Image

أوروبا تفشل بمواكبة التطور في إصدار سندات الشركات

عادة ما يشهد شهر سبتمبر بداية جديدة للعام الدراسي، ومعه محصول وفير من أطروحات السندات الجديدة، إلا أن هذا الموسم في أوروبا عادة ما يفتقد الشركات الصغيرة مجدداً.

ورغم أخذ حجم الاقتصاد الأمريكي الأكبر في الاعتبار، مقارنة باقتصاد الاتحاد الأوروبي، فإن التفاوت في اقتراض الشركات الصغيرة من سوق السندات بالغ. فعدد سندات الشركات الأمريكية التي تصل إلى السوق في صفقة تقل عن 100 مليون دولار عادة ما يزيد على ضعف عددها في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لبيانات قاعدة بيانات الديون «ديلوجيك شو». وتشهد الولايات المتحدة أكثر من 4000 معاملة من هذا القبيل كل عام.

وفشل أوروبا في مواكبة ذلك أمر عميق وهيكلي. ويؤكد المصرفيون المسؤولون عن صفقات السندات للشركات، الذين يحددون تكلفة الاقتراض المناسبة ويجدون مستثمرين لشراء الديون، أن إصدار السندات الصغيرة عمل روتيني في الولايات المتحدة، لكن في أوروبا، غالباً ما تكون المتاعب أكثر، ولا يستحق الأمر العناء.

وقال أحد هؤلاء المصرفيين: «يستغرق الأمر مني الوقت نفسه، سواء في صفقة بقيمة 5 مليارات يورو، أو صفقة بقيمة 100 مليون يورو، وبعد الإصدار، لا يتم تسييل السندات الصغيرة».

وتتميز وثائق الإصدار بتعقيدات شديدة في ما يتعلق بالرسوم، وغالباً ما تتطلب توقيعات يدوية ونماذج مختومة ترسل عبر الفاكس. كل ذلك في خليط من المعايير المختلفة المتعلقة بالضرائب والإفلاس حسب المعايير الخاصة بكل بلد، ما يزيد الصعوبة العملية. وعلى أية حال، فإن المستثمرين الأوروبيين بشكل عام لا يهتمون بالصفقات الصغيرة.

ومن الصعب تجنب الاستنتاج أن آلاف الشركات الصغيرة تحرم من سوق الأوراق المالية. وعادة ما تكون البنوك سعيدة بإقراضها مباشرة، لكن البيئة العدائية في سوق السندات المؤسسية تحرمها مصدراً بديلاً للتمويل. وهذا مجرد جانب واحد من الجهود المتعثرة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي لإنشاء اتحاد حقيقي لأسواق رأس المال.

وفي مناسبة أقيمت في بروكسل في وقت سابق من العام، واصلت ميرياد ماكغينيس، مفوضة الخدمات المالية في الاتحاد الأوروبي، ضغوطها لتحقيق واحد من أكثر أهداف الكتلة طموحاً، وحثت المصرفيين والمستثمرين والوسطاء الماليين المجتمعين على تحقيقه، ليس كمشروع جانبي بل كضرورة استراتيجية ملحة.

وقالت ماكغينيس: «نحن بحاجة إلى بناء اقتصاد ومجتمع أكثر استدامة، ويمكن للخزانة العامة أن تساعد، لكنها لن تكون المصدر الرئيس لتمويل أجندة الاستدامة هذه». وكانت تخاطب جمهوراً يتفق معها: «يعرف المشاركون في السوق أن التشابك بين القواعد والبروتوكولات المتنافسة لتداول الأوراق المالية في جميع أنحاء أوروبا فوضوي، ومع ذلك، فإن معظمهم مستسلمون لهذا الوضع».

وقالت ماكغينيس: «إن الاستثمار في دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي أصعب مما ينبغي، وهذا بعد 30 عاماً من إنشاء السوق الموحدة، والسبب هو أننا لا نملك سوقاً واحدة لرأس المال»، وألقت باللوم على «الافتقار إلى الطموح» و«المصالح الوطنية المكتسبة».

وقد استخدم رئيس الوزراء الإيطالي السابق إنريكو ليتا نبرة مماثلة في مراجعة الأسواق التي أجراها في أبريل، مؤكداً «الحاجة الماسة إلى سوق مالية أوروبية أكثر تكاملاً وقوة». وهذا يشكل كل فئات الأصول، ما يسمح للولايات المتحدة بالهيمنة العالمية على الأسهم، لكنه يعوق أيضاً عالم السندات المؤسسية الأقل جاذبية.

وتتمتع الشركات الكبرى بسهولة الوصول، وقد بنت أوروبا سوقاً مزدهرة للسندات الخضراء، لكنها لا تخدم الشركات الصغيرة بالقدر نفسه. وقال يوشين ميتزجر، المسؤول السابق في البنك المركزي الألماني ورئيس الأسواق الآن في «ناو سي إم»، وهي واحدة من الشركات القليلة التي تحاول اختراق السوق: «هذا يتعلق بدوامة من الفرص الضائعة».

وأضاف إن الشركات الكبيرة مثل «بي إم دبليو» يمكنها بسهولة الاستفادة من سوق السندات الخضراء في أوروبا. ولكن سلسلة القيمة بأكملها خلف «بي إم دبليو» يجب أن تكون مستدامة أيضاً، ما يعني أن العديد والعديد من الشركات ستحتاج إلى القيام باستثمارات.

وحتى المتفائلون هنا يكافحون كي لا تفضحهم تعابير وجوههم عندما يقولون إن هذه المشكلة الدائرية يمكن حلها وسيتم إصلاحها في حياتهم؛ فالاهتمام الاستثماري ضعيف تجاه منتج لا يوجد على نطاق واسع لأن طلب المستثمرين غير موجود.

ولا يمكن لأي حيلة سحرية واحدة حل جميع القضايا الضريبية والقانونية عبر الحدود في وقت واحد.

إن الحل، أو جزءاً منه، قد لا يكون في إصلاح ما هو موجود بالفعل، بل في احتضان ثورة الإقراض الخاص التي اجتاحت الولايات المتحدة بالفعل. وأشارت أحدث بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن أوروبا متأخرة بعقد أو نحو ذلك عن الولايات المتحدة من حيث حجم الإقراض، من قبل شركات الأسهم الخاصة وغيرها من المتخصصين.

لكن هذا يزعج ويقلق من يخشون، بحق أو غير حق، أن تخفي الأسواق الخاصة المخاطر النظامية المحتملة.

رغم ذلك، ما لم تتمكن أوروبا من إيجاد الإرادة السياسية اللازمة لجعل سوق سندات مفتوحة للجميع حقيقة واقعة، فإنها تخاطر بتسليم زمام الأمور إلى أشكال الإقراض الأكثر غموضاً.