Image

كم يفصلنا عن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط؟

كشف خبراء أن منطقة الشرق الأوسط تقف اليوم "على قاب قوسين أو أدنى" من اندلاع حرب شاملة، وذلك بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل باستخدام صواريخ باليستية.

وفي التفاصيل، أطلقت إيران نحو 180 صاروخاً باتجاه إسرائيل ليل الثلاثاء الماضي، بعد أقل من 24 ساعة على انطلاق الغزو البري الذي شنته إسرائيل على جنوب لبنان، حيث تخوض حالياً مواجهات عنيفة مع مقاتلي "حزب الله" المدعومين من إيران.

وقد ظهرت في لقطات فيديو صواريخ تعبر السماء وتنفجر، علماً أن منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تمكنت من اعتراض القسم الأكبر من هذه الصواريخ الإيرانية، مانعة إياها من الوصول إلى أهدافها على الأرض.

وتأتي هذه التطورات بعد أسابيع من التصعيد، بعدما أسفر القصف الإسرائيلي العنيف على جنوب لبنان وبيروت عن مقتل أكثر من 1000 شخص، وفق ما كشفته وزارة الصحة اللبنانية. كما أودت الغارات الجوية بحياة عدد من قياديي "حزب الله".

وفي ظل التوقعات بأن ترد إسرائيل على الصواريخ الإيرانية – ومع استمرار غزوها للبنان وغزة – يبقى التوتر سيد الموقف، مع توقعات بزيادة حدته في المرحلة المقبلة.

وفي حديث إلى "اندبندنت"، أكد الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" Chatham House البروفيسور يوسي ميكيلبرغ "نحن على المشارف [حرب شاملة] ولا شك في ذلك أبداً. ومن ثم، لم يسبق لنا أن شهدنا وضعاً كهذا من قبل".

وأضاف بالقول "إن إسرائيل وعدت –ولا سبب للتشكيك في وعدها أبداً– بأنها ستقوم بالرد بأساليب أكثر قسوة بكثير مما فعلت في أبريل (نيسان) الماضي، عندما تعرضت للاستهداف".

وتابع قائلاً "يمكن اعتبارها ضربة حظ، لأن الإصابات التي وقعت بالأمس كانت محدودة لكنه من الواضح أن نطاق الرد مرتبط بحجم الأضرار [التي تكبدتها إسرائيل]".

واستطرد "لذا، سيأتي الرد لا محال، لكن السؤال المحوري يبقى: ما الذي سيفعله الإيرانيون؟ ونحن أمام بوادر [حرب شاملة] لأن سلوك الند بالند هذا سيبقى مستمراً".

وأضاف "واليوم، وبعدما تكبدت إحدى القوى الرئيسة التابعة لإيران في المنطقة [حزب الله] أضراراً جسيمة، مع تقلص قدراته وتشتتت قيادته، ترى [الدولة الإيرانية] نفسها مضطرة إلى اتخاذ خطوات كانت قد تجنبتها لأعوام طويلة، وترى نفسها مرغمة على القيام برد مباشر".

وفي سياق متصل، يشير البروفيسور ميكيلبرغ إلى أنه لا يمكننا "استثناء" الدوافع السياسية [للرد على إيران] – أي رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تفادي الاضطرابات السياسية التي تواجهه في الداخل – عند الحكم على نطاق الرد الإسرائيلي.

وتابع قائلاً "وعلى مدار العام، شهدنا تأثير هذه الدوافع في جوانب عدة، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار مع ’حماس‘ وإطلاق سراح الرهائن. ولن نبالغ إن أكدنا أن الدافع الرئيس وراء تصرفات نتنياهو هو سعيه للصمود في المعترك السياسي وتحديد مصير القضية المرفوعة ضده بتهمة الفساد"، مضيفاً "بيد أن هناك أشخاصاً آخرين قد يسعون إلى ثنيه عن أية خطوات قد تهدد وجود دولة إسرائيل".

ولقي هذا الموقف صدى لدى مسؤول إسرائيلي سابق طلب عدم الإفصاح عن هويته، وأوضح هذا الأخير في حديثه إلى "اندبندنت" أن "الصمود السياسي" لنتنياهو "يُعد من أهم القضايا بنظر هذا الأخير وبعض من أعضاء تحالفه".

وأوضح المسؤول أن إعادة هيكلة النقاش الوطني داخل إسرائيل بعيداً من الفشل في غزة، وتوجيهه نحو التهديد الإيراني هو حتماً أمر "إيجابي" بالنسبة إلى نتنياهو.

ومن جهته، قال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق وكبير الباحثين في برنامج الشرق الأوسط في "معهد أبحاث السياسة الخارجية" Foreign Policy Research Institute، جوش كراسنا، إن الصراع الحالي مع "حزب الله" قد أدى إلى إضعاف إيران بصورة ملحوظة.

وأضاف "أقله على امتداد الأعوام الـ20 عاماً الماضية، اعتمدت إيران، في سياق سياستها لردع إسرائيل، على المساعي التي بذلتها لتطوير ’حزب الله‘ وتعزيز قوته العسكرية".

وأكمل "ولا شك في أن ’حزب الله‘ لا يزال يمتلك قدرات مهمة، بيد أنه شهد تراجعاً حاداً على مستوى القيادة وتركيبة السلطة. لذا إذا كانت إيران تعتمد على قدرتها في ضرب إسرائيل من قواعدها، فسيكون ذلك صعباً عليها".

ولفت الدكتور كراسنا إلى أن عدداً محدوداً من الصواريخ الإيرانية سقط على الأراضي الإسرائيلية –مما يعني أن إسرائيل "ليست ملزمة بإظهار رد فعل فوري".

وتابع "ولو أن الهجوم أسفر عن مقتل عشرات أو حتى مئات الأشخاص، فلا شك في أن إسرائيل كانت ستواجه ضغوطاً وتكون مجبرة على الرد بصورة فورية"، مضيفاً "ونظراً إلى الطبيعة [المحدودة] للأضرار الناجمة عن الهجوم، تستطيع إسرائيل اعتماد خطة عملياتية تكون في آن دقيقة ومدروسة".

وفي حين يؤكد الدكتور كراسنا أن إسرائيل ستقوم بالرد، مشيراً إلى احتمال استهدافها لمواقع الأبحاث النووية الإيرانية، يقول إن نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقاً هو أمر مستبعد.

وقال "إن الأردن لن يشارك في حرب مع إسرائيل، كما وأن مصر لن تخوض حرباً ضدها، وينطبق ذلك أيضاً على الجزائر وليبيا – لذا، فأنتم تفهمون ما أعنيه".

وأوضح "يبدأ الناس بالكلام عن اندلاع حرب عالمية، فتراهم مذعورين، لكن أياً من روسيا أو الصين لن يقف إلى جانب إيران أو يباشر في استخدام الأسلحة".

وبدوره، يؤكد مدير العلوم العسكرية في مركز الأبحاث في مجالي الدفاع والأمن "رويال يونايتد سرفيسز إنستيتيوت" (اختصاراً "روسي") RUSI، ماثيو سافيل، أن "رد إسرائيل قد يتباين بناء على أن قلة قليلة من الصواريخ تمكنت من بلوغ أهدافها على الأرض".

وأضاف أنه "في أضيق حدود الرد، قد تلجأ إسرائيل إلى التذكير بتفوقها التقليدي وبقدرتها على ضرب أهداف عسكرية إيرانية، لتشدد بذلك على الفارق الكبير في القدرات [بين الدولتين] وتزيد من حجمه، فتعمد مثلاً إلى استهداف الدفاعات الصاروخية ومواقع الرادارات داخل إيران".

وتابع أنه "في حال توسيع نطاق الرد، فقد تعمد إسرائيل إلى مهاجمة الموانئ أو البنية التحتية الإيرانية، بما يشمل مرافق إنتاج النفط، تشديداً على حجم الضرر الكبير الذي قد تلحقه إسرائيل بإيران".

وأكمل "أما في حال الرد على أوسع نطاق ممكن، فقد تستهدف إسرائيل مسؤولين إيرانيين كباراً، وكذلك البرنامج النووي الإيراني".

وقال سافيل إن الخيارات الأخيرة تحمل أخطاراً جسيمة، مفيداً بأن "شن هجوم اليوم [على أهداف نووية] قد يعزز قناعة إيران بأن التسلح هو الخيار الأخير المتبقي لديها للدفاع عن نفسها، وينطبق ذلك أيضاً في حال كان نطاق أية ضربة محتملة سيشمل المنظومة العسكرية أو القيادية على نطاق أوسع، مما قد يدفعها إلى التفكير في أنها تواجه تهديداً وجودياً".