تحسين حياة كبار السن أمر ممكن وضروري
خلال زيارة لليابان، رأيتُ روبوتاً يرقص برشاقة مع اختصاصي للعلاج الطبيعي، أمام مجموعة من كبار السن المتحمسين خلال تمارينهم الصباحية. وفي هولندا، زرتُ سيدات مُسنَّات في بيوتهن برفقة مُمرِّضة اصطحبت كلبها لإدخال السعادة عليهن. وفي أمريكا، زرتُ داراً للمُسنِّين يُديرون فيها مكتبةً خاصةً بهم، حيث تكتظُّ الأرففُ بكتبٍ ألّفوها بأنفسهم.
إن الدول الغنية تسعى جاهدة للتعامل مع تزايد ارتفاع متوسط الأعمار أو الإصابة بالضعف أو الشعور بالوحدة، ويكمن جزء مهم من الحل في الحفاظ على استقلال الأفراد لأطول فترة ممكنة. لذلك، يجب أن يكون نظام الرعاية الذي يعدنا جميعاً بتجارب ذات مغزى أثناء مرحلة الشيخوخة، أكثر جاذبية من نظام يبدو وكأنه ملاذ أخير للتعامل مع التدهور المرتبط بالسن.
وفي المملكة المتحدة، يكتسب النقاش حول الرعاية الاجتماعية زخماً مرة أخرى، حيث تخلت وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، عن خطة مؤجلة لوضع «سقف» لتكاليف رعاية معينة. وأثار هذا القرار القلق.
ومع ذلك، فإن غريزة ريفز على صواب، فإصلاح الرعاية الاجتماعية، يتطلب تفكيراً أكبر حول التمويل والنهج المتبع مع ذوي الإعاقة. والطريقة الوحيدة لحل ما يبدو حالياً عقدة عويصة -تنطوي على موظفي رعاية يتقاضون أجوراً متدنية، وأسر متعثرة، ونقص في الأطباء، واكتظاظ للمستشفيات- هي تغيير الطرح السائد.
ويجب تأطير الرعاية الاجتماعية لكبار السن، بصفتها استثماراً إيجابياً يصب في مصلحة المجتمع ككل.
وفي ورقة عمل نشرتها مع زملائي في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، اقترحنا سلسلة من السياسات العملية، تهدف إلى تحسين نتائج الصحة والرعاية للأفراد فوق سن 65 عاماً.
وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي قضاء فترات أطول في المستشفى بلا داعٍ، إلى الاعتماد على الآخرين في مرحلة مبكرة، بسبب سوء التغذية واضطراب النوم وتدهور الحالة البدنية.
على الجانب الآخر، يمكن أن يؤتي تكثيف إعادة التأهيل بثماره، فقد مكنت هذه العملية ثلثي المرضى في بعض المستشفيات الأمريكية من العودة إلى منازلهم، بعد سقوط مفاجئ أو عملية جراحية. ولكن ذلك يتطلب تغيير عقلية الموظفين من «القيام بالعمل نيابة عنهم»، إلى «القيام بالعمل معهم».
وبالمثل، لا يمكن معالجة الشعور بالوحدة دائماً، بإرسال مثل هؤلاء الأشخاص إلى مركز نهاري. ففي النرويج، على سبيل المثال، يستخدم الناشطون تقنية الاتصال بين المستخدمين، لجعل كبار السن يتناولون وجبات الطعام عبر الإنترنت.
وثمّة افتراض واسع الانتشار، بأن كبار السن لا يسعون إلى الاختيار أو والصلاحيات. فيما هم في الواقع يريدون ذلك - ويجب أن يُسمح للمزيد منهم بإنفاق ميزانية الرعاية المخصصة لهم، وتوظيف أقاربهم، كما هي الحال في ألمانيا.
أعتقد أن المملكة المتحدة بحاجة إلى نظام تمويل متسق، ليحل محل النظام الحالي، الذي يتسم بالغموض والتعسف وعدم الإنصاف. ففي دور الرعاية، تقدم الأسر التي لديها أصول الدعم المتبادل لأولئك المؤهلين للحصول على المساعدة من الدولة.
وتعد ميزانيات الرعاية الصحية المستمرة التابعة للخدمات الصحية الوطنية، موضوعاً للعديد من الدعاوى القضائية، حيث يكافح الأشخاص بشدة لإثبات الحاجة إلى «الرعاية الصحية الأولية»، وهو مصطلح لا يوجد له، للأسف، تعريف قانوني واضح.
وفي بعض النواحي، يبدو نظام المملكة المتحدة مشابهاً للنظام الذي كان معمولاً في ألمانيا قبل 30 عاماً. وقد قامت كل من ألمانيا واليابان بصياغة صناديق تأمين للرعاية الاجتماعية، تتميز بالشفافية والقابلية للتنبؤ والاستدامة، وهو ما خلق شعوراً بالتضامن الاجتماعي. فالجميع، بمن فيهم المتقاعدون، يدفعون للنظام، كما يستفيد الجميع منه.
وتتجاوز هذه المخططات ما هو أبعد من سقف تكاليف الرعاية، الذي اقتُرح في عام 2011، والذي أوقفته ريفز مؤخراً. وكان القصد هو تحديد الحد الأقصى الذي يتعين على أي شخص دفعه مقابل الرعاية الشخصية طيلة حياته (باستثناء تكاليف المعيشة اليومية).
ولكن لم ينفذ السياسيون هذه الخطة قط، ويرجع هذا جزئياً إلى أنها لن تفيد سوى عدد ضئيل نسبياً من الأسر، وأيضاً لأن وزارة الخزانة كانت مترددة في رفع الضرائب، دون أي تحسن مصاحب في جودة الرعاية.
وفي البلدان ذات أنظمة الرعاية الاجتماعية القائمة على «الدفع المسبق»، فإن أحد التحديات السياسية يتمثل في الاعتقاد السائد بين العديد من كبار السن، بأنهم دفعوا ما يكفي من الضرائب لتغطية تكاليفهم خلال مرحلة الشيخوخة (رغم أن هذا ليس صحيحاً بالنسبة للكثيرين).
وثمة نقطة خلافية أخرى، خاصة في المملكة المتحدة، تتعلق بالإسكان. فالرغبة في توريث المسكن للأجيال المقبلة، قوية ومشروعة، وهي دفعت الساسة المتعاقبين إلى الوعد بعدم بيع المسكن لدفع تكاليف الرعاية، لكن قد لا يكون من الممكن تجاهل القيمة لأكبر أصول أغلب الناس عند تقييم ثروتهم.
وسيتعين على حزب العمال إيجاد تمويل إضافي، خاصة أنه يخاطر بإفلاس أصحاب العمل، مع تعهده برفع أجور موظفي الرعاية. وعموماً، فإن إصلاح النظام ليس مجرد مسألة فنية، بل لا بد أن يجذب الجمهور.
وهو ما يعني ضرورة وضع رؤية لتحسين التعامل مع قضية الشيخوخة، وهو ما قد يمنح الناس مغزى، كما أكد أتول غواندي بقوة، في كتابه «لأن الإنسان فانٍ». فكيفية معاملة كبار السن وذوي الإعاقة، هي الاختبار الحقيقي للمجتمع المتحضر.