Image

نفاذ الأوكسجين من غزة يضع حياة المرضى على المحك

في جولة متابعة المرضى الصباحية، فصل الطبيب حسان جهاز التنفس الاصطناعي عن المريضة سوسن، وعلى الفور انتفض جسد السيدة نتيجة نقص الأوكسجين لديها، وبعد دقائق معدودة تعرضت للإغماء، إذ لا تستطيع استنشاق الهواء إلا بواسطة الأدوات الطبية.

لم يقصد الطبيب إيذاء المريضة، ولكنه فعل ذلك استناداً لنفاذ أسطوانة الأ,كسجين الوحيدة في مستشفى "شهداء الأقصى" وسط  قطاع غزة، والتي كانت تخدم جميع المرضى الذين يعانون من نقص هذا الغاز في دمهم، الأمر يجعل حياتهم على المحك.

يعجز الطبيب حسان عن توفير الأوكسجين، ويقول "قبل فصل المرضى عن أجهزة التنفس الاصطناعي، اجتهدنا كثيراً من أجل توفير أسطوانات الأوكسجين، لكن لم نجد في جميع أرجاء القطاع أي محطة تعمل على توليد هذا الغاز".من المفترض أنه في كل مستشفى وحدة خاصة لتوليد الأوكسجين، وذلك بحسب البروتوكول المعتمد في منظمة الصحة العالمية وتعمل عليه وزارة الصحة الفلسطينية، لكن بسبب الحرب توقفت هذه المحطات عن العمل، وباتت جميع المرافق الصحية تعتمد على محطة توليد الأوكسجين الوحيدة في غزة.

وتتولى المحطة الوحيدة في غزة المخصصة لتوليد غاز التنفس، مهمة شفط الهواء الجوي وفلترته ليصل إلى نسبة نقاوة 90 في المئة، وبهذا تكون ينتج الأوكسجين النقي الجاهز للاستخدام الطبي، وتتم تعبئة الغاز في أسطوانات تُرسل بعد ذلك إلى المستشفيات والمراكز الصحية".بالعادة يتم تشغيل محطة توليد الأوكسجين على الكهرباء، لكن بسبب توقف محطة الطاقة عن العمل فإن تشغيلها يتم من خلال مولدات كهربائية ضخمة تعمل على وقود الديزل، وهذا ما نفذ فعلياً من غزة، بعد إغلاق إسرائيل لمعبري رفح وكرم أبو سالم، إثر اجتياح محافظة رفح أقصى جنوب القطاع.

وحذرت وزارة الصحة في غزة قبل أيام، من توقف محطة الأوكسجين الوحيدة في القطاع عن العمل، وأرسلت تحذيرها هذا إلى المؤسسات الدولية الصحية وإلى الأمم المتحدة ومنظماتها، لكن تنبيه وزارة الصحة لم يجد آذان صاغية، وأدى إلى توقف عمل المحطة الوحيدة في غزة.

وكان لتوقف انتاج الأوكسجين أثار خطيرة على المرضى، وهذا ما حدث مع السيدة سوسن، التي أصيبت في الحرب الإسرائيلية بشظية أدت إلى بتر ساقها، ونتيجة لمخالطة دمها مع المواد الكيميائية المصنوع منها الصاروخ الإسرائيلي أصبيت بنقص حالد في الأوكسجين.

وبحسب الطبيب حسان الذي يتابع حالتها فإن مستوى الأكسجين في دم المريضة سوسن بلغ نحو 78 في المئة، وهذا يعني أنها تحتاج إلى أجهزة التنفس الاصطناعي لمدة تزيد عن ستة ساعات متواصلة في اليوم الواحد.لم تعرف سوسن أن الديزل الخاص بتشغيل محطة توليد الأكسجين نفذ، وتوقف بسبب ذلك انتاج غاز التنفس، وباتت تكافح لوحدها لالتقاط أنفاسها من هواء غزة الملوث جراء القصف، ما جعلها عرضة للموت في أي لحظة.

وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، يعيش نحو 60 ألف شخصاً في غزة على أجهزة التنفس الاصطناعي ويستفيدون من الأوكسجين النقي بشكل يومي، وأغلب هؤلاء المستفيدين هم من أصحاب الأمراض المزمنة، وينتظرون إدخال الوقود لتنقية الهواء الجوي بما يتناسب مع احتياجاتهم، لكن المؤسسات الصحية الدولية عاجزة عن ذلك بسبب تعنت إسرائيل.

وتوفي عدد من المرضى نتيجة توقف الأوكسجين في مستشفيات غزة، وهذا مصير المريضة سوسن وغيرها، ويقول ابنها حازم "حاولنا إخفاء أزمة الوقود عن والدتنا، ولكننا نخاف عليها من الموت".

يسمع حازم الأخبار ويعيش حالة من القلق على أمه، ويضيف "كما أخبرنا الطبيب فإن أمي تعاني من صعوبة وصول الأوكسجين للدم وصعوبة في التنفس، وتواجه تسارعاً في ضربات القلب ما أدى إلى إصابتها بحالة إغماء بسبب مشاكل في الرئتين. وبدأت حالتها تتدهور كثيراً".

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من توقف مولدات الأوكسجين في مستشفى شهداء الأقصى بسبب نقص إمدادات الوقود، واعتبرت أن "توليد الطاقة هو من الحقوق الأساسية التي لا يناقشها العالم في مستشفياته".وقال مشرف الطواقم الطبية الفنية التي تتابع عمل وحدة الأوكسجين محمد نوفل، "دمر الجيش الإسرائيلي أكثر من عشر محطات أوكسجين في قطاع غزة، ومع استمرار العمليات العسكرية ونفاذ الوقود فإن حياة الآلاف ممن يحتاجون إلى أجهزة التنفس الاصطناعي معرضة للخطر". ويضيف "تعمل محطة واحدة حالياً ونشغلها لمدة ثلاث ساعات لإنتاج قارورتين من الأوكسجين في اليوم، وهما غير كافيتين لأعداد المرضى الذين يحتاجون لهذا الغاز، نحن نشتري الديزل على نفقة الأطباء وذلك لحماية المرضى، لكن الوقود بدأ ينفذ رسمياً من غزة".

يشغّل نوفل وفريقه محطة الأوكسجين على مسؤوليتهم الشخصية، وبطريقة غير نظامية، ولهذا تُعتبر المحطة متوقفة وتشغيلها الجزئي هو لمجرد إنقاذ المرضى. ويؤكد أن المستشفيات في غزة لم تستلم بشكل رسمي أي ليتر من الديزل منذ اجتياح محافظة رفح.

من جانب آخر، يقول المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري "نعمل على إدخال الوقود وغاز الطهي إلى قطاع غزة، ليس صحيحاً أن هناك أزمة، نحن لا نحارب المرضى ولا المدنيين بينما تقاتل قواتنا حركة حماس فقط، بمعنى آخر نحن نلتزم قواعد القانون الدولي الإنساني".