الجهاز المركزي يكشف الستار عن أكبر صفقة فساد شهدتها كهرباء عدن
شكلت وزارة الكهرباء تحت قيادة وزير إخواني مرتعاً للفساد والفاسدين؛ وهو ما انعكس سلبا على الخدمة المقدمة للمواطن الذي أصبح يعيش في محافظات غابت عنها الكهرباء، وأصبح الظلام هو سيد الموقف. فرغم اعتماد مليارات الريالات لإعادة تأهيل القدرة التوليدية لمحطات الطاقة، إلا أن تلك الأموال ذهبت إلى جيوب كبار الفاسدين من رجال الدولة الذين غلّبوا مصلحتهم الشخصية على المصلحة العليا للدولة، وجعلوا من المناقصات مصدر تكسب وإفساد وإثراء، في ظل غياب الدولة والمساءلة القانونية للعابثين بالمال العام، وأصبح الكل شركاء بهذا النهب المنظم من أكبر كبير في الدولة إلى أصغر صغير.
ها نحن مقبلون على صيف حار في المناطق الجنوبية تستقبله بمحطات متهالكة أو بالطاقة المشتراة، الوجه الآخر للفساد والتي تهدد الحكومة بين فترة وأخرى بوقف محطات إمداد الطاقة على أبناء عدن الذين تشتد معاناتهم جراء تدهور خدمة الكهرباء.
ولو أن تلك المليارات المهدورة وجهت نحو تعزيز الطاقة الكهربائية، لما ظلت المشكلة تُرحّل من سنة إلى أخرى؛ لكنه الفساد الذي أصبح ظاهرا للعيان، وتكشفه تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بوثائق رسمية، متحدثة عن قضية تلاعب بالمال العام في أحد أهم مشاريع تأهيل الطاقة الكهربائية بمدينة عدن وبتكلفة عشرات المليارات.
الوثائق تعود إلى تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حول مراجعة مشروع إعادة تأهيل محطة الحسوة الحرارية أثناء تولي عبد الله محسن الأكوع وزارة الكهرباء، حصة حزب الإصلاح في حكومة بن دغر. حيث كشف التقرير الذي يقع في 18 صفحة حقائق كارثية عن حجم العبث الذي تم من قبل الوزير الإخواني ومؤسسة الكهرباء في عدن بحق المشروع الذي بلغت تكلفته 31 مليون دولار.
تجاوزات ومخالفات المرحلة الأولى لتأهيل محطة الحسوة
يشير التقرير الموجه من رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إلى وزير الكهرباء، بخصوص العقد الخاص بالمشروع الذي تم التعاقد فيه مع شركة "بدسيرفس" الأوكرانية، إلى أن المختصين في وزارة الكهرباء والجهات ذات العلاقة اعتمدوا مشروع التأهيل لاثنين توربين وغلايتين غير مجدية اقتصادية بمبلغ وقدره 31،162،730 دولاراً، على حساب تنفيذ مشاريع إستراتيجية.
ويوضح التقرير أنه وبسبب التعاقدات الخارجة عن القانون، تسببت الحكومة بدرجة رئيسية في استنزاف موارد الدولة من العملات الأجنبية خصوصًا في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد وانعكاساتها سلبًا على استقرار سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، مؤكداً أن الميزانية المرصودة للمشروع كان يمكن من خلالها إنجاز عدد من المشاريع أكثر أهمية، وعلى رأسها مشروع تأهيل منظومة التوزيع لخفض معدل الفاقد وبنسبة لا تقل عن 73%؛ وهو ما سيحقق وفرا في الطاقة المنتجة تصل تكلفة إنتاجها لمبلغ 60 مليون دولار سنويا.
كما أشار التقرير إلى أن المبلغ المرصود كان يمكن استغلاله في إعادة تشغيل المحطة القطرية البالغة قوتها 60ميجاوات وتعمل بالغاز، وكذا مشاريع المحطات التي تعمل بالغاز بقوة 440 ميجاوات (في إشارة إلى محطة بترومسلية)، مؤكداً بأن ذلك كان سيوفر على الخزينة العامة مبلغا لا يقل عن 142 مليون دولار سنوياً كفارق سعر بين الديزل والغاز، وأن كلفة التأهيل لمحطة الحسوة كان يمكن الاستفادة منها بإنشاء محطة جديدة وبتكنولوجيا حديثة ومتطورة بنفس الكلفة والقدرة والمجدية اقتصاديا على مستوى المؤسسة والاقتصاد الوطني.
ولفت التقرير إلى أن اعتماد مشروع التأهيل لمحطة الحسوة والإجراءات المتخذة غلب عليها تقديم التسهيلات والتنازلات لصالح الشركة. كما تم تنفيذ المشروع بالأمر المباشر دون عمل مناقصة، وعدم فتح المجال أمام الشركات العالمية من دخول المناقصة، إضافة إلى إعفاء الشركة من كافة الضمانات كالأداء والجودة.
ويؤكد التقرير أنه على الرغم من تقديم التنازلات والتسهيلات للشركة، إلا أنها لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها في مشروع إعادة تأهيل محطة الحسوة، مشيراً إلى أن كافة الإجراءات الرسمية تمت من خلال تقديم العديد من التنازلات والتسهيلات للشركة المنفذة للمشروع على حساب المصلحة الوطنية العامة، دون مراعاة لأحكام القوانين واللوائح النافذة وكذا بنود العقد الأساسي المبرم معها.
كما أن هذه الخطوة ترتب عليها حرمان المؤسسة العامة للكهرباء من الوفورات الممكن تحقيقها عند تنفيذه عبر مناقصة عامة والتي من أهمها الحصول على أقل الأسعار وأفضل المواصفات.
إضافة إلى ذلك، تم إعفاء الشركة المنفذة من كافة الضمانات الملزمة بتقديمها بموجب العقد المبرم معها، وبالمخالفة لأحكام قانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية وما يترتب على ذلك من ضياع حقوق المؤسسة في الحصول على التعويضات اللازمة عند إخلال الشركة بالتزاماتها التعاقدية.
كما تم تمكين الشركة المنفذة للمشروع بسحب كميات كبيرة من قطع الغيار التابعة للمحطة بقيمة 378,014,803 ريالات عهدة، تحت مبرر تسهيل أعمال الشركة والتأخر في توريد الشحنات المرتبطة بقطع الغيار مقابل إلزام الشركة بإعادة ما تم سحبه من الكميات التي سيتم توريدها من قبلها، على الرغم من اختلاف مواصفات ومصادر قطع الغيار المستوردة عن غيار التابعة للمحطة، ودون إلزام الشركة بإعادتها من نفس الشركة المصنعة لها، فضلا عن صرف وزارة المالية مستحقات الشركة بمبلغ 3,022,190 يورو، دون خصم ما نسبته 45 في المائة من إجمالي المبلغ المسددة كضمان تنفيذي وضمان جودة.
كما كشف التقرير عن قيام الشركة الأوكرانية باستبدال التوربين الخامس لمحطة الحسوة بآخر مستخدم تم إحضاره من أوكرانيا وتركيبه وتشغيله دون الحصول على موافقة من الجهات المختصة، بما يتعارض مع بنود العقد الذي يتضمن إعادة تأهيل الغلايات والتربينات، وليس استبدالها والذي قدمته الشركة الأوكرانية.
حيث أشار التقرير إلى أن نوع هذه التوربينات قد تم إخراجه من الخدمة منذ سنوات في كل من روسيا وأوكرانيا لعدم الجدوى منها، موضحاً أن التقارير اليومية والشهرية من المختصين أكدت انخفاض إنتاجه بعد تركبيه بنسبة 32%.
وأكد تقرير الجهاز المركزي للرقابة عدم قيام الشركة بتنفيذ كل التزاماتها في المشروع، وثبوت فشلها في تنفيذ المشروع وتحقيق النتائج المرجوة من المشروع، وبحسب الوثائق وإفادة المختصين في المشروع.
التقرير سرد سلسلة من التجاوزات والعبث التي رافقت المشروع منذ التوقيع على العقد مع الشركة الأوكرانية في مايو 2017، ومنها تغيير عملة العقد من الدولار إلى اليورو دون احتساب وجود فارق السعر، مشيراً إلى أن المختصين في الوزارة ولجنة تحليل العطاءات اقروا اعتماد أسعار قطع الغيار التي تقدمت بها الشركة الأوكرانية دون الحصول على عروض أسعار.
وفي فقرة أخرى، يشير التقرير إلى أن الشركة قدمت للمحطة قطع غيار بقيمة 6 ملايين دولار مقابل قبول مؤسسة الكهرباء بالتوربين البديل؛ وهو ما يشير بحسب التقرير إلى أن الأسعار التي تقدمت بها الشركة سابقاً مبالغ فيها.
وكشف التقرير بأن المهندسين الذين تم إرسالهم من قبل مؤسسة الكهرباء إلى أوكرانيا، للتأكد من صحة وسلامة قطع الغيار في الميناء قبل شحنها إلى اليمن، اكتفوا في تقاريرهم بأنها موجودة في حاويات مغلقة ولا يمكن فتحها تحت مبرر أن ذلك يتطلب موافقة من الجهات المختصة.
كما كشف التقرير رفض الشركة دفع الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة عليها، وقيام مختصين في المشروع بتقديم تعهدات بدلا عن الشركة إلى مصلحة الجمارك التي تطالب الشركة بتسديد رسوم بمبلغ يفوق 400 مليون ريال يمني.
اللافت في التقرير هو تأكيد البنك الأهلي، والذي كانت تتعامل معه حينها حكومة بن دغر بديلاً عن البنك المركزي الرسمي، أن البنوك التي تتعامل معها الشركة الأوكرانية بعضها غير معروف والبعض منها بنوك وهمية.
وشدد الجهاز المركزي على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية ومساءلة كافة المتسببين عن المخالفات والتجاوزات وتحميلهم كافة الخسائر وإيقاف أي أعمال مرتبطة باستكمال أعمال التعاقد للمرحلة الثانية، وإلزام الشركة بسرعة سداد ما عليها من ضرائب ورسوم جمارك، وتوريد كافة قطع الغيار التي سحبتها من المخازن، وإعادة تأهيل التوربين رقم 5، ورفض التوربين المورد من قبلها، وإلزام الشركة بسداد كافة الغرامات المستحقة عليها نتيجة تأخرها في الإنجاز بالموعد المحدد في العقد، وكذا إلزام الجهات المختصة في المشروع بموافاة الجهاز بكافة البيانات والإصلاحات التي تم حجبها عن الجهاز.