لماذا يجب أن أتقاعد لمجرد بلوغ سن الثمانين؟
عادةً ما يكون موقع «لينكد إن» واحةً من الهدوء في خضم الصخب الكبير الذي تتصف به وسائل التواصل الاجتماعي، لكن «لينكد إن» شهد ضجةً كبيرة الأسبوع الماضي عندما نشر أحد المستخدمين رسماً بيانياً يوضح مراحل الحياة المهنية المختلفة، والذي كان قد نُشر في قسم النصائح المهنية على موقع قوائم الوظائف Indeed.com.
ووفقاً للرسم البياني، فقد صُنفت الأعمار من 21 إلى 25 عاماً على أنها مرحلة «الاستكشاف»، أما الأعمار من 45 إلى 55 عاماً فصنفت على أنها «أواخر المسيرة المهنية»، وبمجرد أن تبلغ إلى الأعمار بين 55 إلى 65 تكون قد وصلت إلى مرحلة «تراجع الأداء».
وقد أصيب القراء بالصدمة، لذلك انهالت تعليقات مثل «أمر مخزٍ»، «صادم»، «هذا هراء». واستجابة لذلك، سارع الموقع بإزالة الرسم البياني، مؤكداً أنه لم يكن من المفترض نشره أو حتى إعداده.
وقال موقع الوظائف موضحاً: «نحن نعتذر بشدة عن المحتوى الذي أساء بالخطأ إلى الأدوار المهمة التي يؤديها العمال في كل مرحلة من مراحل حياتهم المهنية.. فالعمالة الأكبر سناً على وجه الخصوص تحظى باهتمام وتقدير بالغين كقادة ومرشدين ومساهمين في بيئة العمل».
وللأسف، هذا كذب، فالتمييز على أساس العمر أمر شائع في مكان العمل، هذا بافتراض الإبقاء أصلاً على العمالة من كبار السن، حيث يشير الخبراء إلى أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً أكثر عرضة لمواجهة صعوبة مضاعفة في العثور على وظيفة جديدة حال تم الاستغناء عنهم. أما الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً فهم ثاني أكثر مجموعة عرضة للعمل بعقود بلا ساعات عمل محددة، بعد الفئة العمرية بين 16 و24 عاماً.
وهذا أمر محبط بالنظر إلى أن جيل طفرة المواليد ليس ميسور الحال بنفس الدرجة، على الرغم من الصورة النمطية. ويذكر مركز «شيخوخة أفضل» البريطاني أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 60 و64 في انجلترا يعانون من أعلى معدلات الفقر بين البالغين من الفئات العمرية المختلفة. وليس هناك مؤشرات على تراجع حدة هذه المشكلة، نظراً للطفرة الديموغرافية من كبار السن ممن ينتمون إلى جيل طفرة المواليد.
إضافة إلى ذلك، عند سؤال «شات جي بي تي» عن «المراحل الرئيسية التي تمر بها في حياتك المهنية»، فسوف يقدم لك إجابة مماثلة لتلك الموجودة في الرسم البياني المنشور على موقع «Indeed. com»، لذلك ليس من المستغرب استخدامه مجدداً من قبل بعض «صناع المحتوى» في موقع ما.
وشخصياً، أشعر بالسعادة إزاء عدد الأشخاص الذين التقيت بهم مؤخراً ممن تجاوزوا الثمانين من العمر، ولا يزالون يعملون فحسب، بل ليس لديهم نية للتقاعد.
«إنني أعمل لأنني أحب العمل»، هذا ما قاله الخبير الاقتصادي المالي يوجين فاما، البالغ من العمر 85 عاماً، لزميل سأله عن سبب استمراره في العمل عندما التقيا داخل مكتبه في جامعة شيكاغو. كما أن الممثل السير إيان ماكيلين، البالغ من العمر 85 عاماً، غير مقتنع أيضاً بجدوى التوقف عن العمل والتقاعد. وقال في مقابلة قبل بضعة أسابيع «سأواصل العمل طالما أن ساقي ورئتي وعقلي في حالة جيدة».
ويقف آخرون في الصف نفسه، حيث قال البروفيسور تيم سبيكتور، الشريك المؤسس لبرنامج التغذية الشخصية «زوي»، والبالغ من العمر 66 عاماً، مؤخراً لكاتب سأله عما إذا كان ينوي الاستمرار في العمل لمدة 20 عاماً أخرى، «سأواصل بالتأكيد طالما أحب عملي».
هؤلاء الأشخاص محظوظون بالتأكيد، فهم يواصلون العمل لأنهم يستمتعون به. ولم لا؟
وخلال الأسبوع الماضي، أخبرني ريتشارد روس، رئيس مؤسسة روز تريز الخيرية للأبحاث الصحية، والبالغ من العمر 82 عاماً، أن «العمل يحافظ على نشاط عقلك، ويسمح لك بالبقاء على تواصل مع أشخاص مثيرين للاهتمام، ويمنعك من أن تصبح شخصاً مملاً». وأضاف «لا أعتقد أنني كنت سأظل على قيد الحياة لو تقاعدت في سن الـ65».
من ناحية أخرى، يواصل بعض الموظفين الآخرين من كبر السن العمل للسبب الذي يدفع الأشخاص من جميع الأعمار للاستمرار في العمل، وهو الحاجة إلى المال. وفي كل الأحوال، من الأفضل أن نعتاد على وجودهم لأن أعدادهم تتزايد باطراد. فبحلول عام 2023، تجاوز عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر ويعملون بدوام كامل في المملكة المتحدة 527 ألفاً، وهو ما يمثل 4.3% من هذه الفئة العمرية، مقارنة بـ2.7% في عام 2010.
لكن إذا كنت في العشرينيات من عمرك وتقرأ هذه السطور معتقداً أنك لن تتمكن من الحصول على وظيفة إذا استمر هؤلاء العمال الأكبر سناً في الاحتفاظ بوظائفهم حتى الثمانينيات من العمر، فلا داعي للقلق. فخلال العام الماضي، قُدِّر عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عاماً أو أكثر الذين يعملون بدوام كامل في المملكة المتحدة بنحو 13.7 ألفاً فقط، وهذا يمثل 0.06% فقط من إجمالي العاملين بدوام كامل، على الرغم من أن هذا يمثل زيادة عن 0.04% قبل عقد.
والنقطة الأهم هنا هي أن أي عامل من كبار السن لو كان صادف مخططاً يصنف شخصاً يبلغ من العمر 55 عاماً على أنه يسجل تراجعاً في الأداء، لكان قد تدخل على الفور لينقذ رؤساءه من نشر مثل هذه الحماقات.