Image

ما مدى تأثير ضعف قطاع التصنيع الأمريكي على الأسواق؟

بعدما هبط مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة تجاوزت 2 % بنهاية يوم الثلاثاء الماضي، أرجع تقرير فايننشال تايمز، وكل التقارير الصحفية في الواقع، عمليات البيع إلى ضعف نتائج المسح الاستقصائي للقطاع الصناعي، ما زاد مخاوف المستثمرين بشأن حدوث تباطؤ اقتصادي.

وفي أغسطس، سجل مؤشر التصنيع الاستقصائي الذي يجريه معهد إدارة التوريدات «آي إس إم»، 47.2 نقطة، تحسناً طفيفاً عن مستواه الضعيف في يوليو. كما أظهر انخفاض الطلبيات الجديدة، التي يعتقد أنها مؤشر رئيس، بنحو 3 نقاط، إلى 44.6 نقطة. لذا، يبدو أن هذه هي اللحظة المناسبة لنتساءل إلى أي مدى يجب أن نقلق من ضعف قراءات مؤشر «آي إس إم» للتصنيع؟ والإجابة: ليس كثيراً. ولنبدأ ببعض النقاط الواضحة:

أولاً: الأرقام المسجلة في أغسطس ليست خبراً مهماً، فقراءات مؤشر «آي إس إم» لشهري يوليو وأغسطس، ليست أسوأ بكثير من أرقام العامين الماضيين. صحيح أن رقم الطلبيات الجديدة بلغ أدنى مستوياته على مدار سنوات عدة، لكنه مجرد شهر واحد.

ثانياً: ليس من الواضح إن كان انخفاض السوق له علاقة كبيرة بمسح قطاع التصنيع، وكان الانخفاض الأبرز من نصيب شركة إنفيديا، بخسارة نحو 10 %، وهي ليست شركة مصنعة، وليست حساسة بشكل خاص تجاه الدورات الاقتصادية التي تؤثر في المصنعين. وتوضيحاً لهذه النقطة، لم تلتقط سوق الأسهم الأمريكية الإشارات الضعيفة المستمرة من مسح مؤشر «آي إس إم»: فقد كان أداء الأسهم الصناعية جيداً خلال العامين الماضيين.

ونظرياً، ينبغي لنا أن نولي اهتماماً لمسح التصنيع، رغم أن التصنيع لا يشكل سوى ما يزيد قليلاً على عشر الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ويمثل حصة أصغر من العمالة، لأن التصنيع يمكن أن يكون مؤشراً رئيساً على الطلب في القطاعات الأخرى.

وإذا كانت القراءات الضعيفة لمؤشر «إي إس إم» للتصنيع، تعكس انخفاض استثمار العملاء المحليين، فنحن نتوقع أن نرى انعكاس ذلك في بيانات الناتج المحلي الإجمالي عن الاستثمار. إلا أن نمو الاستثمار الفعلي لم ينخفض إلا قليلاً (والاستثمار في المعدات آخذ في الارتفاع).

ويلخص ماثيو مارتن من «أكسفورد إيكونوميكس»، الفكرة في وجود فرق بين مؤشرات المعنويات «الناعمة»، مثل المسوحات، ومؤشرات الإنتاج «الصارمة»، داخل قطاع التصنيع. وهذا ليس مفاجئاً لنا في لحظة لا تتبع فيها معنويات المستهلك السيئة والاستهلاك الذي لا بأس به، لا بعضهما البعض. ويعتقد مارتن أن قطاع التصنيع على طريق التعافي، فمستويات المخزونات منخفضة، وينبغي أن ترتفع في مرحلة ما، حيث يتوقع أن يعزز انخفاض أسعار الفائدة الاستثمار، كما سيسهم انتهاء العملية الانتخابية بطريقة أو بأخرى في تعزيز الثقة، وستستمر الإعانات، وغيرها من أشكال دعم إدارة بايدن للتصنيع المحلي.

من ناحية أخرى، تعد المساكن في الولايات المتحدة باهظة التكاليف، ويدرك مرشحو الرئاسة ذلك. وقد وعدت كامالا هاريس بزيادة المعروض من المساكن، بمقدار 3 ملايين وحدة. وتعهد دونالد ترامب بخفض الأسعار و«حماية الأحياء الأمريكية».

وإذا كان الرئيس القادم محظوظاً، فقد يساعد انخفاض الفائدة في تهدئة السوق. لكن الإصلاح الحقيقي يتطلب توفير مساكن جديدة، وجانب العرض في سوق الإسكان الأمريكية، يقع تحت سيطرة السلطات المحلية، وليس الفيدرالية. والقوانين المحلية تميل عادة إلى الحفاظ على قيمة العقارات و«شعور الحي»، ما يؤدي غالباً إلى إجراءات موافقة مطولة، أو سياسات تقييدية تعوق بناء مبانٍ جديدة. إذن، كيف يمكن للحكومة الفيدرالية زيادة المعروض؟

حدد الخبراء 4 مسارات:

- تقديم حوافز مالية لبناء وحدات جديدة. وتم ذلك من خلال منح جماعية، تساعد الولايات على بناء وحدات سكنية عامة جديدة، ومن خلال الائتمان الضريبي للإسكان منخفض الدخل، الذي يكافئ مطوري المنازل بأسعار معقولة. واقترحت حملة هاريس حافزاً ضريبياً للمطورين الذين يطورون مساكن بأسعار معقولة لمشتري المنازل للمرة الأولى. ولم تقدم حملة ترامب أي وعود مماثلة. لكن، مرة أخرى، يخضع المطورون المستفيدون من الحوافز للقوانين المحلية.

- التأثير في تقسيم المناطق المحلية. ويمكن للحكومة الفيدرالية تحفيز الحكومات المحلية على تغيير لوائح تقسيم المناطق الخاصة بها. وفي العام الماضي، قدمت إدارة بايدن برنامج «مسارات إزالة العقبات أمام الإسكان»، الذي يكافئ الولايات القضائية بمبلغ قدره 10 ملايين دولار، لإلغاء القوانين التي تحد المباني الجديدة. كما حاولت إدارة بايدن، والعديد من مشاريع القوانين في الكونغرس، تشجيع تقنين أنواع جديدة وأرخص من المساكن. رغم ذلك، لا يزال هذا المجال غير مطروق إلى حد كبير.

وتقول سارة برونين، التي تدير الأطلس الوطني لتقسيم المناطق في جامعة كورنيل: «أزعم أننا لا نعرف ما يكفي عن تقسيم المناطق، لنكون دقيقين بشأن تلك الحوافز.. وتميل البرامج الفيدرالية الحالية إلى تحقيق نتائج عامة للغاية، ولا تصف إجراءات محددة، يجب على الحكومات المحلية اتخاذها». وحتى عندما يتم البدء في التغييرات على المستوى المحلي، فإن إصلاح قوانين تقسيم المناطق يشكل تحدياً.

وتقول كيت نيلشر من جامعة جنوب كاليفورنيا: «إن تعديل لوائح تقسيم المناطق المحلية، يتطلب مشاركة كثير من المخططين المحترفين، واستشارات مجتمعية مطولة، يمكن أن تكون مثيرة للجدال.. إنها مسألة صعبة الحل، وهناك الكثير من التعقيدات الإضافية، عندما تعمل الحكومة الفيدرالية مع السلطات المحلية وسلطات الولايات».

- تشجيع تحويل المباني وترميمها، كما يمكن للحكومة أن تقدم حوافز لترميم المنازل القديمة غير المستخدمة حالياً. وقد أيدت حملة هاريس-والز برنامج الإعفاء الضريبي على المساكن في الأحياء، وهو اقتراح تقدم به مجلس الشيوخ، لمنح إعفاءات ضريبية لإعادة التأهيل. كما تستطيع الحكومة الفيدرالية أن تشجع تحويل المباني التجارية الفارغة إلى مساكن مؤقتة. في حين أدرجت إدارة بايدن عمليات التحويل في خطة عملها، إلا أنه لا يوجد حافز ضريبي فيدرالي في الوقت الحاضر. وقد ينظر إلى تمريره على أنه عملية إنقاذ لمستثمري العقارات، ما قد يكون قضية حساسة سياسياً.

- مكافآت عمليات البيع، فمبيعات المنازل القائمة تشكل غالبية سوق الإسكان، وقد توقفت بسبب الأوضاع المالية الحالية. وأوضح ريك بالاسيوس من شركة جون بيرنز للاستشارات، أن 20 % من المنازل المبيعة، هي إضافات صافية إلى السوق، وهذا يعني أن المالك لم يشترِ أو يستأجر منزلاً جديداً بعد البيع، إما لأن العقار كان منزلاً لقضاء العطلات، أو استثماراً، أو انتقل للعيش مع العائلة بعد ذلك. إن مراجعة قوانين ضريبة الأرباح الرأسمالية الحالية، قد تشجع أصحاب العقارات الذين لديهم منازل متعددة، على طرح عقاراتهم الإضافية في السوق. ومع ذلك، فإن تقديم إعفاءات ضريبية للأسر التي لديها منازل متعددة، قد يكون تحدياً سياسياً.