الطاعة الحزبية العمياء .

01:00 2024/03/26

يجب التوضيح بأن الحزبية السياسية هي وسيلة لممارسة العمل السياسي في نطاق حزبي منظم ، وفقاً لبرنامج سياسي واضح المعالم والأهداف ، بغرض المساهمة الفاعلة والإيجابية في تقديم أفضل الخدمات للوطن والمواطن بكامل الحرية والإرادة ، وبذلك فإن الحزبية السياسية بمفهومها الصحيح يجب أن تحترم الإرادة الحرة للشخص ولا مكان فيها لمفهوم الطاعة العمياء ، وللأسف الشديد الملاحظ أن الكثير من الأفراد ، في المجتمعات العربية عموماً ، وفي المجتمع اليمني خصوصاً ، قد تم إستغفالهم وإستغلالهم بإقناعهم أن الحزبية السياسية توجب عليهم الطاعة العمياء لأوامر وتوجيهات قياداتهم الحزبية حتى لو كانت سلبية وتتعارض مع الشرع والعقل والمصالح العليا للوطن ، وخصوصاً قيادات الأحزاب ذات النزعة الدينية ، ولم يتوقف منظروا ومفكروا تلك الأحزاب يوماً عن الترويج للطاعة الحزبية العمياء ، وذلك لأنها تحرِم الأعضاء من نعمة العقل والتفكير ( صناعة الجهل والتخلف ) ، وتحرمهم من نعمة حرية الإختيار وإستقلالية الإرادة ( صناعة القطعان البشرية ) ، وتجعلهم ينظرون إلى قياداتهم الحزبية نظرة تقديس وتعظيم ( الترويج لثقافة تقديس البشر ) ، وتلك هي الطاعة السلبية العمياء التي تعتمدها العديد من الأحزاب والجماعات الدينية والإيديولوجية المتطرفة والمتشددة في مناهجها وادبياتها .

من أجل ذلك نجد أن الطاعة العمياء بكل أشكالها وأنواعها تتعارض مع الشرع الإسلامي ، الذي منح الإنسان مجالاً واسعاً من الحرية والاستقلالية الفكرية وحرية الإختيار في علاقته مع خالقه ، فلا يقبل الله تعالى إلا الطاعة القائمة على بصيرة واستقلالية وإرادة حرة وقناعة تامة ، فإذا كان الإنسان قد مُنح حرية الإختيار والإرادة في علاقته مع خالقه ، فمن باب أولى الواجب منحه كامل حريته وإرادته في كل علاقاته الدنيوية ، وهذا ما يؤكد بأن الطاعة الحزبية العمياء التي تفرضها الأحزاب والجماعات ذات النزعة الدينية والإيديولوجية على أتباعها ، تتعارض تماماً مع الشرع والعقل والمنطق والمصالح العليا للوطن ، ويؤكد بأن الكثير من تلك القيادات تستغل مفهوم الحزبية السياسية بشكل سلبي ، من أجل تحقيق مصالح شخصية أو حزبية أو سياسية أو سلطوية بعيدة كل البعد عن مصالح الدين والوطن ..

وتكمن المشكلة في الطاعة الحزبية العمياء ، أنها تمنح قيادات الأحزاب والجماعات ذات النزعة الدينية ، الحق في السيطرة والتحكم في تفكير وتصرفات الأعضاء ، وصولاً إلى غسل أدمغتهم ، والدفع بهم إلى تنفيذ المهمات والعمليات التي توكل إليهم ، بدون نقاش أو جدال ( نفذ ثم ناقش ) ' مهما كانت خطورتها وكيفما كانت نتائجها سلبية وكارثية، ومهما كانت تتعارض مع مصالح الدين والوطن، بل ومهما كانت تتعارض مع العقل والمنطق الإنساني السليم، وهذا الباب هو الذي فتح شهية العديد من قيادات الأحزاب الدينية والإيديولوجية المتطرفة في كل زمان ومكان ، لتجنيد الكثير من الأعضاء كقطعان بشرية تستغلها وتحركها كيفما تشاء ووقتما تشاء .

ولن أبالغ إذا قلت بأن الطاعة الحزبية العمياء ، هي واحدة من أكبر الشرور في الحياة ، لأنها تنزع عن الإنسان كينونته وإستقلاليته وحريته وتحوله إلى مجرد دمية تابعة مطيعة مسلوبة الإرادة والقرار والحرية ، لذلك لا غرابة أن نشاهد أعضاء الأحزاب والجماعات الدينية والإيديولوجية ، وهم يجيزون لأنفسهم القيام بجرائم القتل والعنف والإرهاب ضد المعارضين لهم ، ويروجون لثقافة الكراهية للآخر بدون وعي وفكر ..

عموماً، يجب التمييز بين الطاعة الحزبية السلبية العمياء  وبين الحزبية السياسية الإيجابية والموضوعية والعقلانية ، القائمة على الالتزام بما يمليه عليها الشرع الديني المعتدل ، والقائمة على احترام العقل والمنطق ، والقائمة على تقديم المصالح العليا للدين والوطن على جميع المصالح الأخرى ، والتي تمنح أعضاء الحزب حرية الفكر ، وحرية الاختيار ، وحرية التمييز ، وحرية الرأي ، بحيث أن من حقهم القبول فقط بتنفيذ الأوامر الحزبية الإيجابية التي تخدم الوطن وتراعي مصالحه الوطنية العليا ، وتلتزم بالشرع وتتوافق مع العقل ، وتلك هي الحزبية الإيجابية المتحررة والمنفتحة والمسئولة والعقلانية والمثالية، وهي موجودة فقط في مناهج وأدبيات الأحزاب السياسية المعتدلة والوسطية الفكر والمنهج، وذلك لأن المناهج السياسية والفكرية لهذه الأحزاب لا مكان فيه لمفهوم الطاعة الحزبية العمياء، فهي تحترم الإرادة الحرة للعضو، وتمنحه الحق في حرية الاختيار وحرية القرار، ويظل مقياس الطاعة الحزبية في الأحزاب الوسطية والتقدمية قائماً على مدى إلتزام قرارات ومواقف القيادة بالشرع والعقل والمصالح العليا للوطن، ومن حق العضو النقاش والتعبير عن رأيه، بل والرفض الاعتراض في حال تعارضها مع  الشرع والعقل والثوابت الوطنية وإضرارها بالمصالح العليا للوطن .