطقة شعب الديوان بمديرية ردفان لحج. عاشت طفولة قاسية وغير مستقرة بسبب الحملات المتوالية على قريتها من قبل سلطات الاحتلال البريطاني، وتفتح وعيها على سلسلة من حوادث القتل التي تعرض لها عدد من رجال قريتها، ولما رأت أن ملابسها النسائية تحول دون انضمامها إلى الثوار؛ استبدلتها بملابس رجالية، وانضمت إلى الثوار مقاتلة معهم في جبال ردفان.

بداية النضال
قتل الإنجليز أخاها فقررت الثأر له، وفي سبيل ذلك باعت مجوهراتها وحليّها، واشترت بثمنها بندقية، وكانت بداية العلاقة الحميمية بين دعرة وسلاحها في العام 1940م حينما شاركت في انتفاضة الحمراء خفية عن أبيها الذي ما أن اكتشف شجاعتها ومهارتها في استخدام السلاح وحجّتها القوية بضرورة الثورة والمقاومة حتى كان أول الواقفين الى جوارها والمساندين لها، ثم جاءت مشاركتها المشرفة بانتفاضة عام 1956م التي أسقطت فيها طائرة هيلوكبتر تابعة للقوات البريطانية بالحبيلين، وهي الانتفاضة التي اعتقلت على إثرها دعرة بعد إصابتها وتمكنت من الهروب من المعتقل بعد بفترة قصيرة.كما شاركت في انتفاضة عام 1957م.
لم تكتفِ بقتال المستعمر بل كانت تضع الألغام في طريق مرور السيارات البريطانية وتهجم عليهم بالرصاص والقنابل اليدوية. ففي معركة واحدة قتلت دعرة سعيد عباد العضب (39) جنديًّا بريطانيًّا، حتى صنّفها الإنجليز بـ”أخطر إرهابية في العالم”، وعرضوا مبلغ مائة ألف شلن لمن يدلي بمعلومات عنها عبر إذاعة لندن .
شاركت رجال ردفان في الحرب ضد حكم الإمامة بشمال اليمن عام1962م. كانت دعرة ضمن الثوار واشتركت في عدد من المعارك في منطقة (المحابشة) في محافظة حجة، وفي بلاد (خولان)، وبلاد (بني حشيش) بصنعاء وصرواح.

الذئبة الحمراء
وعقب اندلاع ثورة 14 أكتوبر ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب عادت من مدينة صنعاء إلى جبال (ردفان)، وظلت مدة أربع سنوات؛ تشترك في معارك عديدة في عدد من المناطق حتى إعلان جمهورية اليمن الجنوبية 
بعد وفاة والديها تحمّلت مسؤولية الاهتمام بأفراد عائلتها، وهي مهمة إنسانية حدثت في ظروف عصيبة آنذاك، سخّرت كل عمرها في خدمة عائلتها ووطنها وقلّ ما تجد نساءً في هذا الزمان يفعلن ذلك، وحرمت نفسها الزواج وتوفيت دون أن تتزوج، لانشغالها العظيم في مهمة تنشئة أفراد عائلتها وكانت تقول: "لا أعراس ولا أفراح إلا بعد الاستقلال". وقضت ما تبقى من عمرها في الدفاع عن وطنها في سهول ووديان وجبال الوطن.

لقّبها المستشرق الروسي “نؤوفكين” بـ”الذئبة الحمراء”، و”المرأة البركان”، ووصفها بـ”المرأة الحديدية” التي لا تعرف الخوف.

تكريم الرؤساء 
(دعرة) شهرتها سبقتها إلى القاهرة، فكرّمها الرئيس المصري جمال عبدالناصر ومنحها رتبة ملازم أول وأهداها بندقية عرفانًا بالدور الذي قامت به في الثورة لمواقفها وشجاعتها ودورها النضالي في صنع تاريخ جسّدت فيه دور المرأة في الدفاع عن أرضها ودينها. كما كرمها الرئيس علي عبدالله صالح ومنحها رتبة عقيد.
وكرَّمها أيضا عدد من زعماء وقادة عالميين، أبرزهم كاسترو، وتيتو، وانديرا غاندي .
ومنحت وسام الاستقلال من الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، وقبل ذلك كرمت من الرئيس سالمين، ومنحت عددًا من الأوسمة والشهادات التقديرية؛ ومنها: ميدالية مناضلي (حرب التحرير)، ووسام ثورة (14 أكتوبر)، ووسام جرحى الحرب. ثم منحت رتبة (عقيد).
وكُرمت من قبل منتدى الشقائق العربي في عام 2000م ونالت الكثير من التكريمات والأوسمة.
العديد من الكتاب المحليين والعرب والأجانب الذين كتبوا عن مواقف وشجاعة هذا المرأة رحمها الله تعالى، والذين وصفوا شجاعتها بـ(النادرة).