التغير المناخي ليس كله شرا... فما فوائده؟
على رغم ما أنتجته التغيرات المناخية من تهديدات بيئية واقتصادية واجتماعية فإن هناك تأثيرات إيجابية ظهرت في مناطق معينة من العالم، إذ استفادت بعض المناطق والمجتمعات من هذه التغيرات بطرق مختلفة، بعدما أصبحت الظروف البيئية بها ملائمة لزراعة محاصيل جديدة، إلى جانب انتشار أنواع من الحيوانات والنباتات في أماكن لم تكن تصلح لها سابقاً.
حيوانات توسع نطاق وجودها
وفقاً للباحث في مركز الأبحاث السويسري للطيور علاء إسماعيل فإن بعض الحيوانات التي كانت تستوطن جنوب أوروبا "شهدت تحولاً كبيراً في نطاق انتشارها نتيجة للتغيرات المناخية، إذ ساعدت هذه التغيرات على انتقالها إلى مناطق وسط أوروبا، بعدما أصبحت الظروف البيئية هناك مشابهة لتلك التي كانت تعيش فيها سابقاً".
ويستند إسماعيل في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إلى الأبحاث والدراسات الحديثة التي تناولت تأثيرات تغير المناخ في الحيوانات والطيور، وهذه التأثيرات وفقاً لرؤيته ليست بالضرورة سلبية على جميع الأنواع. موضحاً "بعض الأنواع استفادت من التغيرات المناخية لتوسيع مناطقها، في حين واجهت أخرى صعوبات ولم تتمكن من التأقلم".
وتابع إسماعيل "بعض أنواع الطيور في أوروبا شهدت زيادة في أعدادها بسبب تغير المناخ بينما تأثرت أنواع أخرى سلباً، مما أدى إلى اختفائها في بعض المناطق". مضيفاً "الأنواع التي تمكنت من الهجرة نحو وسط أوروبا وجدت الظروف المناخية هناك ملائمة، وهذه الظاهرة ليست مقصورة على الحيوانات فحسب بل تشمل أيضاً الطيور التي استفادت من التغيرات المناخية".
وبحسب تقرير سابق نشرته BTO منظمة بريطانية غير ربحية متخصصة في دراسة الطيور وحمايتها، فإن تغير المناخ "يسهم في زيادة أعداد الطيور المائية وتوسعها في بريطانيا".
ووفقاً للتقرير المعتمد على دراسات بحثية فإنه بصورة عامة يبدو أن 25 في المئة من الأنواع المتكاثرة تتأثر سلباً في حين قد يستجيب الربع الآخر بصورة إيجابية، أما الأنواع المتكاثرة المتبقية التي جرت دراستها فتبدو غير متأثرة نسبياً بتغير المناخ.
من جهته، أكد كبير متخصصي المياه بالأمم المتحدة أحمد دياب أن التغيرات المناخية "لم يقتصر تأثيرها في الحيوانات والطيور فحسب، بل شملت أيضاً النباتات والمحاصيل الزراعية"، موضحاً "بدأت بعض المحاصيل التي كانت تحتاج إلى بيئات دافئة تزرع الآن في مناطق مختلفة من أوروبا، وذلك بفضل التحولات في الأنماط المطرية، وارتفاع درجات الحرارة".
وأشار دياب إلى أن بعض التغيرات قد تكون لها "فوائد اقتصادية" لبعض الدول مثل زيادة إنتاجية المحاصيل، ملقياً الضوء على أن بعض الدول الفقيرة "قد تستفيد اقتصادياً من التغيرات" التي تسمح بزيادة هطول الأمطار، مما يمنحها مزايا اقتصادية متعددة.
مناطق مستفيدة من تغير المناخ
في السياق ذاته، ذكر موقع "ريل كلير بوليتيكس" الأميركي أنه على رغم التأثيرات السلبية لتغير المناخ وما يشكله من تهديد عالمي، فإن بعض المناطق قد تستفيد منه. فعلى سبيل المثال في شمال مينيسوتا وشبه جزيرة ميشيغان العليا من المتوقع أن تصبح درجات الحرارة أكثر اعتدالاً، مما يجعل هذه المناطق أقل عرضة للموجات الحرارية.
وأشار الموقع في تقريره إلى أن المجتمعات الواقعة على طول البحيرات العظمى في أميركا الشمالية قد تكون محمية نسبياً من تأثيرات تغير المناخ، ويعود ذلك إلى المسطحات المائية الشاسعة التي تحافظ على اعتدال درجات الحرارة في تلك المناطق.
أما في أوروبا الشمالية مثل السويد والنرويج وفنلندا فمن المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة بما يتجاوز المتوسط العالمي خلال العقود المقبلة، مما يؤدي إلى تمديد مواسم النمو الزراعي وازدهار أنواع جديدة من النباتات والحيوانات البرية.
ونقل الموقع عن نائب مدير مركز الأمن الغذائي والبيئة في جامعة ستانفورد مارشال بيرك أن كندا قد تكون الدولة الأكثر استفادة من تغير المناخ، إذ يتوقع أن يرتفع متوسط دخلها الوطني بنسبة تصل إلى 247 في المئة، بفضل عوامل متعددة مثل زيادة السياحة وتمديد موسم الزراعة وخفض كلف البنية التحتية، وزيادة الشحن البحري مع ذوبان الجليد في القطب الشمالي.
تأثير موقت
على رغم ذلك يرى استشاري التغير المناخي والتنمية المستدامة والمنسق الأسبق لاتفاق الأمم المتحدة لتغير المناخ سيد صبري أن تأثيرات التغير المناخي الإيجابية "قد تكون موقتة" لبعض المناطق حول العالم، فقد بدأت بعض المناطق التي لم تكن تصلح لزراعة بعض المحاصيل في تحسين إنتاجيتها بفضل التغيرات المناخية، لكن هذه الفوائد "ليست مضمونة الاستمرارية".
وأضاف صبري في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "على سبيل المثال في شمال روسيا بدأت بعض الزراعات تتحسن بفضل الارتفاع التدريجي في درجات الحرارة وكذلك في شمال ألمانيا، وقد تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تحسين ظروف الزراعة وتخفيف الحاجة إلى الطاقة للتدفئة".
ماذا عن المنطقة العربية؟
أما عن المنطقة العربية فقد أوضح رئيس مركز معلومات المناخ بوزارة الزراعة المصرية محمد فهيم أن التغير المناخي أسهم في زراعة بعض المحاصيل الاستوائية في مناطق جنوب مصر التي كانت تحتاج إلى درجات حرارة أعلى، وبفضل التغيرات المناخية أصبحت الأجواء مناسبة إلى حد ما لزراعة هذه الفاكهة الاستوائية وبدأت مصر في إنتاجها تجارياً، لافتاً إلى أن كمية فائقة من الأمطار التي هطلت في عدد من الدول العربية "أدت إلى زراعة محاصيل اعتماداً على الأمطار".
ومع ذلك أوضح فهيم أن التغير المناخي "لم يصل" بعد إلى درجة تغيير النظم البيئية بصورة كاملة، لكنه توقع زيادة وتيرة التغيرات المناخية السلبية والإيجابية في المستقبل القريب، مما يستدعي دراسات جادة طويلة المدى. داعياً إلى ضرورة اهتمام المنظمات العربية المعنية بوضع السيناريوهات المحتملة لتغير المناخ والإجراءات التي يجب اتباعها سواء في ما يتعلق بالتكيف مع هذه التغيرات أو تعظيم الفوائد، التي يمكن أن تتحقق.
وأشار المتخصص في معلومات المناخ إلى وجود "تأثيرات إيجابية غير مباشرة"، منها زيادة حجم الصادرات المصرية من الموالح بنسب جيدة بسبب المحاصيل، التي واجهت مشكلات نتيجة تغير المناخ في الدول المنافسة، ومنها أن حجم الصادرات المصرية من البرتقال ارتفع بصورة ملحوظة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.