شركات الذكاء الاصطناعي تواصل اجتذاب تقييمات جيدة
هل فقاعة الذكاء الاصطناعي على وشك الانفجار، أم أنها لا تزال في مراحلها الأولى؟ نستحضر هنا أن «إنفيديا» فقدت قرابة نصف تريليون دولار من قيمتها السوقية في الجلسات الأربع التي تلت إعلان نتائجها الفصلية، رغم تجاوزها التوقعات الرسمية.
وإذا ما أضفنا إلى هذا المشهد أسهم «أبل» و«مايكروسوفت» و«ألفابيت» و«أمازون» و«ميتا»، التي هيمنت على سوق الأسهم منذ بزوغ صيحة الذكاء الاصطناعي، لوجدنا أن تراجع هذه الأسهم كلف المستثمرين 1.8 تريليون دولار على مدى الشهرين الماضيين. ولم تعد صيحة الذكاء الاصطناعي كافية لكي تواصل السوق تقدمها، مع تباين المؤشرات الاقتصادية والعلامات على اتجاه سوق الأسهم نحو قطاعات أخرى.
لكن من الواضح أن ينبوع الأمل لا يتوقف. فقد أفادت تقارير في الأيام الأخيرة بسعي «أوبن إيه آي» إلى تقييم يزيد على 100 مليار دولار في آخر جولاتها للتمويل، وربما أكثر من ذلك. ورغم أن المجال متخم بالشركات التي تعمل على بناء نماذج الذكاء الاصطناعي، فما زالت الشركات الناشئة الجديدة تجتذب تقييمات مذهلة.
وعلى الرغم من الانتكاسة التي شهدها صيف هذا العام، فإن غالبية المكاسب الناتجة عن طفرة الذكاء الاصطناعي ما زالت قائمة. وشهدت شركات التكنولوجيا الست الكبرى نمو قيمتها السوقية مجتمعة بنحو 2.9 تريليون دولار، أو بنسبة 27 %، منذ بداية العام الجاري.
ومع ذلك، ثمة تغير في المعنويات، ويبدو أن التقلبات أصبحت الواقع الجديد. فرغم أن «إنفيديا» ما زالت تحقق نتائج فلكية وفق أي معيار عادي. لكن ولت فترة الصدمة التي سيطرت على وول ستريت على مدى العام الماضي، وتعود درجة من الاستفاقة إلى السوق رويداً.
وكان من المتوقع أن تحدث الاستفاقة في هذه المرحلة، مع اصطدام سباق الذكاء الاصطناعي بواقع الأعمال. فبعد الفورة الهائلة للإنفاق الرأسمالي التي بدأت في وقت مبكر من العام الماضي ودفعت أسهم شركات البنية التحتية، مثل «إنفيديا»، إلى مستويات عالية، تزايد إدراك أن إيجاد استخدامات اقتصادية ذات قيمة لكل القدرات الجديدة للذكاء الاصطناعي يتوقع له أن يستغرق وقتاً.
كما أن ضيق أفق الإنفاق الرأسمالي جعل من هذه المكاسب تبدو محفوفة بالمخاطر. كما أنه من المهم الإشارة إلى أن ثلاث شركات كبرى تستحوذ على 49 % من الذمم المدينة لشركة «إنفيديا» بنهاية الربع الماضي.
ومع ذلك، تشي التحركات اللافتة للنظر في السوق الخاصة بأن التكنولوجيا تبقى في مهدها. ورغم تعثر بعض الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي والتي أثيرت حولها ضجة، تبرز أخريات جديدة سريعاً لتحل محلها. ولم يكن ذلك أكثر وضوحاً منه في سوق النماذج اللغوية الكبيرة ونماذج «تأسيسية» أخرى من تلك التي قامت عليها طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ويتمثل الخطر الذي يواجه الشركات بهذه السوق في أن تصير النماذج التأسيسية سلعة غير متمايزة، وأن العيوب المتأصلة في التكنولوجيا، مثل الميل إلى الهلوسة، ستحد من استخداماتها على نحو حاد. وإن صح ذلك، ستتلاشى أي قوة تسعيرية تمتعت بها الشركات وستحل على السوق موجة كاسحة من الدمج.
وقد أغلقت بعض الشركات أبوابها بالفعل. وقد احتضنت «أمازون» قادة «كاركتر دوت إيه آي»، التي أشارت تقارير قبل عام إلى سعيها لجمع تمويل بما يدفع تقييمها إلى 5 مليارات دولار. أما «إنفلكشن»، التي بلغ تقييمها 4 مليارات دولار ذات يوم، فقد ابتلعتها «مايكروسوفت».
لكن تُظهر آخر الأنباء استمرار وجود وفرة من رؤوس الأموال في وادي السيليكون التي تدعم وجهة نظر بديلة. فبدعم مالي جزئي من جانب «إنفيديا»، تمكنت شركة «ساكانا إيه آي» اليابانية من الحصول على تقييم يتجاوز مليار دولار في جولة الاستثمار الأولى هذا الأسبوع. وبلغ تقييم «سيف سوبر إنتليجنس»، التي يقودها إيليا سوتسكيفر، المؤسس المشارك لشركة «أوبن إيه آي»، وتضم 10 موظفين فقط، 5 مليارات دولار من مستثمرين يشملون «سيكويا» و«أندريسن هورويتز».
وتعد «ساكانا» بمثابة تذكير بأن انتشار النماذج بدأ لتوه. وحول العالم، فإن الضغوط لتدريب نماذج محلية باستخدام بيانات محلية مع إبقائها تحت السيطرة، تتزايد بالشدة. علاوة على ذلك، وفي حين حققت النماذج الكبيرة أبرز التقدمات التقنية، لكن يسبقها في الكثير من المواقف العملية عدد أكبر كثيراً من النماذج الصغيرة التي تدربت على بيانات مُحددة مرتبطة بالمهمة الموكلة إليها.
وفي الوقت نفسه، تمثل «سيف سوبرإنتليجنس»، التي وكما يوحي الجزء الثاني من اسمها، رهاناً على وجود إنجاز أكبر في المتناول، يتمثل في مستوى من الذكاء الاصطناعي الذي يتخطى بكثير الحالة الراهنة للتكنولوجيا ويفوق الذكاء البشري قوة.
ويقول مؤسسو الشركة الناشئة إن لديهم طريقة أفضل للوصول إلى ما يسمونه «قمة الجبل» في الذكاء الاصطناعي. وليس من الواضح بعد ما سينطوي عليه هذا، غير أن هذه الادعاءات تأتي وسط بحث محموم بين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي عن طرق جديدة وأكثر كفاءة لتدريب النماذج التي تحمل في طياتها تهديداً باستهلاك كم أكبر من البيانات والطاقة، إضافة لسعيهم إلى التوصل لتقنيات جديدة ستتغلب على القيود المفروضة على التكنولوجيا الحالية.
وعموماً، فإن «وول ستريت» تعيش فترة من الإرهاق بسبب الذكاء الاصطناعي. لكن إذا ما كان لنا أن نحكم من خلال أبرز شركات رأس المال المغامر التي تراهن على «سيف سوبر إنتليجنس»، فما زال هناك مجال فسيح أمام مزيد من الضجيج المُثار حول الذكاء الاصطناعي.