Image

أمطار سوداء في دارفور تثير الهلع وتنذر بتلوث بيئي

بعد الأمطار والسيول الكارثية التي يشهدها السودان الذي تتناوشه المحن من كل الاتجاهات منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أكثر من عام ونصف، تشهد ولايات إقليم دارفور ظاهرة غريبة أثارت الرعب والقلق وسط مواطني ولايتي شمال وجنوب دارفور بخاصة سكان مدينتي الفاشر ونيالا وبعض البلدات القريبة منها، بهطول أمطار سوداء اللون قبل يومين فجرت موجة من الهلع والمخاوف وسط الأهالي، فما هو السر وراء هذه الظاهرة وما مخاطرها وأسبابها؟

دخان وسموم

كانت ولايات وسط وجنوب وغرب وشمال دارفور، قد شهدت أمطاراً وسيولاً تسببت في فيضان عديد من الخيران والأودية الموسمية، بخاصة في مدن الفاشر (شمال دارفور) والجنينة (غرب دارفور) وزالنجي (وسط دارفور).

ويتفق متخصصون على خطورة ظاهرة الأمطار السوداء وارتباطها بحدوث تلوث بيئي بسبب الانبعاثات الكثيفة للأدخنة، حيث أشار الراصد الجوي المنذر أحمد الحاج، إلى أن ظاهرة اسوداد المطر دائماً ما يكون في مناطق الحرائق الكبيرة حيث يكون تساقط المطر مخلوطاً بذرات من الدخان.

في السياق نفسه يرجح المتخصص البيئي، بشري حامد، أن يكون ظهور الأمطار السوداء ضمن الآثار البيئية الخطيرة للحرب الدائرة في السودان التي بدأت في الظهور بالفعل في عدد من مناطق البلاد، لكنه يرى أيضاً أنها تقود إلى مشكلات أخرى أكبر وأكثر خطورة، في ظل عدم التمكن من القيام بالإجراءات المهمة المطلوبة المتمثلة في التحليل الكيماوي والفيزيائي أو الميكروبيولوجي المعملي للعينات، لمعرفة حقيقة ما تنطوي عليه تلك الأمطار بشكل علمي.

يوضح حامد أن الاحتمالات التحليلية الأولية الأقرب لهذه الإمطار، تشير إلى أنها ناتجة عن تلوث مصادر المياه والتربة والهواء في تلك المناطق، وهو تلوث ناتج عن المواد الكيماوية المستخدمة في الحرب والرصاص والمقذوفات النارية، والتي قد لا تكون مرئية للكثيرين.

لم يستبعد المتخصص البيئي، أن تكون أطرافاً دولية استغلت حرب السودان كمسرح لتجريب أسلحة جديدة توزع مجاناً بهدف اختبار آثارها البيئية.

تلوث مجهول

يرى حامد، أن "أخطر ما في ظاهرة الأمطار السوداء تأثيراتها المستقبلية على حياة الناس، واحتمالات ظهور طفرات جينية لدى الإنسان أو الحيوان أو حتى النبات، الأمر الذي يهدد بتشوهات المواليد أو الإصابة بالعقم لدى البشر والحيوانات، وتدهور الجودة بالنسبة للنباتات والمنتجات وكلها آثار مدمرة".

يوضح المتخصص البيئي، أن خطر التلوث يتعاظم على نحو خاص في إقليم دارفور المعروف بكثافة الثروة الحيوانية واعتماده على الزراعة والمراعي الطبيعية، كما يعتمد سكان الإقليم في غذائهم على اللحوم والمنتجات الزراعية، علاوة على أن تأثيرات التلوث ستنعكس أيضاً على اقتصادات تلك المناطق.

وقال مواطنون من شمال دارفور إن هطول الأمطار السوداء كان أمراً غريباً ومخيفاً وغير مألوف بالنسبة لطبيعة الأمطار التي يعرفونها، ما شغل المجتمعات لأيام عدة في تلك المناطق، وأوضح محمدين عيسى، من سكان مدينة الفاشر، أن الظاهرة أثارت جدلاً اجتماعياً وتوزع الناس ما بين من فسرها كنذير شؤم وتطير به بأن أياماً سوداء قادمة على المنطقة، وبين من ألبسوها صبغة دينية واعتبروها نوعاً من الغضب الإلهي.

يوضح عيسى "كان الناس يخشون التعرض المباشر لقطرات المطر الداكنة، بخاصة أن لا أحد يعلم ماذا تحمل بداخلها، ما دفع الناس لحبس أنفسهم داخل بيوتهم حتى توقفت الأمطار قبل أن يخرجوا مشاهدة آثارها على الأرض الرملية سريعة الامتصاص للمياه وهم لا يعرفون حتى اليوم كيف حدثت وماهي آثارها على البشر والأرض".

الحرائق والمناخ

على الصعيد نفسه يعتقد الباحث في الشؤون البيئية، جلال محمد ياسين، أن هطول مثل هذه الأمطار السوداء غالباً ما يحدث في المناطق التي تتأثر بحرائق ضخمه وكثيفة مثل حرائق الغابات الاستوائية الناتجة عن التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، وكذلك حرائق مناطق آبار النفط والحرائق التي تخلفها الحروب.

 

يرجع ياسين الظاهرة إلى الصراعات المتتالية الذي ظل يشهدها السودان عامة وإقليم دارفور خاصة منذ عام 2003، التي بدأت كنوع من النزاع على موارد ثم تحولت إلى صراعات قبلية مسلحة ومواجهات مع الحركات المسلحة هناك، أثرت في مجملها بشكل ملحوظ على الغطاء النباتي في المنطقة بالتالي أسهمت في تشكيل واقع بيئي هش.

يتابع، "مع اتساع دائرة الحرب الحالية واستخدام طرفي الحرب أنواعاً مختلفة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، نتج عنها حرائق على نطاق واسع في المساكن والمصانع والمزارع والغابات، ما أدى بدوره إلى انضمام مئات الأطنان من الجسيمات الدقيقة المتصاعدة إلى الغلاف الجوي".

سواد وحموضة

يشير الباحث، إلى أن تفاعل الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكبريت والنيتروجين مع بخار الماء، كلها أسباب قد تؤدي إلى تكوين غيوم وسحب دخانيه سوداء قد تؤدي إلى هطول الأمطار السوداء عالية الحموضة في الوقت نفسه.

وفي حوادث قريبة مماثلة كانت مدينة أسيوط جنوب مصر قد تعرضت في 2017 لظاهرة شبيهة بهطول أمطار سوداء أثارت أيضاً الخوف والفزع وسط سكان المدينة، ودفع الخوف وقتها الأهالي إلى إغلاق محالهم التجارية والاعتكاف داخل منازلهم، وتوقف كذلك حركة المرور في بعض شوارع المدينة.

واعتقد سكان أسيوط حينها أن الأمطار ربما تكون بسبب سحابة سوداء كانت ناجمة عن حرق بقايا محصول الأرز، التي ربما تكون قد اختلطت مع قطرات الأمطار الخفيفة المتساقطة وحولت لونها إلى الأسود.

أربعات والشمالية

من جانب آخر وعطفاً على التداعيات الكارثية لانهيار سد (خور أربعات) الذي كانت تعتمد عليه مدينة بورتسودان في مياه الشرب أقر الفريق ركن مصطفى محمد نور، والي ولاية البحر الأحمر، بأن ما حدث كان كارثة وأن الوضع بكل من مناطق طوكر وأربعات كارثي، لكنه شدد على أن حكومة الولاية ستستخدم كل الحلول الممكنة عبر الآبار والسدود مثل سد (سلالاب) من أجل توفير المياه لمواطني بورتسودان، مشيراً إلى معالجات إسعافيه تجرى الآن بنقل كميات كبيرة من المياه عبر (تناكر) للأحياء والقرى بالمدينة.

 

ضربت الأمطار والسيول طوال اليومين الماضيين (127) منزلا بشكل كلي وجزئي في ولاية البحر الأحمر، بعد أن جرفت عدة طرق وأجزاء واسعة من محلية الدبة.

وغمرت السيول المندفعة مساحات زراعية واسعة، كما أدت إلى نفوق عشرات الرؤوس من الماشية، بجانب الخسائر في المؤسسات والمرافق.

ارتفاع الوفيات والخسائر

من جهة أخرى ارتفع العدد التراكمي لحالات الإصابة بالكوليرا إلى (1223) حالة، بتسجيل (102) حالة جديدة، و(48) وفاة بزيادة خمس حالات وفاة في ولايات (كسلا، القضارف، الجزيرة، الخرطوم ونهر النيل)، وفق أحدث تقرير للوضع الوبائي بالبلاد.

فيما أشار تقرير الاستجابة إلى فتح مراكز عزل بالولايات الخمس المتأثرة بالوباء مع تأكيد الحاجة إلى مزيد من المراكز.

ووجه وزير الصحة الاتحادي، هيثم محمد إبراهيم، بتنشيط عمل جميع لجان عمليات الطوارئ بجميع الولايات، وتحديد الإمداد المتوفر والاحتياجات الفعلية المطلوبة لإكمال النقص.

وكشف أحدث تقارير غرفة طوارئ الخريف الاتحادية حول أضرار الخريف الحالي عن ارتفاع حالات الوفاة إلى (138) حالة، بينما وصل عدد الأسر المتضررة إلى (36.142) أسرة و(156.995) شخصاً.

وفق التقرير، فقد تأثرت بكارثة الأمطار والسيول حتى الآن عدد (50) محلية من مجمل محليات البلاد البالغة (89) محلية شملت (440) منطقة في عموم ولايات البلاد، فيما بلغ عدد المنازل المتضررة بشكل كلي وجزئي (30.288) منزلاً، انهارت منها (16.188) منزل كلياً، وتضرر جزئياً (14.099) منزلاً.