Image

الوحدة اليمنية في ذكراها الـ 34 .. قاومت الأطماع والصراعات وانتصرت للأرض والإنسان .. شواهد تاريخية

تُعد الوحدة اليمنية بالنسبة لليمنيين كالأم التي لا مناص من حبها، فهي قدرنا الذي لا يمكن أن نكون بدونه، ومن المسلمات الثابتة ثبوت وجود الشعب اليمني والأرض اليمنية، والسمة الغالبة على تاريخ هذا الشعب، والقاعدة التي تعكس جوهر الإرادة اليمنية، النازعة على الدوام إلى التوحد والاتحاد، باعتبار ذلك من عوامل القوة في مواجهة أخطار الطبيعة وتطويعها لصالح الإنسان اليمني ومواجهة الأطماع الاستعمارية الخارجية.
اليوم وبعد مرور عشر سنوات من صراع الأدوات ومخلفات الامامة الفارسية، اثبتت لليمنيين بأن البلاد تحتاج لعملية تطهير واسعة لاستعادة رونق الوحدة اليمنية التي انهت عهود من الصراعات  اليمنية شمالا وجنوبا، وان الواقع اثبت للجميع بأن الوحدة كانت الحدث الأهم في تاريخنا المعاصر والحفاظ عليها ليست غايه او هدف فقط بل مطلب وجودي .

تثبيت أواصر التعايش 
لقد نجحت الوحدة اليمنية في انهاء دوامة الصراعات والعواصف سواء بين الشطرين، او في اطار الشطر الواحد، رغم تعقيدات الاوضاع واختلاف الأفكار وانتشار القبلية والتيارات الدينية، التي استطاع الرئيس الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، السيطرة عليها ودمجها في بوتقة وطنية واحدة، ما جعل الوحدة اليمنية تنجح في تثبيت اواصر المحبة والتعايش بسلام ووئام بين اليمنيين.
لقد جسدت الوحدة اليمنية أروع مشروع تم انجازه من قبل اليمنيين عبر تاريخه المعاصر والذي جاء لتحقيق أهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 من أكتوبر والـ 30 من نوفمبر المجيد، فذكرى ميلادها الـ 34 الذي يصادف 22 مايو 2024، يعد ميلاد حياة لكل الشرفاء الذين حققوها ولكل يمني غيور على هويته ووطنه وشعبه وأرضه وعرضه.

محطات مضيئة 
من خلال قراءتنا السريعة لتاريخ اليمن الوحدوي منذ الألف الخامسة قبل ميلاد المسيح عليه السلام وحتى أخر نموذج للوحدة اليمنية في العام 1990، تأكد لنا أن فترات التوحد كانت على الدوام الأطول زمنياً و أحد أهم عوامل القوة والأمن والاستقرار والازدهار والانتعاش الاقتصادي والفكري والحضاري ليس لليمن فحسب بل ولمحيطها الإقليمي، في حين كانت فترات التجزئة قصيرة جدا.
كان هناك سببان يعززان قاعدة التوحد بين اليمنيين منذ العام 1914 ، الأول يتمثل ببقاء التواصل والاتصال الثقافي والمعيشي, ناهيك عن حرية تنقل الناس فيما بينهم، اما السبب الثاني، فأن سقف الاختلال لم يتجاوز المستوى السياسي، ودون أن يتعداه إلى المستويات الأخرى سواء كانت اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية, وهو ما حافظ على وحدة الشعب ووحدة خصائصه، كما لم تشهد تلك الفترة وجود حدود سياسية مرسومة بالمعنى المتعارف عليه بين الدول.


وحدة الأرض والإنسان
بإجماع المؤرخين، ظلت اليمن في مساحتها الطبيعية وحدة لا تتجزأ منذ أن سكنها نبي الله نوح وحتى منتصف العقد الثالث من القرن العشرين، مع عدم ورود أي ذكر لشمال أو جنوب، وعليه يحدد المؤرخون مساحتها الطبيعية بالقسم الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وهي الأرض التي أخذت مُسمّاها من الملك "يمن بن قحطان" الملقب بـ"يعرب"، الذي سُمي شعبها باليمنيين ودولتها باليمن، ومن ذرية هذا الملك تناسلت قبائل العرب قاطبة، يقول ابن هشام: "ان يعرب بن قحطان سمي يمناً، وبه سميت اليمن"، ويضيف ابن منظور: "وهو أبو اليمن كلهم".

الوحدة الاقتصادية والحضارية
تاريخيًا، أدرك الإنسان اليمني مساوئ تعدد الكيانات القبلية ذات النفوذ المحلي والكيانات الإقطاعية، لما لها من ضرر على وحدة اليمن، فعمل اليمنيون على تلافي ذلك عبر إقامة روابط اجتماعية على أُسس اقتصادية، وصناعية ومهنية،  وعلى أساسه برز ما يسمى بالعمل الجماعي التعاوني.
وتعددت وتنوعت صور الحضارات القديمة، وأقامت مستوطنات حضارية في مختلف المناطق وسنّت ما يستلزمها من التشريعات والتنظيمات.
والطابع العام للنظام السائد قبل الإسلام هو النظام الإقطاعي, لكنه كان أقرب إلى التعاونيات الجماعية, فيما كانت الحياة الاجتماعية تتسم بالطابع القبلي مع هيمنة واضحة للسلطة الدينية.
وشهدت تلك الفترة حضارة إنسانية رفيعة من أبرز مظاهرها اللغة السبئية القديمة والخط المسند, وأظهرت الآثار والنقوش المنتشرة في أنحاء اليمن تشابهاً وتجانساً كبيراً بين أسماء الأوائل في السكن ومحال الإقامة.

الوحدة السياسية
ضمت اليمن عدداً من مراكز القوى الساعي كل منها إلى مد النفوذ والاستقطاب على سائر المجال الحيوي لليمن، في وقت كانت الوحدة فيه تمثل قوة وسلاح في وجه الغزاة والمحتلين وغضب الطبيعة، وغالباً ما كان يصحبها نُظم سياسية شوروية، تعطي للشعب حق المشاركة الفعلية في صناعة القرار، سواء عبر اتحادات مجالس القبائل أو المجالس الاستشارية "المسود".
ومن مظاهر الوحدة السياسية أيضاً الأسماء والمسميات التي أُطلقت على الأماكن، والتعاريف الفنية كـ"المحفد" و"المخلاف"، حيث أطلق الأول على القصور والقلاع المحصنة، والثاني على الأقاليم، وهي تسميات إدارية, ويعد "يعرب" أول من قسّم جزيرة العرب إلى ولايات، وجعل على كل منها والي، فيما كان "سبأ بن حمير" أول من وضع التقسيمات الإدارية، فجعل "المحفد" مسمى للناحية أو المديرية عليها أمير، و"المخلاف" مسمى للإقليم عليه قيل/ جمع أقيال, وتحدث الهمداني عن 30 مخلاف يمني، سُمّي كلٌ منها بمن سكنه من ملوك حمير وكهلان المتغلبين في عصورهم، ومن الطبيعي أن تكون أسماء أماكن سُكنة الممالك اليمنية القديمة وأسماء أعلامها ومشاهيرها متشابهة ومتجانسة.

العوامل المؤثرة على وحدة اليمن
يأتي في مقدمتها نزعات التسيُّد والاستئثار بالسلطة إلى جانب العوائق الطبيعية والنزعات السياسية وجماعات المصالح والضغط خصوصاً أمراء الإقطاع، مع دخول العامل الخارجي منذ النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد، وتحديداً في العام 24 ق.م، عندما حاول الرومان احتلال اليمن ومن بعدهم الأحباش والبطالسة اليونان والفرس، وما أوجده هذا التنافس الاستعماري الحاد على موقع وثروات اليمن من صراعات وتعصبات لازالت اليمن تكتوي بنارها إلى يومنا.
ناهيك عن ضعف بعض ملوك تلك الفترة وخلودهم إلى الترف والاسترخاء، وتخليهم عن القيم السياسية لبناء الأسرة والمجتمع والفرد، ما جعل القرون السبعة المستبقة ظهور الإسلام نقطة مظلمة في تاريخ اليمن القديم باستثناء فترات متقطعة منها.
وبعد الاسلام وجد اليمنيون غايتهم المثلي لاستعادة وحدتهم عبر اعتناق الدين الاسلامي، وبالفعل تمكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من توحيد أبناء اليمن والقضاء على الطبقات وحكومات الأقاليم والأقيال، لكن سرعان ما عادت الصراعات إلى الواجهة تحت مسميات آخر مع نهاية العام 40 هـ، وقفت حجر عثرة أمام توحد اليمن باستثناء فترات قصيرة ومتقطعة.
أتاح ذلك فسحة وفرصة ذهبية للأطماع الخارجية في اليمن كالعثمانيين والجراكسة والأيوبيين، والفاطميين والمماليك والاستعمار الغربي، وما بينهما شهدت اليمن العديد من الإمارات والممالك والدول كانت تتوسع وتنكمش حسب الظروف الداخلية والخارجية وشخصية الحكام.

كارثة التمزق 
يؤكد لنا التاريخ بوضوح أن تعدد الدول والدويلات في اليمن، وتداخلها واستعانة بعضها بالقوى الخارجية، يقود ذلك في نهاية المطاف إلى إنهاكها وضعفها وتلاشيها، وكون العامل الاقتصادي في طبيعته من العوامل القابلة للتفجير في أية لحظة، فإننا نلحظ جلياً أهمية تعامل الدول اليمنية المتعاقبة والمتداخلة مع أمراء الإقطاع، باعتبار معيار التحكم فيهم من العوامل الحاسمة في توحيد اليمن وأمنه واستقراره، في حال تمكن ملوك تلك الدول من تحجيم الإقطاعيين وتقليص نفوذهم والعكس في حالة الفشل، ما نجد دلالته في السمات العامة لفترات التوحد والتي حملت معها الأمان والاستقرار والانتعاش الاقتصادي النسبي والرضا الجماهيري وحماية البلاد من أطماع الغزاة والمستعمرين.

تهديدات مصيرية 
واليوم، تواجه الوحدة اليمنية في ذكراها الـ34 تهديدات مصيرية مع استمرار الصراعات بين الكيانات التي انتجتها فوضى 2011، وضعف الكيان السياسي المنطوي تحت ما يسمى بالحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا، لكن ابرز ما يهدد النسيج الاجتماعي التدخل الايراني بفكره الطائفي المرتكز على عادات وممارسات دينية مليئة بالخرافات.
وتعرضت الوحدة اليمنية خلال السنوات العشر الماضية، خاصة بعد استشهاد الرئيس الزعيم علي عبدالله صالح، لمحاولة تضليل واسعة فيما يتعلق بتاريخها وانجازاتها من اطراف محلية واقليمية،  بسبب أطماع تلك الاطراف في مواقع وثروات اليمن.
ومع ذلك كله، تبقى الوحدة راسخة في نفوس اليمنيين خاصة في المناطق الجنوبية التي تشهد مؤامرات  تهدد ليس الوحدة اليمنية فقط بل والمنطقة، في ظل استمرار الترويج لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يسعى لتكوين دويلات متعددة في المنطقة تخدم الصهيونية العالمية بالدرجة الأولى.
فالمشاهد التي نقلت لنا من عدن مركز الوحدة اليمنية ومنبعها الحقيقي، من تفاعلات مع احتفالات اليمنيين بفوز منتخب الناشئين ببطولة غرب اسيا، وكيف خرج ابناء عدن مستقبلين لمنتخبهم مرددين هتافات " بالروح بالدم نفديك يا يمن"، وكيف يتفاعلون مع القضايا الانسانية التي ترتكبها مليشيات الحوثي الارهابية "وكلاء ايران" في مناطق سيطرتها كجريمة هدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها في رداع، وقضية حجور بحجة، والانتهاكات ضد النساء والاطفال في صنعاء وغيرها من المناطق، وغيرها من الأمور التي تؤكد وحدة النسيج الاجتماعي اليمني، وصلابته امام كل المؤامرات.
ويرى العديد من خبراء علم الاجتماعي، بأن كل ما يتم من مؤامرات ضد الوحدة اليمنية لن يؤثر فيها، خاصة وان اليمنيين عاشوا الواقع المر للتجزئة، وهو ما يعلي من شأن واهمية الوحدة اليمنية وينمي من ثقافتها الديمقراطية والتنمية والانفتاح والتطور والحرية، باعتبارها نقطة الضوء الوحيدة التي ارتبطت بالرخاء والحريات، وكلها باتت مفقودة حاليًا.