Image

انشقاقات في صفوف "إخوان" تونس بعد إعلان المكي ترشحه للرئاسة

يعكس ترشح رئيس حزب "العمل والإنجاز" عبداللطيف المكي للانتخابات الرئاسية انشقاقات بدأت تدب بين الإسلاميين في تونس على رغم إجماعهم على معارضة الرئيس قيس سعيد.

وحزب "العمل والإنجاز" أحد أبرز مكونات "جبهة الخلاص الوطني" التي ينظر إليها على أنها واجهة لحركة "النهضة" الإسلامية التي أعلنت مقاطعتها الانتخابات الرئاسية واصفة إياها بـ"المسرحية".

وتأسس الحزب في الـ28 من يونيو (حزيران) 2022 وشكل تجمعاً للمنشقين عن حركة "النهضة" التي عصفت بها الاستقالات الداخلية منذ نحو سنتين في وقت يقبع الآن معظم قياداتها في السجن، وأبرزهم رئيسها راشد الغنوشي.

التيار الإسلامي يحتضر

ويعد المكي أحد أبرز القيادات الإسلامية وهو ينتمي إلى ما يعرف بـ"تيار الصقور" سابقاً داخل "النهضة"، أي التيار الأكثر تشدداً في الحركة، إذ اعتقل عام 1991 قبل أن يفرج عنه عام 2001.

وفي 2022 قدم المكي برفقة 112 قيادياً استقالاتهم من حركة "النهضة" في ضربة قاصمة آنذاك للحزب، خصوصاً أن الاستقالات شملت نواباً ووزراء سابقين وغيرهم، مما أحدث تكهنات بنهاية الحركة سياسياً، لا سيما بعد فقدانها الحكم.

وجاءت الاستقالات بسبب ما وصفته تلك القيادات بتعنت راشد الغنوشي في مواصلة قيادته الحركة وسعيه إلى تغيير نظامها الداخلي من أجل الاستمرار في موقعه.

وقال الباحث السياسي الجمعي القاسمي إن "هذا الإعلان يؤكد أننا دخلنا الزمن الانتخابي بامتياز، وهو إعلان يؤكد أن الخلافات داخل جبهة الخلاص الوطني تفاقمت بشكل كبير، إذ سارع حزب العمل والإنجاز إلى ترشيح رئيسه لخوض هذا السباق". وتابع القاسمي أن "الجميع يعرفون أن جبهة الخلاص كانت منذ البدء، تحاول الخروج بموقف موحد من أجل تزكية أحد قادتها لخوض هذا السباق، غير أن تباين وجهات النظر داخلها بين من يريد الدفع بأكثر عدد ممكن من المرشحين في الدور الأول لتشتيت الأصوات لكشف الحجم الحقيقي للرئيس قيس سعيد، وبين من يريد الذهاب للدور الثاني ويتم الالتفاف حوله".

وأكد القاسمي أن "وجهة النظر هذه سقطت وأصبحت منتهية بعد إعلان المكي ترشحه، أما في ما يتعلق بالجانب الإسلامي، فإن الانشقاقات عصفت بهذا التيار، بل إن الحركة الإسلامية بصورة عامة تحتضر ولم يعد بالإمكان الحديث عن تماسك داخلها سواء على مستوى حركة ’النهضة‘ أو ما فرخته من أحزاب سياسية". وشدد القاسمي على أن "المسألة مرشحة لمزيد من التفاقم، وسنرى في قادم الأيام أكثر من شخصية إسلامية أخرى تخوض الاستحقاق الانتخابي".

وعرف المكي في السنوات الماضية بانتقاداته طريقة تسيير الغنوشي حركة "النهضة"، وكان من أبرز المرشحين لخلافته في رئاسة الحركة.

رهان على خزان "النهضة"

وفيما لا يزال الغموض يكتنف موعد الانتخابات الرئاسية في تونس، فإن من المتوقع أن يراهن المكي على شعبية "النهضة" خلال خوضه الاستحقاق الرئاسي على رغم تراجعها بحسب ما كشفته استطلاعات الرأي.

وقال القاسمي "من حيث المبدأ، عبداللطيف المكي سيراهن على الخزان الانتخابي لحركة ’النهضة‘، بالتالي استمالته التصويت لصالحه، لكن هذا الأمر يبقى رهن التطورات السياسية". وأضاف "رهان المكي على شعبية ’النهضة‘ متوقع، خصوصاً أن الرجل يعرف جيداً هذا الخزان، وهو الذي كان أحد أبرز قيادات الحركة".

ومنذ انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011 حاولت حركة "النهضة" تفادي خوض الانتخابات الرئاسية على رغم أنها كانت تحظى بشعبية كبيرة آنذاك، لكنها في عام 2019 دفعت بعبدالفتاح مورو الذي لم ينجح في المرور إلى الدور الثاني.

زلزال داخل الحقل الإسلامي

في الأثناء تسارع قيادات من المعارضة إلى إعلان نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس على غرار لطفي المرايحي والصافي سعيد وعبير موسي، وجميعها شخصيات وازنة في صلب معسكر المعارضة.

والمكي سيكون من أبرز الشخصيات التي تدخل هذا الاستحقاق، إذ اكتسب شعبية واسعة خلال تقلده منصب وزير الصحة زمن تفشي جائحة "كوفيد-19"، وكان خلال تلك الفترة دائم الظهور.

واعتبر الباحث السياسي بوبكر الصغير أن "المكي يعد تاريخياً من صقور حركة ’النهضة‘ باعتبار تاريخه الطالبي، وما كانت له من مواقف في صلب الاتحاد العام التونسي للطلبة، وهي المنظمة الموالية لحركة النهضة، وكان لفترة ما يطمح لقيادة هذه الحركة".

وأضاف الصغير "في خلاف شخصي مع راشد الغنوشي، حاول المكي أن يتخذ وجهة أخرى ويقدم نفسه بصورة مغايرة عما عرف عنه تاريخياً، وحاول أن يؤسس توجهاً إسلامياً أكثر اعتدالاً وتسامحاً، واتهم بأنه في نهاية الأمر يتجه إلى تأسيس نوع من الإسلام اللائكي، لكنه لم ينجح في ذلك، إذ لم يجد الشعبية التي كان يطمح إليها". وشدد على أنه "كان ينتظر التحاق سمير ديلو، وهو أبرز قيادات حركة ’النهضة‘ به، وهذا أمر أثر في توجهاته ما جعله يبحث عن أرضية جديدة له في المشهد السياسي، والمكي في فترة ما كان من الصف الأول لجبهة الخلاص الوطني، لكنه اليوم يريد أن يدفع بموقف جديد هو بمثابة زلزال داخل الحقل الإسلامي، ويحاول أن يقطع نهائياً مع المسار الذي رسمته حركة النهضة في مواجهة مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد".

وحول ما إذا كان الرجل سينجح في استغلال الخزان الانتخابي لحركة "النهضة" قال الصغير "من المستبعد ذلك، خصوصاً ألا شعبية للحركة اليوم، وهذا نتبينه من خلال عجزها عن تحريك الشارع في مواجهة الرئيس سعيد، وربما إعلان المكي نفسه مجرد محاولة للتقرب ومهادنة السلطة في تونس"، واستنتج أن "هذا الإعلان قد يكون محاولة للتمايز عن حركة النهضة أكثر منه محاولة للنجاح في الوصول إلى دفة الرئاسة في تونس".