تحديات في واقع مزرٍ .. عام دراسي جديد في بيئة تعليمية دمرتها ذراع إيران .. جهود محلية ودولية لاستعادة مسار التعليم في اليمن
تواجه اليمن أزمة حادة في إعادة البيئة التعليمية إلى مسارها التي كانت عليه قبل فوضى 2011، وانقلاب 2014، يظهر ذلك جليًا مع بدء كل عام دراسي في البلاد التي تعاني استمرار الصراع الناتج عن حروب مليشيات الحوثي الإرهابية "وكلاء ايران" ضد اليمنيين.
ففي أحدث التقارير الدولية حول التعليم، توقعت أن يصل عدد الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات التي تلحق تعليمهم إلى 6 ملايين طالب وطالبة، وهو ما سيكون له تبعات هائلة عليهم على المدى البعيد، فيما كشفت التقارير عن تخلف 4.5 مليون طفل عن التعليم هذا العام.
مسار تصاعدي
ووفقًا للتقارير، فأن المساعي الرسمية بمساندة وتمويل منظمات وجهات دولية وأممية، بدأت إعادة تأهيل منشآت تعليمية دمرتها حروب الحوثيين، في مسار تصاعدي لإعادة البيئة التعليمية اليمنية إلى مسارها الصحيح، وتمكين الأطفال، خاصة في أوساط النازحين، من العودة واللحاق بركب التعليم على مستوياته المختلفة وصولًا الى التعليم الجامعي، وذلك بعد نحو عقد من الصراع أخذ التعليم خلاله مساراً منحدراً.
ويرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بأن المسار يحتاج لعشرات خطوات كي يستعيد النظام التعليمي في البلاد عافيته، ومساره الذي كان عليه قبل حروب التسع سنوات.
وبَيّن البرنامج الإنمائي في تقرير حديث له أن أكثر من 4.5 مليون طفل يمني لم يلتحقوا بالمدارس في عام 2023، مع تضرر أكثر من 2426 مدرسة، لتصبح غير قادرة على استقبال الطلاب لاستخدامها مأوى للنازحين أو لأغراض أخرى غير تعليمية، بينما طالت فترة انقطاع الطلاب عن التعليم، لتزيد من صعوبة تعويض خسارة التعلم.
وذكر التقرير أن المعلمين يواجهون مسألة اكتظاظ الطلاب في الفصول الدراسية مع محدودية فرص التطوير المهني بما يعوق قدرتهم على ممارسة مهنتهم، في حال استمرار التحديات التي يواجهونها، التي تزيد من احتمالية فقدان أعمالهم، وما سيترتب على ذلك من انعدام إمكانية تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالتعليم الجيد والشامل للجميع.
ونوه إلى أن التعليم يلعب دوراً محورياً في توفير الاستقرار والشعور بالحياة الطبيعية للأطفال والشباب في أوقات الأزمات والنزوح، وهو في الوقت ذاته شرط أساسي للتعافي والسلام، مشدداً على أنه يعزز من صمود المجتمعات، ما يستدعي جعله قادراً على الصمود في وجه التغيير والأزمات؛ من أجل صياغة مستقبل مستدام.
مشروع المرونة لإعادة التأهيل
وتسعى الجهات الرسمية بمساندة اوروبية ودولية والاممية، لاستعادة قطاع التعليم لعافيته من خلال تنفيذ مشروع "تعزيز المرونة المؤسسية والاقتصادية" الممول من الاتحاد الأوروبي، والذي أطلق مشروعات ترميم الفصول الدراسية ومرافق المياه والصرف الصحي والنظافة وبناء فصول ومرافق جديدة في عدد من المناطق.
وجرت إعادة تأهيل وتوفير الأثاث وأنظمة الطاقة الشمسية لأكثر من 70 مؤسسة تعليمية في جميع أنحاء البلاد "كان لحضرموت ومأرب النصيب الأكبر"، إلى جانب محافظتي تعز والحديدة، مع التركيز على المدارس والمنشآت التعليمية المخصصة للبنات؛ لتسهيل الوصول إلى التعليم، وتعزيز تجربة التعلم لمئات الآلاف من الطلاب والمعلمين.
مخيمات النازحين
وفي محافظة مأرب التي تضم أكبر عدد من النازحين جراء حروب الحوثيين، والتي يدرس معظم الأطفال فيها داخل الخيام، تم تدريب 24 معلماً على استخدام المحتوى التعليمي المتخصص، وطرق التدريس المبتكرة؛ لتلبية احتياجات 960 طالباً وطالبة من الطلاب النازحين في مدرستين، وتلقى هؤلاء المعلمون إرشادات من خبراء تعليم.
ويتزامن تأهيل المعلمين في مأرب مع تجهيز 12 فصلاً مؤقتاً بالطاولات والكراسي والسبورات، وتوزيع 960 حقيبة مدرسية مع الكتب للطلاب الدارسين في المدرستين، وحصل المعلمون المشاركون في المشروع، الذي تنفذه "اليونيسيف"، بتمويل من "صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ"، على التأهيل اللازم.
وفيما توقعت "اليونيسف" أن يستفيد نحو 10250 طفلاً و150 معلماً ومعلمة في اليمن من الاستجابة متعددة القطاعات لدعم التعليم في حالات الطوارئ بفضل مساهمة المساعدات الإنسانية المقدمة من الاتحاد الأوروبي، أكدت أن المشروع سيقدم دعماً واسع النطاق بما في ذلك إعادة تأهيل المدارس، وتوفير المواد التعليمية، وتقديم حوافز للمعلمين، ودعم أنشطة التدريب.
آمال في بيئة محفزة
ويأمل التربويون والطلاب في المناطق المستهدفة، ان تسهم التمويلات الدولية في تكوين بيئة محفّزة للطلاب المنقطعين عن التعليم، وأن تتضمن المشروعات الموجهة خططاً واستراتيجيات مبنية على تشخيص مستوى تحصيل الطلاب وتعويض ما فاتهم.
كما يأملون ان يكون لتلك الحوافز المالية أثرًا كبيرًا، إلا إذا كان في إطار التخفيف من معاناة عائلات الطلاب المعيشية، ودعماً لها لمنح أبنائها الفرصة الكافية للتحصيل بعيداً عن الضغوط.
ويشمل المشروع التدريب على المهارات الحياتية، وخدمات الإحالة للأطفال في الأوضاع الهشة، وتقديم المساعدة النقدية غير المشروطة للأسر التي لديها أطفال يواجهون تحديات اقتصادية وتحديات النزوح والإعاقة، وإعادة تأهيل، أو إنشاء أماكن للتعلم داخل المدارس وخارجها، بما في ذلك تجهيز المراحيض ومرافق غسل الأيدي التي تراعي الفوارق بين الجنسين والموجهة نحو الإعاقة.
وطبقاً لبيتر هوكينز، ممثل "اليونيسيف" في اليمن، فإن هذا المشروع سيساعد عشرات الآلاف من الأطفال على صياغة مستقبل أفضل، وتحقيق إمكاناتهم من خلال التعليم، الذي يمثل العمود الفقري لتنمية البلد.
معاناة مضاعفة
ويتكبد الأطفال الذين يعانون إعاقة طبيعية، او نتيجة حروب الحوثيين، الكثير من المعاناة في الوصول إلى مناطق التعليم، خاصة فيما يتعلق بالذين يعيشون في مخيمات النازحين.
وتنقل تقارير دولية عن معاناة الأطفال ذوي الاعاقة في قطع مسافات طويلة تصل أحيانًا إلى 8 كيلومتر، يوميًا ذهابًا وعودة من مخيمات النزوح لمخيمات التعليم كما هو الحال في محافظة مأرب، حيث يُعد التعليم المدرسي للكثير من الأطفال الذين يعانون الإعاقة، ونظرائهم الأصحاء في مخيمات النازحين، "أمرًا مهمًا لتحقيق آمالهم المستقبلية"، الكن مدارس الخيام في المخيمات في وسط صحراء قاحلة وقاسية لا تساعد في تحقيق طموحاتهم رغم اصرارهم على مواصلة تعليمهم بأي شكل.
التعليم على رمال الصحراء
وتفتقد العملية التعليمية في المناطق المحررة، خاصة فيما يتعلق بالنازحين، تفتقد لأهم أساسيات العملية التعليمية مثل الكتاب المدرسي وأقلام السبورات وكراسي للطلاب الصغار الذين يفترشون الرمل والتي تتسبب لهم بأمراض متعددة ،و خيمة يستظل بها معلمو المدرسة المكونة من خيام والتي قدمتها منظمة اليونيسيف دون أي خدمات إضافية .
ويشير تربويين في تلك المناطق، إلى أن احتياجات المدارس كبيرة ومتعددة، ويفتقدون لأبسط احتياجات التعليم مثل كراسي جلوس الطلبة الذين يقعدون على رمل الصحراء الذي يسبب لهم امراض عدة ويجعلهم يتغيبون عن الدراسة لأسابيع، فضلًا عن معاناتهم نتيجة نقص المناهج ووسائل التعليم الأخرى مثل السبورة الحديثة وأقلام الكتابة عليها، واستمرار انقطاع مرتبات وحوافز المعلمين والتربويين المالية وعدم صرفها شهريًا.
وأوضحوا، بأن "اليونيسيف" قدمت لهم فصولًا دراسية بحدود 15 خيمة، وهي لا تكفي لاستيعاب أعداد الطلاب، ما أضطرها إلى تقسيم الطلاب إلى شعب ولازال الازدحام كبيرًا داخل الخيمة الواحدة، وهو ما دفع الكثير من الطلاب والطالبات الى التسرب بسبب عدم قدرتهم تحمل الزحام الذي يصل في بعض الخيام عدد الطلاب إلى 90 طالبًا وطالبة.
وأكدوا أنهم يعانون من نقص في الخيام، وأنهم بحاجة إلى خيام إضافية للطلاب وأخرى للمعلمات اللاتي يضطرين للبقاء في العراء بعد الانتهاء من حصصهن وانتظارهن للحصص الاخرى، كما لا يوجد خيمة خاصة بالإدارة ، ولا يوجد خيمة خاصة بالمخازن، فيما حمامات المدرسة كلها مهترئة وخارجة عن الجاهزية وبحاجة الى صيانة متكاملة، حتى الامتحانات تتم في الهواء الطلق.
مشاريع في واقع مزرٍ
تقول المنظمة الدولية، انها ركزت في دعمها للأنشطة التعليمية خلال العام 2021 على دعم الأطفال لمواصلة التعلم وهدفت إلى تعزيز الصلة القائمة بين التنمية والمساعدة الإنسانية، مستهدفةً الفتيان والفتيات على حدٍ سواء.
وتشير بأنه، على الرغم من التحديات القائمة، فقد زوّدت اليونيسف أكثر من 209,000 طفل بمواد تعليمية فردية وتمكن أكثر من نصف مليون طفل (567,000) من الحصول على التعليم الرسمي وغير الرسمي، بما في ذلك التعليم المبكر ودعم الامتحانات الوزارية، وبلغ عدد المدارس التي تطبق بروتوكولات المدارس الآمنة (الوقاية من العدوى ومكافحتها) 299 مدرسة.
ووفقًا لتقرير لها، فقد أطلقت في الربع الأخير من عام 2021، برنامج التعليم في حالات الطوارئ على الصعيد الوطني وذلك في إطار الاستجابة الطارئة للأطفال النازحين، مستهدفةً 40,000 من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس (60 في المائة فتيات) وهذا يشمل خدمات التعليم وحماية الأطفال والتركيز بشكل خاص على الأطفال في إطار محافظة مأرب.
يبلغ إجمالي نداء اليونيسف للعام 2021 لأنشطة العمل الإنساني في مجال البرامج التعليمية 55,4 مليون دولار، حيث يبلغ إجمالي الاحتياجات العاجلة في هذا الخصوص 3 ملايين دولار.
أرقام وحدة النازحين
وفي آخر تقرير لها، ذكرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في اليمن أن عدد الطلاب النازحين في مخيمات النزوح الغير ملتحقين بالتعليم يقدر 112,030، منهم 58,282 طالبة غير ملتحقة بالتعليم، و 53,748 طالب غير ملتحق بالتعليم في مخيمات النازحين دون ذكر سبب عدم التحاقهم بالتعليم، أو ذكر ضعف وانعدام البنى التحتية واحتياجات خاصة بالتعليم في المخيمات المنتشرة في 13 محافظة يمنية.