Image

تعز لم تمت من وحشية القصف والقنابل وستموت من الغلاء الفاحش .. التعزيون بصرخون: "البطاط بـ3000 نحن جائعون يا لصوص"

عجوز أكل الدهر منها وما أكتفى، تقف أمام دكان، و تمسك بيدها ألف ريال هزيلة كهزال روحها المنهكة وعينيها الذابلتين كذبول سنوات الجدب في هذه المدينة الجرداء ، وبوجها الملطّخ بتجاعيد زمن لم يرأف بالضعفاء، وقفت تستجدي صاحب الدكان أن يحضر لها بـ"الألف" طماط وبطاط وبصل لتطعم أولاد ابنها المقتول في الحرب، استهزأ بها البائع ونهرها بأن الأف حقها لن تعطيها إلا حبة طماط..

جلست عند باب الدكان تبكي بحرقة عمرها المضني، وأنا أنظر إليها بصمت وتتحشرج دمعاتي معها، نظرتْ إلي بحرقة تشكو وطن يسحق الكادحين، و جاء صوتها متحشرجًا بالمآقي قائلة: "قتلوا ابني في الحرب وترك لي ثلاثة أولاد، تخلَّت عنهم أمهم  وراحت تتزوج وانا لا أملك من دنيتي شيئا، وما نعيش إلا بدكان على حسنات الجيران، وها هي الألف حقي ما جابت لي حبة بطاط، كيف أطعمهم؟، كيف أشرِّبهم؟ كيف ألبسهم وانا عجوز باقي لي أيام و أودّع الدنيا الظالمة هذه؟، اين سيذهبون بعدي وعند من، وما مصير 2 بنات وولد؟ سيضيعون بهذا الوقت القاسي.

مأساة هذه الجدة الطاعنة في السن لا يختلف عن حال معظم التعزيين، بل والمناطق المحررة ككل، التي ارتفع فيها حتى سعر الحبة البصل، بينما انخفض قيمة المواطن، وما زال في هبوط مستمر في مزادات اللصوص والحكومة التي تقف جامدة أمام كل مآسينا وأوجاعنا على طول البلاد وعرضها.

هي مأساة معظم التعزيين الذين صبروا، وجاهدوا، وصمدوا، وناضلوا عشر سنوات بجلَد جم، وصمود أسطوري امام القصف والقنايل والتشريد والتجويع والعطش،  وها هم الآن سيسقطهم الجوع و الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار المتواصل كل لحظة.

نأكل ربع وجبة
لم يعد الناس في تعز يتحدثون في بيوتهم والشوارع والمواصلات والمجالس سوى عن الغلاء وارتفاع الأسعار حتى على الخضروات التي لم يبقَ لهم سواها بعد أن صارت اللحوم والفواكة في حكم المعجزات العصية على الشراء ، فكيلو الطماط 3000، والبصل 2800 والبطاط 2500 والكوسا ب 4000... الخ. وصل الحال لدرجة أن معظم التعزيين صاروا فقط يأكلون ربع وجبة في اليوم كما قالت لي أم محمد:"أصبحنا نأكل ربع وجبة حاف ان وجدنا لقمة نأكلها على شاهي، ماعاد قدرنا لا نشتري لا بطاط ولا طماط، السرق الكبار بشتوا يقتلونا من الجوع احنا وعيالنا".

آخذ أولادي للسوق للفرجة فقط

لم نكن نتوقع أن يأتي يوم علينا يصبح سوق الخضروات مزار لفرجة العيون بينما في الأرواح حريق وكمد لا نهاية له وأمعاء تصرخ من الجوع. هكذا قال عبدالعليم.م حيث أضاف:" في بيتي لا يوجد اي متطلبات او مقاضي للمطبخ ومعي خمسة أولاد وانا مُدرس وبيتي إيجار ومعاشي ينتهي بنفس اليوم فاضطر لأخذ اولادي للسوق نتفرج على الخضروات الغالية والتي اصبحتُ غير قادر على شرائها، الله لا سامحهم حكومة الفنادق الذين جعلونا نذهب للسوق مع ابنائنا للفرجة فقط بينما بيوتنا خاوية على عروشها".  

يَشبعون من جوعنا وعطشنا   ويكتسون من عرينا

هكذا قالها مواطن تعزى يبدو عليه الأسى والقهر وضيق حال اليد: " طبلنا وزمرنا وهتفنا وغنينا وها هم يجازونا بارتفاع  لقمة عيشنا ، ما كان باقي معنا إلا القليل البطاط نأكٍّل عيالنا، وها هم الآن حرمونا من قليل البطاط والطماط. نحن ضحايا مسؤولين جشعين لصوص يشبعون من جوعنا ويتدفأون  من عرينا وبكتسون من عرينا. نحن جاوعين يا لصوص".

جوع أعظم من لغة الكلمات

ختامًا .. حين يصبح ألم الجوع ووخز الأسى أعظم من 28 حرفًا أصم، لا مجال إلا لقهر الأرواح ونواح القلوب المكبودة أمام لصوص يصمون قلوبهم عن أوجاع وطن بأكمله مُحملًا بذممهم الرخيصة ووطنيتهم الميتة..

"إنها لا تعمى الأبصار  ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".