تزايد مخاوف المستثمرين حيال قدرة باريس على سدّ عجزها المالي الكبير
بعد أن تقاربت تكاليف الاقتراض في فرنسا مع نظيرتها في إسبانيا؛ تزايدت مخاوف المستثمرين حيال قدرة باريس على سدّ عجزها المالي الكبير. وللمرة الأولى منذ الأزمة المالية في عام 2008، تساوت عوائد السندات الفرنسية لأجل 10 سنوات مع نظيرتها الإسبانية عند 2.98%، مما يعكس قلق المستثمرين المتزايد حيال المخاطر السياسية والاقتصادية في فرنسا، في حين تركز إسبانيا على تعزيز الانضباط المالي.
كما بلغت الفجوة بين تكاليف الاقتراض لأجل 10 سنوات في فرنسا وألمانيا، التي تعد مقياساً لمخاطر الاحتفاظ بالديون الفرنسية، أعلى مستوى لها في 7 أسابيع. ومع اقتراب شهر سبتمبر من نهايته، بلغت الفجوة 0.79 نقطة مئوية، مقارنة بـ0.71 نقطة مئوية في بداية سبتمبر.
وجاء ارتفاع علاوة الاحتفاظ بالديون الفرنسية في وقت طلبت فيه حكومة رئيس الوزراء الجديد، ميشيل بارنييه، من المفوضية الأوروبية تأجيلاً جديداً لتقديم خططها للامتثال للوائح المالية للاتحاد الأوروبي. وقال مارك داودينغ، كبير مسؤولي الاستثمار في «آر بي سي بلوباي»، إن «فرنسا تتعرض لضغوط مع اتضاح أن حكومة بارنييه قد تواجه مستقبلاً صعباً على أحسن تقدير، بل وخطر الانهيار في أسوأ الحالات».
وتتزايد شكوك المستثمرين بشأن ما إذا كانت فرنسا ستنفذ تخفيضات في الميزانية المطلوبة من الاتحاد الأوروبي، وخاصة أن صعود الأحزاب الشعبوية في فرنسا وألمانيا قد يُضعف النفوذ السياسي للكتلة في إجبار الدول على الالتزام باللوائح المتعلقة بالديون.
وتسعى المفوضية إلى خفض العجز العام إلى أقل من 3% والدين العام إلى أقل من 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد بلغ الدين الفرنسي 111% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية مارس من هذا العام، بينما من المتوقع أن يرتفع عجز الميزانية إلى ما لا يقل عن 5.6% في عام 2024.
وقال كيفن ثوزيت، عضو لجنة الاستثمار في شركة إدارة الصناديق الفرنسية كارمينياك، إنه «سيكون من الصعب على أوروبا فرض ذلك... لكن أين سيقودنا ذلك؟ إنه سيجبر المستثمرين على تنفيذ بعض إجراءات التقشف في الأسواق الفرنسية، وهذا هو مصدر القلق».
وصرح وزير المالية الجديد، أنطوان أرماند، لراديو فرنسا إنتر، أن البلاد تواجه «واحدة من أسوأ حالات العجز في تاريخها». كما يشعر المستثمرون بالقلق من أن بارنييه قد لا يتمكن من وقف التصويت بحجب الثقة بالبرلمان خلال الأشهر المقبلة.
وتضاعف الفارق بين تكاليف الاقتراض الفرنسية والألمانية تقريباً منذ بداية يونيو، قبل أن يدعو الرئيس إيمانويل ماكرون إلى انتخابات برلمانية مبكرة، مما أدى إلى شهور من عدم الاستقرار السياسي في وقت تواجه فيه البلاد تدهور المالية العامة.
وأدرجت المفوضية الأوروبية فرنسا في إطار ما تسميه إجراءات العجز المفرط، التي تتضمن فرض المزيد من الرقابة على خطط الإنفاق التي وضعها بارنييه وحكومته الجديدة.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، عيّن بارنييه وزيرين سيقدمان تقاريرهما إليه مباشرة للمساعدة على صياغة ميزانية عام 2025 وتحديد التخفيضات اللازمة لخفض العجز العام المتنامي.
وأشار نيكولا ماي، الخبير الاقتصادي في بيمكو، إحدى أكبر شركات إدارة السندات في العالم، إلى أن الأداء الضعيف للديون الفرنسية مقارنة بمنافسيها في الأيام والأسابيع الأخيرة «يبدو منطقياً لأن ضعف الحكومة القائمة يعني زيادة عدم اليقين السياسي والمالي».
وأضاف إن «التداول بين السندات الفرنسية والإسبانية بعائدات متقاربة يبدو معقولاً» على الرغم من أن الأخيرة تتمتع بتصنيف ائتماني أقل بسبب «تدهور التوقعات المالية» في فرنسا.
ويسهم عدم الاستقرار الأخير في الأسواق الفرنسية في تلاشي الفروق التقليدية بين أسواق السندات الأكثر خطورة والأكثر أماناً داخل الكتلة. وقد تقلّص الفارق في تكاليف الاقتراض القياسية للحكومة الإسبانية عن نظيرتها الفرنسية إلى قرابة الصفر، بعد أن كان يقارب نصف نقطة مئوية قبل 6 أشهر.
وأوضح توماس ويلديك، كبير خبراء الاقتصاد الأوروبيين لدى «تي رو برايس»، أن «دول منطقة اليورو الطرفية، مثل إسبانيا، ستواصل تحقيق أداء أفضل من فرنسا». وأضاف: «في الوقت الحالي، الوضع السياسي في إسبانيا أكثر استقراراً... والاقتصاد ينمو بوضوح».
أما البرتغال، التي تم إنقاذها خلال أزمة منطقة اليورو، فقد سجلت عائدات السندات القياسية أقل من نظيرتها الفرنسية منذ يونيو. وفي الوقت نفسه، انخفضت علاوة المخاطر على الديون الإيطالية مقارنة بالفرنسية من 1.3 نقطة مئوية إلى ما يقارب 0.6 نقطة مئوية على مدار العام الماضي. وقال مارك داودينغ إنه «إذا لم تستطع فرنسا معالجة القضايا الهيكلية، فستنضم إلى إيطاليا، ما يثير الشك حول وضعها كدولة ائتمانية شبه أساسية الآن».
وبحسب ديفيد زان، رئيس قسم الدخل الثابت الأوروبي في فرانكلين تمبلتون، فإن السندات الفرنسية قد تواصل تخلفها عن نظيراتها الأوروبية إذا فشلت فرنسا في ضبط ميزانيتها. وأضاف: «إسبانيا في وضع موات.. فهي تتبع مساراً مختلفاً عن فرنسا ومن المتوقع أن تحقق أداءً جيداً». وأشار زان إلى أن شركة إدارة الأصول قد اتخذت موقفاً دفاعياً نتيجة تزايد التوقعات بإجراء خفض أكثر حدة في سعر الفائدة داخل أوروبا، ولذلك، تفضل حيازة الديون الصادرة عن النمسا وألمانيا وإسبانيا.