Image

على الصين تعلّم الدرس من سنين اليابان الضائعة

عواقب وخيمة متوقعة حال سقوط الصين ثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم في هوّة الانكماش.

الكاتب يشغل منصب الرئيس التنفيذي لدى «سنتوري غروب»

بعد انفجار فقاعتها الاقتصادية في أوائل تسعينات القرن الماضي، عاشت اليابان أكثر من ثلاثة عقود «ضائعة» من المعاناة المُطوّلة مع الانكماش وهو وحش مستتر، إذ لا يدرك الرعب الحقيقي للانكماش حق إدراكه إلا الذين اختبروه بصفة مباشرة.

لقد خدمت، لأكثر من عقد، عضواً بمجلس السياسات الاقتصادية والمالية باليابان تحت إمرة ثلاثة رؤساء للوزراء، ولعبت دوراً في توجيه الاقتصاد الياباني. وكانت ست من هذه السنين في الفترة التي طُبق فيها «اقتصاديات آبي».

تقف اليابان اليوم، أخيراً، على أعتاب الخروج من هذه الأعوام. فقد بدأت الحرب الدائرة في أوكرانيا، واحتدام التوترات بين الولايات المتحدة والصين، والزيادات البالغة في تكاليف الواردات في تحريك الأسعار المحلية التي أصابها الجمود فيما قبل، وهو ما أفضى إلى أعلى زيادات للأجور في اليابان منذ أكثر من 30 عاماً.

وفي الوقت ذاته، قرر المصرف المركزي الياباني أخيراً إنهاء سياسة أسعار الفائدة السالبة، ما يشي ببداية دورة اقتصادية إيجابية. ونتيجة لذلك، تمر اليابان حالياً بنقطة فاصلة.

وتمكنت من إعادة إحياء «الأرواح الثائرة» التي أخمدتها تداعيات التيسير النقدي غير التقليدي، والفشل في التنفيذ الكامل لمختلف أنواع الإصلاحات الهيكلية التي اعتقد رئيس الوزراء الأسبق، شينزو آبي، بضروريتها.

لكن ما الدروس التي تحملها التجربة اليابانية للدول الأخرى، لا سيما للصين؟ عند تدبّر هذه العقود «الضائعة»، يتضح أن أنماط الاستهلاك الحالية وجمود الأسعار في الصين قد يؤديان إلى وضع أكثر سوءاً من الذي مرت به اليابان إبان حقبة الانكماش. وثمّة تشابهات عدة بين التجربة السابقة التي خاضتها اليابان وما تعيشه الصين في يومنا الحاضر.

لننظر أولاً إلى التركيبة السكانية. من المُرجح أن يتسارع معدل شيخوخة السكان بوتيرة مساوية أو أكبر من التي عاشتها اليابان، في ظل بدء انخفاض التعداد السكاني في الصين اعتباراً من 2022، وسط تداعيات سياسة الطفل الواحد.

كذلك، هناك مخاوف حيال العلاقة بين الضمان الاجتماعي وارتفاع معدلات الادخار، فنظام الضمان الاجتماعي الصيني يقدم شبكة أمان غير كافية للجموع الواقعة تحت مظلة منخفضي الدخل. وسُلِّطَت بالفعل الأضواء على القلق بشأن أوجه القصور التي تعتري الضمان الاجتماعي باعتباره سبباً وراء ارتفاع معدل الادخار لما يتخطى 40 % من الناتج المحلي الإجمالي.

والعامل الثالث الذي يجب وضعه في الاعتبار، هو الارتفاع الشديد لمعدل البطالة في صفوف الشباب. ومن الصعوبة بمكان عقد مقارنة مباشرة، فقد بلغ معدل بطالة الشباب باليابان بعد انفجار الفقاعة 10 % في أوجه، بيد أن الوضع في الصين أكثر خطورة.

وإذا ما اقترن ذلك كله ببعضه البعض، لوجدنا أن هذه الأوضاع تنضح بما حدث في ماضي اليابان، حينما تسبب القلق الشديد بشأن المستقبل في كبح الاستثمار والاستهلاك.

مما أسفر عن «مرض الأمر الواقع» والسقوط اللاحق في دوامة الانكماش، وهناك عواقب وخيمة متوقعة حال سقوط الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم في هوّة الانكماش .

لكن الصين المعاصرة تتمتع بميزات لم تحظَ بها اليابان، أهمها استغلال التقنيات الرقمية، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، هناك ما يثبّط الاستثمار ويلقي بظلاله على الشركات الخاصة.

إذن، استناداً إلى التجربة اليابانية، ما عسى أن تفعله الصين اليوم؟ يتوقف الأمر في نهاية المطاف على الأرواح الثائرة وتشجيع القطاع الخاص على المخاطرة.

لذلك، يتوجب على الصين الخروج بآليات لمكافأة تكبد الأفراد والشركات للمخاطرة، بهدف خلق اقتصاد تقوده المؤسسات الخاصة، لا تلك المملوكة للدولة.

وإذا ما أردنا تبسيط الأمر، فسيكون استعداد الصين لتفريخ قادة أعمال وشركات تحاكي جاك ما وتنافس ما يُدعى بالشركات «السبع الرائعة» محل اختبار.

ولفعل ذلك، تجدر الإشارة إلى ضرورة تخفيف القيود التنظيمية لتحفيز الطلب المحلي والابتكار، خاصة في قطاع الضمان الاجتماعي.

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى فشل اليابان في الاستثمار في الموارد البشرية والذي استنفد قدراتها على التعافي الاقتصادي، يتعين على الصين عدم إبطاء استثمار القطاع الخاص في المواهب، لا سيما في ظل ركود الاقتصاد.

إضافة إلى ذلك، قد تجد الصين نفسها مضطرة إلى دعم اقتصادها المحلي، حتى وإن كان على حساب تدهور المالية العامة للحكومة، إذا استمر عدم تمكّنها من الاعتماد على الصادرات بالرغم من القدرات الإنتاجية الفائضة.

وهناك تغيرات ملموسة، فالتحرك صوب اجتذاب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة إلى الصين ملموس، لكن من الضروري أن تواصل الصين فتح ذراعيها للجانبين المحلي والدولي.

يكشف لنا التاريخ الياباني الحديث أن تغيير الأمور لا يكون يسيراً بمجرد وقوع الاقتصاد في الانكماش التضخم. لذلك، تحتاج الصين إلى الشروع في عملية الإصلاح الآن.

وثمة حاجة أكثر من أي وقت مضى لحوار اقتصادي لائق بين اليابان والصين، من أجل مصلحة الاقتصاد العالمي. وآمل حقاً أن تتعلم الصين من التجربة اليابانية، وأن تكون المخاوف من السقوط في انكماش خطير غير ذات أساس.