Image

المؤتمر الشعبي جاء بإجماع وطني صاغه كل اليمنيين ليحمل رسالة الخير والسلام

إن الحديث عن المؤتمر الشعبي العام في الذكرى الـ 42 لتأسيسه هو حديث عن معانٍ كثيرة تتجلى مظاهرها وتبرز إيجابياتها ومعالم نجاحاتها على أرض الواقع فكراً وسلوكاً وممارسةً، وتتعدد تلك المعاني وتتشعب على امتداد الجغرافيا اليمنية خلال أربعة عقود من ترسيخ المفاهيم، وتجذير الفكر المؤتمري القائم على مبادئ أهمها إشاعة وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح وترسيخ السلوك الديمقراطي وتحقيق الوحدة الوطنية والدفاع عنها، ناهيك عن ريادته في صنع التحولات التاريخية والمشاريع العظيمة التي شهدها اليمن على مدى أربعة عقود من تاريخه.
ويبدو من المهم ونحن نحتفل بمرور 42 عاماً على تأسيس المؤتمر التذكير بالفكر الديمقراطي الذي تجسد في جوهر النشأة المؤتمرية من خلال الفكرة التي كان لمؤسسي هذا التنظيم الرائد شرف إطلاقها والإشراف على صنعها عبر انتهاج أسلوب ديمقراطي غير مسبوق وطنياً - إن لم يكن على المستوى الإقليمي.

رؤية جماعية
فمع مطلع ثمانينيات القرن الماضي أدرك المئات من قيادات اليمن- فيما كان يعرف بشمال الوطن سابقاً- أن البلاد بحاجة إلى خلق تنظيم سياسي رائد يكون بمثابة الإطار للحكم، وبالفعل اتجهوا لتشكيل هذا التنظيم، وكان الأهم منه هو تبنيهم لمفاهيم وأفكار سياسية جديدة لم يكن اليمنيون قد عرفوها في مسار عملهم السياسي، وبالفعل تمكنوا خلال وقت وجيز من تكوين الحزب الذي أطلق عليه المؤتمر الشعبي العام.
من هنا نستطيع التأكيد بأن تأسيس المؤتمر جاء نتاج جهود وإجماع وطني عام وليس تلبية لرغبة أو فكرة شخص بعينه كما يروّج البعض، بل إنه إنجاز محسوب لكل اليمنيين باعتباره مثّل أسلوباً للعمل السياسي اليمني بفكر ورؤية يمنية خالصة شارك في صنعه اليمنيون جميعاً.

انتهاج ثقافة الحوار
وعلى مدى الأعوام الثمانية التي سبقت إعادة تحقيق الوحدة اليمنية جسد المؤتمر الشعبي العام مبادئ وثقافة الحوار والتسامح والشراكة مع الآخرين من خلال استيعاب جميع القوى السياسية- التي كان الدستور يحرم وجودها- في صياغة فكر المؤتمر "الميثاق الوطني" وفي الشراكة في الحكم والتعبير عن آرائها ومواقفها سواء من داخل المؤتمر الشعبي العام أو عبر السماح بوجود المنابر الإعلامية المعبرة عن مواقف تلك القوى وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين والقوى ذات التوجه القومي واليساري.

السعي لتحقيق الوحدة
وبالإضافة إلى منهج وثقافة الحوار وضع المؤتمر الشعبي العام قضية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية كقضية محورية وهو ما تبدى في حرص المؤتمر الشعبي العام الذي شكل منذ قيامه في 24 أغسطس عام 1982م إطارًا تنظيمياً للوحدة الوطنية على أن يكون له شرف الاضطلاع بدور أساسي وفعّال في الدفع قدماً نحو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية ووضعها في صدارة اهتماماته الوطنية، باذلاً في سبيلها جهوداً كثيرة.
وجاء نص الحقيقة الأولى في الميثاق الوطني ليؤكد ذلك التوجه "شعبنا لم يصنع حضارته القديمة إلا في ظل الاستقرار والأمن والسلام ولم يتحقق له ذلك إلا في ظل وحدة الأرض والشعب والحكم، ولم تتحقق له الوحدة إلا في ظل حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية".
وانطلاقاً من تلك المبادئ عمل المؤتمر الشعبي العام على المضي في سبيل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بالشراكة مع الحزب الاشتراكي اليمني- الذي كان يحكم ما كان يعرف بجنوب الوطن- وتحقق له ما أراد في 22 مايو عام 1990م، ولم يقف دور المؤتمر الشعبي العام على الشراكة في إعادة توحيد الوطن، بل كان أيضاً هو المبادر إلى ربط قيام الوحدة بالتزام الديمقراطية والتعددية السياسية نظاماً ونهجاً.


انتهاج الديمقراطية
ولم يتوان المؤتمر مطلقاً عن العمل مع غيره من القوى الوطنية الخيّرة من أجل تعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية وتكريس الممارسة الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة انطلاقاً من قيم ومبادئ الميثاق الوطني الذي ينص على أنه "لا حرية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة القانون".

التعددية السياسية
وتجلى حرص المؤتمر الشعبي العام على تكريس النهج الديمقراطي عقب إعادة تحقيق وحدة الوطن في الحرية التي أتاحها للقوى السياسية التي كانت تعمل في إطاره في البقاء ضمن أطره التنظيمية أو الإعلان عن وجودها السياسي كقوى وأحزاب، وهو ما أسهم في الإعلان عن تأسيس عدد من الأحزاب السياسية كالإخوان المسلمين "التجمع اليمني للإصلاح" والأحزاب القومية "الناصرية" واليسارية كالبعث.

حرية الرأي والتعبير
وعلى الرغم من اتخاذ بعض تلك القوى مواقف مضادة لقضية الوحدة عبر معارضتها لدستور دولة الوحدة خلال عملية الاستفتاء الشعبي عليه عام 1991م، إلا أن المؤتمر حرص على إفساح المجال لتلك القوى للتعبير عن مواقفها العدائية لوحدة الوطن وبناء واستمرارية عملها في الساحة الوطنية دون أن يستغل مواقفها تلك في قمعها أو حظر عملها.

تجذير النهج الديمقراطي
وظل حرص المؤتمر الشعبي العام وما يزال على تكريس وتجذير النهج الديمقراطي كثقافة وممارسة من خلال ريادته وتوليه شرف الإشراف والإسهام في العمليات الانتخابية التي تجاوز عددها سبع عمليات ثلاث منها برلمانية، واثنتان رئاسية ومثلها محلية.
وكان إصرار المؤتمر الشعبي العام على إجراء انتخابات 97م البرلمانية في موعدها رغم الظروف السياسية والاقتصادية الاستثنائية التي كانت تمر بها اليمن آنذاك أكبر الأدلة على ذلك الحرص الرئاسي المؤتمري على الالتزام بالنهج الديمقراطي والتعددية السياسية كنظام حكم لدولة الوحدة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعددت محطات وإنجازات النهج المؤتمري في هذا المجال من خلال المبادرة الرئاسية في التعديل الدستوري عام 94م والذي تضمن منح الشعب حق انتخاب رئيسه مباشرة وتحديد ولايته بفترتين.

تعزيز المشاركة الشعبية
وتوالى ذلك الإنجاز المؤتمري من خلال تعزيز المشاركة الشعبية في الحكم وصناعة القرار عبر إقرار قانون السلطة المحلية وإجراء أول انتخابات محلية عام 2001م، ثم إجراء الانتخابات الثانية التي تزامنت مع الانتخابات الرئاسية عام 2006م، وصولاً إلى البدء بإحداث التحول التاريخي الأبرز والثورة الإدارية عبر إقرار البنية التشريعية وتنفيذ انتخابات المحافظين.

الدفاع عن الوحدة
ومثلما كانت قضية إعادة تحقيق الوطنية القضية المحورية التي انطلق فكر المؤتمر الشعبي العام منها، كان الحفاظ عليها أيضاً قضية أكثر محورية في نهج وممارسة المؤتمر منذ إعادة تحقيق الوحدة عام 90م، وتجلى ذلك النهج في تبني المؤتمر لحملة الدفاع عن الوحدة وإسقاط مؤامرة الانفصال التي استهدفت إعادة الوطن إلى ما قبل 22 مايو 90م من خلال خوض الحرب التي انتهت بإسقاط تلك المؤامرة وتثبيت دعائم الوحدة الوطنية.
تكريس ثقافة التسامح
وإلى ذلك، سعى المؤتمر الشعبي العام لتكريس ثقافة التسامح من خلال قرارات العفو العام التي أصدرها خلال الحرب، ثم قرارات العفو خلال السنوات اللاحقة والتي شملت العفو عن جميع المحكومين قضائياً بتهمة إشعال دعوى الانفصال ودعوتهم للعودة إلى أرض الوطن، وحتى اليوم ما يزال المؤتمر الشعبي العام يتحمل العبء الأكبر في الدفاع عن وحدة الوطن ضد كل المؤامرات التي ما تزال بعض الشخصيات والقوى المتضررة من الوحدة تحاول نسجها بدعم ومساندة خارجية.
إنجازات ماثلة
وفي الجانب الآخر، وتحديداً في المجالات التنفيذية والتنموية عمد المؤتمر الشعبي العام إلى مبادلة الثقة الشعبية له خلال المحطات الانتخابية المتتالية، خصوصاً منذ انتخابات 97م البرلمانية وانفراده بتشكيل الحكومة بالوفاء وكان له شرف تحقيق الإنجازات على مختلف الصعد.

محاربة الإرهاب
وإذا كان المقام لا يتسع هنا لرصد تلك الإنجازات التي تتحدث عن نفسها، إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض تلك النجاحات التي بدأت بتجاوز أزمة جزيرة حنيش مروراً بالمواجهة الضارية ضد الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار وإخماد محاولات الفتنة والتمرد، ناهيك عن النجاحات في المجالات المختلفة التي تم تنفيذها عبر برنامج الإصلاحات الوطنية منذ العام 97م والتي أسهمت في تجنيب الاقتصاد الوطني الكوارث.

تحولات تنموية كبيرة
إن حقائق تلك الإنجازات التي تحققت للوطن منذ تشكيل المؤتمر لحكومة منفردة تتجسد على أرض الواقع ولا يستطيع أحد إنكارها إلا من ينكر سطوع الشمس في وضح النهار، فقد شهد البلد تحولات تنموية واقتصادية وتعليمية وثقافية عبر مشاريع تمتد من أقاصي اليمن شرقًا إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها، وعبر تنفيذ مضامين برامجه الانتخابية النيابية والمحلية والرئاسية استطاع المؤتمر الشعبي العام قيادة اليمن إلى بر الأمان في مختلف المحطات العصيبة وما يزال حتى اليوم يمثل التيار الأهم الذي يراهن عليه غالبية اليمنيين في إنقاذ اليمن وإخراجها إلى بر الأمان.
ختاماً، نقول إن 42 عاماً من الإنجازات التي شهدها اليمن يجعل من الاحتفاء بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام احتفاءً بحقائق الريادة السياسية التي كانت وما تزال تحمل رسالة الخير والنماء والسلام والأمن والاستقرار والمثابرة على تحقيق حلم اليمنيين الأبرز في إقامة الدولة اليمنية الاتحادية الجامعة، والنهوض بها أرضاً وإنساناً.