من حرب إلى حرب: لاجئون سوريون في لبنان يعودون إلى بلادهم
بعد 10 أعوام على لجوئه إلى لبنان بسبب النزاع في بلاده، اضطر السوري أحمد مصطفى إلى الهرب من حرب جديدة، عائداً هذه المرة إلى سوريا على غرار عشرات آلاف آخرين على وقع الغارات الإسرائيلية الكثيفة.
عند معبر جوسيه الحدودي في ريف مدينة القصير السورية، يقول مصطفى البالغ 46 سنة لـ"وكالة الصحافة الفرنسية"، "هربنا من الحرب وعدنا إلى الحرب، خرجنا من الصفر وعدنا إلى تحت الصفر".
ويضيف مصطفى أثناء انتظاره مع عائلته وأطفاله الثلاثة حافلة تقلّه إلى الرقة شمال شرقي سوريا، "بعدما دخل (تنظيم) داعش إلى مدينتنا" قبل 10 أعوام "خرجنا فقط بالملابس التي كنا نرتديها ولم نأخذ معنا شيئاً".
ويتابع الرجل الآتي من منطقة الوزاني جنوب لبنان، "الآن، تكرر المشهد نفسه في لبنان، خرجنا من بين القذائف"، في إشارة للغارات الإسرائيلية الكثيفة.
وسيتوجه أحمد الآن على متن حافلة تبرّع بها أحد رجال الأعمال المتحدّرين من الرقة حيث يعتزم العيش مع أحد أقاربه في منزل من الطين.
إنها المرة الثانية
ودفع التصعيد الإسرائيلي على لبنان منذ الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي أكثر من 310 آلاف شخص إلى العبور من لبنان إلى سوريا، وفق السلطات اللبنانية، معظمهم سوريون.
وهي المرة الثانية خلال أقل من 20 عاماً، يضطر سكان في لبنان إلى اللجوء لسوريا هرباً من نزاع دامٍ.
فخلال حرب يوليو (تموز) 2006 بين إسرائيل و"حزب الله" التي استمرت 33 يوماً، هرب قرابة 250 ألفاً من لبنان إلى سوريا وفق الأمم المتحدة، غادر نحو 70 ألفاً منهم إلى بلد ثالث، بينما بقي 180 ألفاً مع عائلات مستضيفة أو في مراكز إيواء عامة.
وسيعود مصطفى إلى الرقة التي غادرها مع سيطرة تنظيم "داعش" عليها عام 2014، وتحوّلها إلى أبرز معاقله في سوريا. وبعد هزيمة التنظيم عام 2019، باتت المدينة وأجزاء واسعة من المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف فصائل كردية وعربية مدعومة من الولايات المتحدة.
جيل لم يعرف سوى الحرب
ومثل أحمد مصطفى، ينتظر جعفر العلي (53 سنة) عند الجانب السوري من معبر جوسيه الحدودي مع لبنان، حافلة ستعيده وعائلته إلى الرقة حيث لا ينتظره شيء سوى طريق وترقّب.
ويقول العلي الذي فرّ أيضاً من الوزاني، "من نزوح إلى نزوح، رحلة لا تنتهي، واليوم سنتوجه إلى شارع مفتوح في الرقة... لم يعد لدي شيء هناك، لا أهل ولا أقارب ولا منزل".
استخدم العلي علباً من الكرتون كانت تتضمن مساعدات غذائية وزعتها عليهم منظمات تابعة للأمم المتحدة، ليحمي زوجته وأولادهما الثلاثة من الشمس. ومن هؤلاء الأولاد، مؤيد (13 سنة) الذي كان يُحضر مياه شرب لأمه وإخوته.
ينظر العلي بحسرة إلى نجله البكر قائلاً، "عمر ابني من عمر نزوحنا، لم يرَ في حياته إلا الحرب والنزوح، لم يتعلّم ولا يعرف القراءة والكتابة، حاله حال بقية إخوته".
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، لجأ مئات الآلاف من السوريين إلى لبنان. ويقول مسؤولون محليون إن عددهم تجاوز المليوني شخص.
وشهدت سوريا في الأعوام الأخيرة تراجعاً في وتيرة المعارك بين قوات النظام ومجموعات معارضة، لكنها غارقة في أزمات اقتصادية ومعيشية.
وتعتبر شريحة واسعة من اللبنانيين أن النازحين السوريين يشكلون عبئاً على الاقتصاد وتطالب بعودتهم إلى بلادهم.
"يوم رعب آخر"
فرّ بشار حميدي (25 سنة) هو الآخر من الرقة عام 2016 بعدما دفع مبالغ طائلة بحثاً عن مستقبل آمن وحياة مستقرة بعيداً من أجواء الحرب التي لاحقته إلى داخل منزله في جنوب لبنان، فالمشهد يتكرر اليوم بالنسبة إليه.
ويروي فيما بدا عليه الإرهاق مع زوجته وأطفاله الثلاثة بعد رحلة طويلة من جنوب لبنان إلى الحدود مع سوريا، "كنّا نسمع أصوات القصف وشاهدت جثثاً مرمية على جانبي الطريق أثناء هربنا بحافلة من جنوب لبنان إلى بيروت".
ويقول إن منزله هُدّم بالكامل، وقضى جيرانه في إحدى الغارات الإسرائيلية ضمن منطقة الوزاني كذلك.
ويُضيف وصوته يرتجف، "كنت أشعر أن الموت كالوحش الذي يطاردني... وألتفت للوراء خشية أن يصيبني أو يصيب أحد أفراد عائلتي". ويتابع، "لا يبارح ذهني صراخ الأطفال، إنه يوم رعب آخر لن أنساه في حياتي".