Image

تفاقم معاناة متضرري سيول السودان ومبادرات لمساعدتهم

عاش السودانيون لحظات مؤلمة وهم يشاهدون مقاطع مصورة جرى تداولها بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر معاناة متضرري كارثة السيول والأمطار بعدما وجد الآلاف أنفسهم، خلال ساعات، أمام أطلال وبقايا منازلهم المتهدمة، وباتوا يعيشون أوضاعاً إنسانية وصحية سيئة في العراء وتحت ظلال الأشجار.

وأظهرت المقاطع المشاهد المرعبة لعشرات الجثث العابرة التي جرفتها السيول وصرخات الأطفال والنساء، وكذلك نداءات كبار السنّ والمرضى من شدة الجوع والعطش وانقطاع الأدوية.

 

وسط هذه الظروف والأوضاع الكارثية نشطت مبادرات مجتمعية عدة أخذت طابعاً فردياً، عملت على مساعدة المتضررين وتخفيف العبء عنهم، لا سيما تأمين المواد الغذائية والأدوية ووسائل التدفئة والأغطية وبعض المساعدات الأخرى وإرسالها إلى المناطق المنكوبة.

تضامن كبير

وتمثلت هذه المبادرات في استخدام متطوعين كثيرين مواقع التواصل الاجتماعي لحضّ الخيّرين والمغتربين ونجوم الفن والرياضة على ضرورة تقديم الدعم المالي للإسهام في تعزيز الجهود وتوفير المعينات كافة من دون انتظار إذن من الدوائر الرسمية، وتوالت المشاهد المؤثرة للشباب وهم ينتشلون الضحايا، وكذلك لمواطنين وهم يسهمون بمؤونتهم القليلة من أجل دعم المتضررين والمساعدة في إيوائهم وإطعامهم.

وتقاطرت جموع من السودانيين في كل ولايات البلاد المتضررة معلنة استعدادها لاستضافة الأسر التي فقدت منازلها من جراء الفيضانات.

تكايا الطعام

في منطقة طوكر بولاية البحر الأحمر، أشعل مبارك محمد سلمان كمية من الحطب، ونصب مواقد كبيرة عليها عدد من الأواني الضخمة، وبدأ يطهو الطعام لسدّ جوع المتضررين الذين باتوا في العراء بعدما دمرت السيول منازلهم.

وقال إن "المبادرة جاءت نتيجة تفاقم الأوضاع الإنسانية ونقص الغذاء، فضلاً عن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها سكان المنطقة، ونشط عدد من الشباب في توفير المواد الغذائية وطهي الطعام وتوزيعه بالمجان لمكافحة الجوع، بخاصة مع وجود مئات الأطفال والمسنين والمرضى"، مضيفاً "نوزع أكثر من 1500 وجبة في اليوم الواحد، إذ يصطف المتضررون من كارثة السيول والأمطار من أجل الحصول على الطعام لسد جوع أطفالهم"، وتابع أنه "على رغم ندرة السلع الغذائية ونفاد المدخرات المالية نهدف إلى أن تكون المبادرة حركة عمل مباشرة لخدمة المتضررين وتقديم المساعدة اللازمة، وسنعمل خلال الأيام المقبلة على توفير خيام وأغطية وتأمين الأدوية".

ممرات للعبور

وفي منطقة عقيق بشرق السودان، أنشأ متطوعون ممرات من المواد المحلية عبارة عن حطب وحبال وحديد لعبور المشاة والنجاة من فيضان المياه المتدفقة من طوكر، بخاصة بعد الانهيار الجزئي لعدد من الجسور وعزل مناطق جنوب طوكر عن بقية ولاية البحر الأحمر.

واعتبر الناشط في إحدى المبادرات الرشيد محمد كمبال أن "كارثة السيول والفيضانات أجبرت السكان على هجر منازلهم وممتلكاتهم التي تحولت إلى ركام من الطين والطمي، وباتوا يواجهون أوضاعاً صعبة للغاية بسبب أزمة الغذاء والدواء لكثير من الأسر، خصوصاً الأطفال وكبار السنّ"، مردفاً أن "الأولوية كانت للعمل على خروج المواطنين من المناطق المنكوبة، بالتالي جاءت فكرة إنشاء ممرات من المواد المحلية بصورة عاجلة لعبور النساء والمرضى والأطفال، خصوصاً بعد الانهيار الجزئي لعدد من الجسور، ويعمل أكثر من 100 شاب يومياً في تركيب الحطب والحديد بصورة محكمة مع الحبال، وقد حققت التجربة نجاحاً كبيراً وتم إجلاء آلاف المتضررين". وأوضح كمبال أن "ظهور المبادرات أمر متوقع في مثل هذه الظروف والمحن التي تستنهض دور المجتمع انطلاقاً من موروثه الفاعل منذ عقود طويلة".

مشاركة فاعلة

ولم تقف الجهود التطوعية والإنسانية على من هم داخل البلاد، بحيث نشط عدد من المغتربين السودانيين في دعم المبادرات بتحويل مبالغ مالية.

وفي هذا الصدد أشار الناشط سامر الحسن إلى أن "تعاون الداخل والخارج أثمر عن جهود كبيرة وزاد من همة وعزيمة المتطوعين في الولاية الشمالية من أجل مساعدة المتضررين وتقديم خدمات ضرورية، مثل المواد الغذائية ومياه الشرب والأدوية لأصحاب الأمراض المزمنة والأطفال والمعينات الصحية للفتيات وحاجات المسنين، علاوة على متابعة المرضى بواسطة فرق طبية متخصصة في مجالات عدة"، ولفت إلى أن "المبادرات التي شملت عدداً من ولايات السودان المنكوبة بكارثة السيول والأمطار جاءت كرد فعل مباشر لسدّ الفجوة ومعالجة الأزمة، لا سيما في هذه الظروف الصعبة"، مستبعداً أن "يستطيع المتطوعون تغطية حاجات العدد الكبير من المتضررين على رغم الدافع القوي والروح العالية التي يعملون بها، لكن يمكن أن تحدث فارقاً مهماً بالنسبة إلى الآلاف الذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة أياً كانت طبيعتها".

الكارثة تتمدد

وتتزامن الكوارث الطبيعية والصحية في السودان هذا العام مع استمرار المعاناة الإنسانية جراء الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أبريل (نيسان) 2023، إذ خلّف الصراع المسلح ما لا يقل عن 18 ألفاً و800 قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.

وأعلنت وزارة الصحة السودانية تأثر خمس ولايات بالأمطار والسيول وهي القضارف وجنوب كردفان وغربها والشمالية والبحر الأحمر لترتفع الأقاليم المتأثرة تراكمياً إلى 11 ولاية في 56 محلية و540 منطقة، وكذلك تضررت أكثر من 38 ألف أسرة و170 ألف فرد. وأشارت إلى أن "تراكم الإصابات بسبب آثار الخريف بلغ 505 إصابات، والوفيات 173 حالة، والمنازل المنهارة كلياً 18665، وجزئياً 14947 منزلاً"، وبحسب التقرير الوبائي لوزارة الصحة السودانية فإن الكوليرا سجلت 191 إصابة، منها 123 في مدينة كسلا و37 في القضارف و31 بولاية نهر النيل، ووصل تراكم الإصابات إلى 1696، والوفيات من المرضى 71 شخصاً.