Image

«صنع في أستراليا» تستهدف تخليص البلاد من وصمة تصدير المواد الخام

يسعى مخترعو جهاز «إميو»؛ وهو عبارة عن ماسح ضوئي محمول للدماغ، لإحداث تأثير عالمي، لكن تحت اسم يشير بفخر إلى جذوره «صنع في أستراليا».

وقال سكوت كيركلاند، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة «إم فيجين»، ومقرها سيدني، إن الإنتاج المحلي للجهاز أمر حيوي إذا كانت الشركة تريد النجاح. وأضاف: «أي خطوات حساسة في عملية التصنيع يجب أن تكون قريبة من مقرنا، فامتلاك زمام الأمور أمر محوري».

ولكن شركات مثل «إي إم فيجين» كانت قليلة ونادرة في أستراليا؛ حيث يجيء التصنيع في مرتبة خلف الصناعات الأولية الضخمة القائمة على الموارد والزراعة.

وخشية من تداعيات ذلك على مرونة الاقتصاد الأسترالي، تحاول الحكومة تنشيط قطاع الصناعة من خلال صندوق بقيمة 15 مليار دولار أسترالي (9.7 مليارات دولار أمريكي) بقيادة مصرفي سابق من مجموعة ماكواري للخدمات المالية والبنكية، في محاولة لتسويق المزيد من الابتكارات الأسترالية.

ويأتي هذا ضمن جهود تبذلها دول مختلفة حول العالم لتعزيز قطاعاتها الصناعية، مدفوعة جزئياً بعد أن كشفت الخلافات الجيوسياسية وجائحة كوفيد 19، مدى هشاشة سلاسل التوريد العالمية.

وقال إد هوسيك، وزير الصناعة والعلوم في أستراليا، إنه في حين أن الاقتصاد الأسترالي قد ازدهر على مدار العقود الثلاثة الماضية، إلا أن التوترات التجارية الأخيرة مع بكين أظهرت إلى أي مدى تعتمد بعض من أكبر صناعاتها، بما في ذلك الفحم والخشب والنبيذ، على التصدير إلى الصين.

في الوقت نفسه، كشفت الجائحة اعتماد أستراليا على الواردات في مجالات مثل: الأدوية، وقطع غيار السيارات. وأضاف هوسيك: «هذا هو أكبر استثمار في القدرات التصنيعية في أستراليا منذ عهد بعيد، نحن بحاجة إلى تقليل ضعفنا في مواجهة صدمات سلسلة التوريد».

وشهدت الصناعة التقليدية في أستراليا تراجعاً حاداً منذ سبعينيات القرن الماضي عندما أقامت علاقات تجارية مع الصين وفتحت اقتصادها للواردات.

وقال روي غرين، الأكاديمي بجامعة التكنولوجيا في سيدني، «إن تحرير الاقتصاد بشكل أكبر خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي أدى إلى نهضة قصيرة في التصنيع المتقدم القائم على التصدير». وساهم مزيج من قوة الدولار الأسترالي وارتفاع القدرة التصديرية للصين إلى مزيد من الانهيار، حيث تقلصت أو اختفت صناعات، بما في ذلك صناعة السيارات والصلب.

وقال غرين، الذي قدم المشورة لحكومات سابقة بشأن السياسة الصناعية، إن تناقص الدعم لقطاع التصنيع حول أستراليا إلى «محجر العالم» وجعلها تعتمد بشكل كبير على صادرات المواد الخام. وأضاف: «لقد أوحت لنا عقيدة الميزة النسبية السائدة منذ 30 عاماً بأنه لا ينبغي لنا الصعود في سلسلة القيمة».

استشهد غرين بالليثيوم، وهو مادة أساسية لمكونات السيارات الكهربائية، والتي تصدر أستراليا نحو نصف إمدادات العالم منها، ولكنها تستحوذ على 0.5% فقط من سلسلة القيمة.

وتتأخر أستراليا أيضاً في الإنفاق على البحث والتطوير، والذي لا يمثل سوى 1.68 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وتسعى حكومة حزب العمال من خلال الصندوق الوطني لإعادة الإعمار إلى المساعدة في إعادة التوازن عن طريق الاستثمارات الموجهة في الشركات الناضجة في قطاعات تشمل الطاقة المتجددة والطب والدفاع والزراعة والتعدين، وقد عيّنت إيفان باور، المخضرم الذي عمل في مجموعة ماكواري لمدة 20 عاماً، لإدارة الصندوق.

وقال باور إن أستراليا يمكنها تقديم مجموعة كبيرة من رؤوس الأموال الخاصة، بما في ذلك صناديق التقاعد الكبيرة. وأضاف: «لدينا إمكانات هائلة، ومهمتنا في الصندوق الوطني لإعادة الإعمار هي مساعدة الاقتصاد الأسترالي على تحقيق تلك ممكناته».

ومع ذلك، قال إن المؤسسة التي تمول من أموال دافعي الضرائب ستحتاج إلى التعلم من المستثمرين من القطاع الخاص مثل ماكواري في تقييم المخاطر وفهم الأصول التي تدعمها. وقال: «نحتاج إلى أن نكون عمليين وحكماء للاستفادة من تلك الإمكانات، وليس متفائلين ساذجين».

وقال مايكل كليمبسون، رئيس وحدة التصنيع في جرانت ثورنتون، التي تعد تقريراً سنوياً عن الصناعة الأسترالية: «إن الشركات المصنعة الصغيرة والمتوسطة واجهت تحديات تشمل ارتفاع الأجور وارتفاع تكاليف الطاقة والشحن في السنوات الأخيرة، لكن العديد منها استمر في النمو. وأضاف: لقد تراجع التصنيع الأسترالي، لكن الشركات التي نجت أصبحت أكثر مرونة».

وقالت كاثرين ليفينغستون، الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة كوشليير المُدرجة لصناعة الأجهزة الطبية والرئيسة السابقة للوكالة الحكومية للبحوث سسيرو: «إن البلاد بحاجة إلى التفكير فيما إذا كانت تمتلك الأشخاص والقاعدة المهارية والبنية التحتية البحثية التي تضاهي تطلعاتها في التصنيع، والتركيز على ما تريد تحقيقه». وأضافت: «يجب أن تكون واضحاً حيال الهدف النهائي ثم تعمل على تحديد الوسائل لتحقيقه».

وقال كريستيان جوردان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سيكونا لتكنولوجيا البطاريات ومقرها ولونغونغ، إنه في حين أن الرؤية الكبرى لإعادة بناء براعة التصنيع في البلاد واقعية، إلا أن أستراليا لا يمكن أن تنافس الصين بشكل مباشر، ويجب عليها بدلاً من ذلك «إيجاد ما يميزها» في مجالات مثل الطاقة المتجددة. وأضاف: «لا يمكننا مجرد نسخ وتقليد ما تفعله الصين، علينا أن نفعل ذلك بشكل مختلف».

وتعمل شركة سيكونا، التي تقوم بتطوير مادة مركبة من السيليكون، على تحسين أداء البطاريات المستخدمة في المركبات الكهربائية وشبكات الطاقة، على بناء أول منشأة تصنيع لها في الولايات المتحدة، حيث استفادت من برامج تمويل ضخمة من وزارة الطاقة.

وقال جوردان إن شركته لا تزال تنوي إنشاء مصنع في أستراليا لتزويد عملاء الطاقة والسيارات الآسيويين، لكنّه سلّط الضوء على البطء في الوصول إلى المنح مقارنة بالولايات المتحدة ووجود فجوة بين برامج التمويل الحكومية التي تستهدف الشركات الناشئة والشركات الأكبر التي يستهدفها الصندوق الوطني لإعادة الإعمار.

وقال عن محاولات أستراليا لتحقيق تطلعاتها في مجال التصنيع: «الأمور ليست وردية بالكامل».

وقال هوسيك إنه «لا يعيش في وهم» بشأن حجم المهمة المقبلة. وأضاف: «نحن لا نحاول إعادة إحياء أمجاد الماضي، لا يتعلق الأمر بالقيام بكل شيء، بل يتعلق بالقيام بالأمور المهمة».