Image

استمراية الثورة تقض مضاجع الحوثيين

في بداية شهر سبتمبر، تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية إلى منبر للاحتفال بدخول أقدس الشهور في تاريخ اليمن، شهر سبتمبر، المعروف بـ"مرحى سبتمبر الثورة" و"مرحبا أيلول". 
حيث يتذكر الناس هذا الشهر الذي شهد ثورة 26 سبتمبر 1962، التي قامت بإنهاء حكم الأئمة العنصريين وإنشاء حكم الجمهورية.

في الوقت نفسه، يبذل الحوثيون جهودًا كبيرة لاحتواء الاحتفالات الشعبية في صنعاء والمناطق التي يسيطرون عليها، من خلال زيادة عمليات الاختطاف للنشطاء والسياسيين، الهدف منها تقليل الغضب الشعبي والاحتجاجات ضدهم، خاصة مع تصاعد الاستياء من سياساتهم وقمعهم وفرضهم على الناس معتقداتهم بالقوة.

وفي الفترة الأخيرة، قام الحوثيون بخطف عدد من النشطاء والشخصيات الاجتماعية، البارزة بما في ذلك قيادات في حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء. تم اعتقال شخصيات بارزة مثل الشيخ أمين راجح، والشيخ علي ثابت حرمل، بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي دعت للاحتفال بثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة.
وتجاوز عدد المختطفين على خلفية الاحتفال بالثورة، الخمسين شخصاً في عدة محافظات، معظمهم في محافظة إب، حيث تم اختطاف أكثر من 35 شخصاً، بدءاً من الناشط السياسي رداد سعيد قاسم والناشط محمد عمر الكثيري.

يبدو أن الحوثيين يتصدون لأي شكل من أشكال الاحتفال بالثورة بقوة، حيث تم اعتقال الكثيرين وسجنهم بسبب منشورات تعبّر عن نية الاحتفال بالذكرى السنوية للثورة في 26 سبتمبر.
خلال اليومين الماضيين، اختطف الحوثيون حوالي 30 شخصا في محافظة إب، معظمهم من أبناء مديرية السدة، مسقط رأس الشهيد السبتمبري المناضل علي عبدالمغني. بين المختطفين شخصيات بارزة، ووجهاء وتربويين ونشطاء. 

قبل عام واحد من الانقلاب، كان سكان السدة من بين أكثر اليمنيين احتفاءً بالمناسبة، ولكن بعد الانقلاب الحوثي في عام 2014، تغيرت الأمور.
قبل الانقلاب، كان ينظر الى ذكرى الثورة بأنها مجرد إجازة رسمية واحتفالات بروتوكولية، ولكن بعد الحوثيين، أدرك اليمنيون أهمية هذه الثورة والقيم التي تمثلها. تصاعدت مقاومة الشعب ضد حكم الحوثيين وتأكيدهم على الالتزام بقيم الثورة، مثل إقامة نظام جمهوري عادل والمساواة وإلغاء الفوارق الطبقية وبناء جيش قوي وتحقيق الديمقراطية.

الحوثيون يظهرون الالتزام بمفهوم الجمهورية من الناحية الشكلية فقط، بينما يعملون على تدميرها من الداخل. يحاولون إعادة فرض حكم الإمامة بفرض السلطات الطبقية والمادية والمعنوية لسلالتهم، ويستخدمون العنف ضد الجيش ويقمعون الحريات ويدمرون التعليم. 
يحتفل الحوثيون بالعديد من المناسبات الدينية ويستنفدون موارد الشعب لتنظيمها، بينما لا يهتمون بذكرى الثورة الوطنية. 
في المقابل، يحتفل اليمنيون بالثورة بشكل شعبي متنوع، مؤكدين رفضهم لحكم الحوثيين والتمسك بقيم الثورة.

في الـ 26 من سبتمبر، تنتشر الفعاليات التي تحتفل بذكرى الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير يعاد من خلالها اكتشاف جوانب عظمة هذه الثورة وأهميتها لليمنيين. يشمل الاحتفال الطوعي إنتاجًا فكريًا وأدبيًا وفنيًا، بما في ذلك الأناشيد والكتب والفيديوهات والقصائد الشعرية، بالإضافة إلى إعادة نشر كل ما يوثق لتفاصيل الثورة بما في ذلك الأغاني والأفلام والكتب. يتمثل الهدف من ذلك في تمجيد رموز الثورة وتذكير الناس بعظمة ما حققوه.

يذكر اليمنيون، من خلال تدويناتهم وأنشطتهم، بالتاريخ السيء لحكم الأئمة وتذكرهم بالتخلف والوحشية التي عاشها اليمن تحت حكمهم. يحذرون من محاولات إعادة اليمنيين إلى تلك الحقبة المظلمة. يشير الناشطون أيضًا إلى جرائم الحوثيين ضد الثورة ومبادئها، بما في ذلك تغييرات في المناهج الدراسية لطمس تاريخ الثورة ومبادئها. يشددون على أهمية التعليم الحكومي وتهميشه من قبل الحوثيين.

يحتفل الناس بذكرى الثورة بشكل مختلف كل عام، حيث يشعلون الشعلة بشكل شخصي على أسطح المنازل أو على رؤوس الجبال، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين. يتم إيقاد الشعلة رسميًا منذ بداية الحرب في مأرب بحضور مسؤولين عسكريين بارزين. يقوم المقاتلون بإيقاد الشعلة في مناطق القتال لتأكيد مركزية الثورة واستمرار النضال ضد الحوثيين.
في سبتمبر  من العام 2023، خرج المئات من اليمنيين واليمنيات إلى شوارع العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى خلال ثلاثة أيام في ساعات الليل، ليرفعوا الأعلام ويهتفوا احتفاءً بالذكرى المجيدة. ولكن الحوثيين لم يتحملوا رؤية هذه الفعاليات وقاموا بالاعتداء على المشاركين والعلم الوطني في صنعاء، إب، والحديدة. انتشرت صور لعناصر الحوثيين وهم يعتدون على المشاركين ويتبادلون الحجارة معهم في إب، مما زاد من حدة الحراك الشعبي.

استخدم الحوثيون كل الوسائل الممكنة لإيقاف الناس وترهيبهم، حيث اختطفوا شخصيات مؤثرة واعتدوا على الفعاليات. كما قاموا بإطلاق خطابات تهديدية واتهموا المشاركين بالتخابر وكونهم "عملاء ومرتزقة"، مع انتشار السباب والشتائم، خاصة ضد النساء اللواتي كن الدافع الرئيسي والأكثر فاعلية في تنظيم الفعاليات.
تم اختطاف أكثر من 100 شخص من المحتفلين، وتم الإفراج عن بعضهم بعد تعهدات بعدم تكرار الأمر، في حين وجهت تهم بالتخابر لبعض المعتقلين. يتوقع أن تشهد مناطق سيطرة الحوثي حراكاً أكبر هذا العام، خاصة بعد الاستفزازات التي حدثت في العام الماضي، وقد يلجأ الحوثيون إلى قمع الاحتفالات وتنظيم احتفالات رمزية لتهدئة الشارع ومنع المحتفلين.