Image

انهيار أسعار الحديد يُزعزع القيمة السوقية لشركات التعدين

هوت أسعار خام الحديد إلى أدنى مستوياتها في عامين، مع تراجع الطلب على الصلب بفعل تعثر قطاع العقارات الصيني، وهو ما يهدد بتقليص أرباح كبرى شركات التعدين العالمية.وانخفضت أسعار المكون الرئيسي لصناعة الصلب بأكثر من الثلث منذ بداية العام الجاري، مما أطاح بقرابة 100 مليار دولار أمريكي من القيمة السوقية لـ«الأربعة الكبار» في عالم تعدين خام الحديد، وهي شركات «بي إتش بي» و«ريو تينتو» و«فيل» و«فورتسكيو».

وتعكس بيانات «أرغوس» تراجع سعر خام الحديد للتسليم إلى تشينغداو إلى أدنى مستوياته منذ نوفمبر 2022 عند 92.2 دولاراً للطن، ودون مستوى 100 دولار الذي يبدأ عنده الإنتاج عالي التكلفة في أن يكون غير مربح.وقال فيفيك دار، مدير قسم بحوث التعدين والطاقة لدى «كومنولث بنك»: «الأسواق محقة في القلق من احتمالية استمرار تسجيل أسعار خام الحديد مستويات دون 100 دولار للطن على المدى القريب».

وحذّر هو وانغمينغ، رئيس «باوو ستيل»، أكبر منتجة للصلب عالمياً، من أن القطاع يمر بأزمة، وأنه يواجه «شتاء» يتسم بكونه «الأطول والأبرد والأكثر صعوبة» من أي تراجع سابق للسوق بين عامي 2008 و2015.ويُعدّ خام الحديد مصدراً رئيساً لربح كبرى شركات التعدين عالمياً مثل «بي إتش بي» و«ريو تينتو»، ويمنحها قدرة على تحقيق عوائد مرتفعة للمستثمرين وهو بمثابة أساس متين للنمو في سلع أخرى مثل النحاس والأسمدة.

وتفاقم انخفاض أسعار خام الحديد بالنسبة لشركات التعدين جراء تراجع أسعار النحاس بنحو الخُمس إلى قرابة 9,100 دولار للطن مقارنة بمستواها القياسي المرتفع الذي سجلته في مايو الماضي، ما جاء نتيجة ضعف الطلب الصيني الذي ثبّط حماس المستثمرين تجاه المعدن الأحمر.

ومع ذلك، ما زالت أعمال كبار شركات التعدين في أستراليا والبرازيل مُربحة للغاية حتى مع بلوغ أسعار خام الحديد 100 دولار للطن، ويعود ذلك إلى انخفاض التكلفة. ونجاح هذه البلدان في تصدير أحجام قياسية في الأشهر الأخيرة.

وحتى وقت قريب، بدا العديد من المسؤولين التنفيذيين غير منزعجين من انخفاض الطلب في الصين. وأشار جاكوب ستاوشولم، الرئيس التنفيذي لدى «ريو تينتو»، في تصريحات لـ«فاينانشال تايمز» خلال الشهر الماضي، إلى انخفاض طلب قطاع العقارات الصيني على الصلب بمقدار 100 مليون طن، لكنه حصل على دعم قدره 40 مليون طن من أنشطة تحوّل الطاقة بين عامي 2020 و2023.

وتُعدّ هذه نسبة ضئيلة من الإنتاج العالمي لخام الحديد في 2023 البالغ 1.9 مليار طن.ولفت محللون إلى أن كبرى مجموعات التعدين ربما ستركز على الانضباط للحيلولة دون انهيار أسعار خام الحديد كثيراً. وبدأت الشحنات من أستراليا والبرازيل في التباطؤ، وتعكس بيانات شهر يوليو انخفاضاً حاداً.

وذهب بوب براكيت، محلل قطاع التعدين لدى «بيرنشتين»، إلى أن «خام الحديد قطاع منظم بصورة جيدة»، وتابع: «تهيمن كبرى شركات التعدين العالمية على كافة مفاصل سلاسل التوريد. ويمكن لهذه الشركات أن تبطئ إنتاجها قليلاً إذا ما كانت الأسواق بغير حاجة للأطنان التي تنتجها».

ومع ذلك، تثير التداعيات غير المباشرة على استهلاك الصلب وخام الحديد، جراء استمرار الاضطرابات التي تلم بسوق العقارات الصينية، قلق المستثمرين، بعدما انخفضت عمليات بناء المنازل الجديدة بمقدار الربع في النصف الأول من العام بعد عامين من نشب انكماش بأرقام مزدوجة. وتشهد مصانع الصلب في الصين حالياً هوامش أرباح سالبة بسبب الفائض الموجود من المعدن المستخدم بعمليات البناء، إضافة إلى ازدياد الضغوط عليها لخفض الإنتاج لرفع الأسعار والبقاء في السوق.

وأنتجت «بي إتش بي» و«فيل» أحجاماً قياسية من خام الحديد في النصف الأول من 2024، فيما يتراكم الخام بالموانئ الصينية مع ازدياد المخزونات بنسبة 28% إلى 150.4 مليون طن على أساس سنوي، بحسب بيانات «ستيل هوم». وعلى صعيد كبار منتجي خام الحديد، كانت أسهم «فورتسكيو» الأكثر تضرراً مقارنة بنظرائها، ما يُعزى إلى تحقيقها أكثر من 90% من إيراداتها من الخام. وقال بول ماكتاغارت، المحلل لدى «سيتي»، إن انكشاف الشركة على خام الحديد ثبت كونه «مسبباً للمشكلات».

لكن على الرغم من التوقعات بأن تتسبب الضغوط الهبوطية على أسعار خام الحديد في التضييق على الأرباح وتوزيعات كبرى شركات التعدين للأرباح على المساهمين، يعتقد سيسيرو ماتشادو، كبير مديري الأصول لدى شركة وود ماكنزي للاستشارات، أن المنتجين في الصين وماليزيا وجنوب أفريقيا، إضافة إلى الشركات الأصغر، سيكونون الأكثر شعوراً بوخز الأزمة. وأوضح: هؤلاء هم أول من سيشعرون بوطأة الأمر ومن المُرجح خروجهم من السوق إذا واصلت الأسعار التراجع.

وبالنظر إلى الفترة بين شراء الأرض وعملية التشييد، ترى شينيينغ ياو، مديرة قسم الصلب لدى شركة «إس إم إم»، لبيانات المعادن التي تتخذ من شنغهاي مقراً لها، صعوبة في توقع تحسّن الطلب على الصلب من قطاع العقارات خلال الـ12 شهراً المقبلين. وأضافت: «ستضطر الكثير من مصانع الصلب إلى خفّض إنتاجها حتى وصول القطاع إلى توازن أكثر إحكاماً»، محذرة: «نعتقد أنه ما زال ثمّة مجال أمام انخفاض أسعار خام الحديد إلى 90 دولاراً للطن».