Image

قبل أيام من حلول عيد الأضحى المبارك .. الغلاء والفقر يحرمان أهالي عدن من شراء الأضاحي


ألقت الازمات المعيشية المتصاعدة التي تشهدها المناطق المحررة واليمن عمومًا، بظلالها على حياة المواطنين وافقدتهم القدرة على مواكبة المناسبات الدينية، وأصبحت الحياة في المدن المحررة خاصة العاصمة المؤقتة عدن، عبارة عن روتين يومي لسكانها، تقتصر على توفير القوت الضروري للحياة اليومية.
فمع استمرار تدهور اسعار العملة المحلية "الريال" امام العملات الاجنبية، وانعكاساته على اسعار السلع الاستهلاكية والبضائع، وغياب الدخل واقتصاره على المرتبات الحكومية التي لم تطرأ عليها أي تغيير منذ سنوات، وفي ظل غياب أي دور للحكومة لمعالجة الاوضاع المعيشية المتردية، يعيش سكان عدن وغيرها من المدن المحررة، حياة مزرية، طابعها الرئيسي "الفاقة، والعوز" والفقر، والحاجة الى المساعدة الضرورية للبقاء على قيد الحياة.

لا مظاهر لاستقبال العيد
وفي ظل التراكمات التي افرزتها السياسات الفاشلة لأدوات الحكم، ممن تم اختيارهم لإدارة المناطق المحررة، وما خلفتها من فساد في المؤسسات الرسمية، مع استمرار عمليات تقاسم الثروة والمناصب، والتي ادت لتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي بشكل غير مسبوق وصل مرحلة الانهيار الفعلي لقدرة الأسرة على البقاء، كل ذلك وعوامل كثيرة اخرى، حرمت اهالي عدن والمناطق المحررة من القدرة على مواكبة المناسبات الدينية والفرحة بها.
ومع دخول "العشر من ذي الحجة" ومرور ثلاثة ايام منها، واقتراب مناسبة عيد الاضحى المبارك، لم نلمس في اسواق عدن وحاراتها، أي مظاهر لاستقبال هذه المناسبة العظيمة، غير انتشار الاماكن التي تضم "الاضاحي" من المواشي والابقار، دون أي تواجد للمواطنين لشرائها.
وعلى عكس الاعوام السابقة لم نلاحظ ونحن نتجول في عدد من اسواق عدن، أي مظاهر من قبل السكان لتوفير متطلبات العيد ولو في حدها اليسير، كما هو معتاد منذ سنوات، والتي يحرصون على توفيرها خاصة فيما يتعلق بالأضاحي التي دأبوا على توفيرها بشتى الطرق.

نكتفى بالنظر والتحسر..
يقول "أحمد عبد الرب" من أهالي منطقة الخساف في كريتر بمديرية صيرة، لـ"المنتصف"، يأتي هذا العيد والناس في فقر وعوز وفاقة لم يعيشوا مثلها على مدى حياتهم، الامر الذي يحرمهم من التفاعل مع قدوم عيد الأضحى او الاستعداد لهذه المناسبة العظيمة، فليس لديهم القدرة على توفير متطلبات العيد من ملابس واضاحي في ظل الاسعار المرتفعة لكل شيء، وغياب الدخل واقتصاره على الراتب الذي لا يفي لتوفير لقمة العيش لمدة اسبوع واحد.
ويتابع "عبدالرب":" ليس بمقدور معظم الاهالي في عدن توفير متطلبات العيد هذا العام، نتيجة ارتفاع الاسعار وغياب الدخل، وعدم وجود مساعدات انسانية، او دعم من أي جهة، فسكان عدن يعتمد معظمهم على المرتب الحكومي، الذي بات هزيلًا امام الاسعار، ومتطلبات الحياة اليومية، ولا يفي باي غرض، ما جعل الاسر تبحث عن مصادر دخل لتوفير لقمة العيش ولا تنظر إلى الكماليات".

لا تزاحم في الأسواق
وعلى عكس كل السنوات التي مضت، لم نلاحظ تزاحمًا في الاسواق، مع اقتراب العيد، والتي كانت تشهد في مثل هذه الايام، ازدحامًا خاصة اسواق المواشي، فالمواشي حضرت هذا العام وغاب المشتري، لعدم قدرته على شرائها.
وفيما يتعلق بأسواق الملابس، فرغم وجود متسوقين الا ان اصحاب المحلات يشكون عدم اجراء عمليات بيع الا ما ندر وبدرجات متفاوتة لا ترقى الى المستويات المتوقعة خاصة في مثل هذه الايام التي تسبق المناسبات العيدية.

أسعار الاضاحي .. والراتب 
ومع توافد تجار المواشي الى اسواق مدينة عدن، مع بداية دخول "العشر"، الا ان القدرة  الشرائية للأهالي مفقودة او تكاد تكون معدومة، حيث تم ملاحظة تواجد الاطفال امام اسواق المواشي التي انتشرت في المدينة، فيما لم يتم تسجيل أي عمليات شراء، وفقا لأحد باعة المواشي.
يقول "العم صالح" تاجر مواشي من مدينة لودر في محافظة ابين لـ"المنتصف"، انه فزجئ منذ ثلاثة ايام يتواجد فيها بعدن لبيع الاضاحي هذا العام، بعدم بيع أي راس من الماشية، ويكتفي السكان حسب قوله، بالسؤال عن الاسعار ثم الانصراف دون اجراء أي عملية بيع.
وحول اسعار الاضاحي يقول العم صالح، هذا العام الشراء غالي من المواطن مربي الماشية، فالذي كان سعره العام الماضي بـ 150 الف ريال، هذا العام ارتفع سعره إلى 250 الف من المربي للماشية في قرى لودر، ويريد التاجر ربح وقيمة الاعلاف التي انفقها على الماشية خلال هذه الفترة وقيمة المواصلات، فالسعر يصل بعد حسبة كل الخسارة بالنسبة للراس الواحد الى 280 الى 300 الف ريال للراس الواحد.
وبالنظر الى تلك الاسعار التي تعد خيالية بالنسبة لمواطن اقصى قيمة راتبه الشهري يتراوح بين 80 و100 الف ريال، فإن التفكير في شراء اضحية يكون امرًا مستحيلًا بالنسبة له، خاصة في ظل الظروف التي يعيشونها والتي يعجزون فيها عن توفير لقمة العيش اليومية لاسرهم.
وفي هذا الصدد يتحدث "أحمد حمود" موظف حكومي من ابناء مديرية التواهي لـ"المنتصف"، قائلا :" لا يمكن الحديث عن عمليات شراء للاضاحي من قبل الموظفين الحكوميين المعتمدين على مرتباتهم وهم يشكلون اغلبية في عدن، في ظل هذه الاوضاع التي تشهد ارتفاعًا شبه يومي لاسعار السلع الاستهلاكية والغذائية، وارتفاع كل شيء كالايجارات والمواصلات وقيمة الخدمات رغم ترديها".
ويتابع :" من يستطيع شراء الاضاحي متطلبات العيد هم الأسر التي لديها دخل من تجارة او عقارات او مسؤولين كبار في الدولة، او المكونات الاخرى المرتبطة بالخارج، او لديها ابناء يعملون في الخليج والخارج ويحولون لهم عملات صعبة يستغلون ارتفاع قيمة الصرف في توفير حياة شبه مستقرة لاسرهم، ما دون ذلك اسر فقيرة معدمة تناضل من اجل البقاء على قيد الحياة فقط".

الأضحية لمن استطاع إليها سبيلًا
ارتفاع اسعار الأضاحي هذا العام، مواكبة لارتفاع اسعار السلع والخدمات وبقية الاشياء الاخرى، متأثرة بتدهور اسعار العملة المحلية "الريال"، وغياب أي معالجات حكومية للازمة الاقتصادية المعيشية المستفحلة، يزيد من تعقيدات الحياة لدى المواطنين في عدن وغيرها من المناطق المحررة.
ومع اقتراب العيد، تتزايد التحديات امام الاهالي والاسر بالنسبة لمتطلبات هذه المناسبة، وتتزايد حالة القلق والبحث عن مصادر يتم من خلالها توفير مبالغ مالية من اجل الحفاظ على شعائر العيد خاصة الاضاحي.
تقول "ام فهيم" وهي ارملة لديها ثلاثة ابناء، وموظفة حكومية، من ابناء مديرية التواهي لـ"المنتصف":" كنا قبل سنوات من هذه الفوضى التي نعيشها نستطيع توفير جميع متطلبات الاعياد خاصة العيد الكبير (الاضحى)، بما فيها الاضحية والملابس وألعاب الاطفال، ومصروف العيد، كان هناك بركة في كل شيء، اما اليوم لا نستطيع توفير احتياجات البيت اليومية، فكيف بمتطلبات العيد خاصة لثلاثة اطفال، فالحسبة التي قمت بها احتاج اقل شيء 500 الف ريال لمواجهة متطلبات العيد للاطفال الثلاثة فقط، من ملابس واحذية، دون قيمة الاضحية التي باتت لمن استطاع اليه سبيلا (كما يقال).
وما بين البلدي والخارجي ينتشر في الاسواق انواع من الاضاحي، بعض لا يرقى ان يكون اضحية وفقا لشروطها الدينية، ورغم ذلك اسعارها تفوق الخيال خاصة فيما يتعلق بالبلدي.
ووفقًا لما تم ملاحظته في الاسواق المحلية في عدد من مديريات عدن، فإن اقل اضحية "خارجي" يتراوح سعرها ما بين 180 الف إلى 300 الف ريال، أي تفوق قدرة المواطن العادي من اصحاب المرتبات الحكومية في شرائها، فما بالك بالمواطن الذي هو على "باب الله" اصحاب الاعمال الحرة اليومية.
فالواقع هناك يؤكد بأن العيد سيمر هذا العام دون اضحية لعدد كبير من الأسر، والتي ستكتفي باقتناء اللحمة بالكيلو اول ايام العيد، حسب قول "عدنان امجد" من ابناء مديرية خور مكسر، ليؤكد بأنه سيحاول خلال الايام المتبقية البحث عن قيمة اضحية من خلال "الدين" استلاف مبلغ من احد المعارف الميسورين، الا انه يشير إلى ان العديد من الاسر، باتت بعوز وفاقة حتى التي كانت ميسورة خلال الاعوام القيلة الماضية.
ويتابع عدنان لـ "المنتصف" :" سنحاول شراء دجاجة إذا استطعنا على شرائها، فالعين بصيرة واليد قصيرة".
ويؤثر ارتفاع أسعار الأضاحي بشكل مباشر على القدرة الشرائية للأسر، ويضع الكثير منهم أمام خيارات صعبة بين الالتزام بالشعيرة الدينية والضغوط المالية.. وفي ظل هذه الظروف، يبحث المستهلكون عن بدائل مقبولة تتماشى مع إمكانياتهم المالية.