Image

استقبال رمضان في عدن .. زينة وخيام رمضانية .. استعدادات ممزوجة بالحنين إلى الدولة في ظل صراع الحياة والموت

بدأت الاستعدادات لاستقبال شهر رمضان المبارك في العاصمة المؤقتة عدن، تدب في شوارع واحياء المدينة رغم المنغصات التي تعيشها المدينة منذ عام الفوضى 2011، والتي افقدت السكان فرحة استقبال الشهر، وجعلتهم يدورون وينشغلون في البحث عن توفير لقمة العيش اليومية لأسرهم.

زينة رمضان الباهتة 
ويحاول سكان المدينة عبر اطفالهم المشتاقين إلى ليالي رمضان لممارسة طقوسهم التي يمارسونها من عام إلى آخر في ظل روحانية الشهر وقيمه الدينية، والتي تبدأ بتزين المنازل والشوارع بالأضواء، والزخارف التي يغلب عليها الطابع الديني مثل تعليق زينة تحمل شعار "الهلال والنجمة" والفوانيس، ومنارات المساجد وآيات قرآنية..
ويحاول سكان المدينة من خلال التزيين خلق أجواء تعبر عن قيمة الشهر الكريم الدينية، ونسيان الهموم التي فرضت عليهم وحرمتهم من توفير العديد من المواد الغذائية والاستهلاكية، وحتى تغيير بعض اثاث المنازل، والتي باتت من العادات التي يرجعها سكان المدينة إلى زمن الدولة، او "الزمن الجميل" ، حسب تعبيرهم.

التمسك بالعادات
وحول العادات الرمضانية في عدن، فإن الاهالي يتحدثون عما تشهده المدينة مع قرب حلول الشهر الكريم، من انتشار محلات الزينة، وعرض البضائع الرمضانية في العديد من المحلات، مع ازدحام الاسواق، وتغيير حتى الاجواء، التي يتميز بها نهار وليل رمضان.
ورغم المنغصات الرئيسية كأسعار السلع وغياب وتردي الخدمات، وغياب مصادر الدخل، وفقدان الأمن والطمأنينة، الا ان مشاهدة الزينة التي تنتشر في شوارع عدن، تجعل الأهالي يشعرون بشيء من الفرحة الرمضانية، ويدفع البعض للبحث عن مصادر توفير متطلبات الشهر ولو في حدها الأدنى.
يجمع العديد من أهالي عدن على ان مظاهر استقبال شهر رمضان تعد من الأمور التي تبث في الناس الروح، خاصة زينة الشوارع والمنازل والمحلات التجارية الكبيرة، رغم انقطاع خدمة الكهرباء لساعات.

الحنين إلى الزمن الجميل
وعند تنقلك في شوارع واسواق المدينة وأحيائها، تسمع دائما حديث الأهالي عن "الزمن الجميل" المقصود به زمن الدولة والنظام الذي كان قبل فوضى 2011، وتلك الكلمات التي تعبر بشكل واضح وصريح إلى زمن "عفاش" الرئيس اليمني السابق الشهيد علي عبدالله صالح.
لا تكاد تمر في أي منطقة في عدن الا وتسمع الترحم على "عفاش"، حتى في احاديث المواصلات وتجمعات "الاركان" التي تشتهر بها عدن ذات الطقس الحار، حيث يتجمع سكان الحارات في مناطق معينة تسمى "الأركان" في الحافات للتسامر والمقيل وتبادل الاحاديث والهموم.

مقارنة ذات بعد شاسع
ويقول "احمد جميل" وهو موظف حكومي لـ "المنتصف"، قبل فوضى 2011، لم نكون نفكر او نعاني في توفير احتياجات ومتطلبات رمضان او أي مناسبة دينية، كان هناك استقرار نفسي ومعيشي لدى المواطن، فالرواتب تصرف بأوقاتها المحددة شهريا، والاسعار وان طرأ عليها ارتفاع طفيف قبل شهر رمضان يكون نتيجة جشع التجار وليست مثخنة بأسباب عدة كما هو حاليا.
كما ان الخدمات خاصة الكهرباء والمياه، كانت متوفرة، كان يتم توفيرها للمناطق الحارة بشكل خاص، اليوم لا أحد يفكر بالمواطن وبما يعانيه فقط كل التكتلات والجماعات المتقاسمة للحكم تعمل لصالح عناصرها فقط.
اما "رفيدة خالد" ربة بيت فتقول: "في ظل الأوضاع المتردية يظل شغلنا الشاغل اليوم كيف نوفر ولو جزء بسيط من احتياجات رمضان، اما ايام "عفاش"، كنا نفرح بقدوم شهر رمضان ونقوم بتوفير جميع متطلبات الشهر من خلال عمليات تسوق واختيار اجود وعدة انواع من المواد والسلع الخاصة بالشهر، وكانت الاسعار في متناول الجميع، وفيها بركة، حتى ان رمضان ياتي مع رزقة كما يقال، كان يصرف لنا اكراميات في مناطق اعمالنا، ويتم توزيع معونات رمضانية من التجار والبيوت التجارية والأسر الميسورة.
وتواصل "رفيدة"، اليوم كل واحد مشغول بحياته الخاصة لم يعد هناك أي روحانية وبركة تسبق الشهر الكريم، تلك الجماعات جعلتنا نعيش صراع بين "الحياة والموت"، شعارها موت، اعمالها "موت" ولم تسمع منهم أي مشاريع تخدم المواطن او يتحدثون عن المواطن، فقط عن القتل والدمار والسفك والبطولات الزائفة، خلاص تعبنا وهرمنا ولم نعد قادرين على الاستمرار.

رمضان.. لا وجه مقارنة بين الدولة والفوضى 
العديد من سكان المدينة، يتحدثون بلسان واحدة، بانه لا يمكن المقارنة بين زمن الدولة التي كانت في عهد الرئيس السابق الشهيد الصالح، وبين زمن الفوضى الذي مر على البلاد 13 رمضان وهي الاعوام التي عاشها المواطن في صراع مع الحياة منذ فوضى 2011 وما افرزته من انقلابات وحروب.
يتحدث "ابو اسامة" وهو صاحب محل خضروات وفواكه في مدينة التواهي ، حول استقبال رمضان في عهد الدولة واليوم، فيقول:" لا يمكن المقارنة بالمطلق، لا من حيث اسعار المواد والسلع، ولا من حيث الخدمات التي كانت تقدمها الدولة والتي تكون ضرورية في شهر رمضان مثل الكهرباء والمياه والأمن والاستقرار"، فضلا عن اهتمام الدولة بالمواطنين والموظفين على وجه الخصوص من خلال صرف حوافز واكراميات وعلاوات او تحت أي مسميات كانت تصرف في رمضان". اليوم الموظف لا يحصل على راتبه الذي لم يعد يساوي شيء امام ارتفاع الاسعار".

اما الاستاذة " فوزية المحضار" وهي معلمة في احدى مدارس البنات في المعلا بعدن، فتقول، ليس هناك أي وجه للتشابه بين الماضي الجميل فعلا، وبين ما نعيشه اليوم، كنا حتى ننتقد اذا طفت الكهرباء ساعين في 24 ساعة، اليوم تلصي فقط 8 ساعات في اليوم والليلة، ولا نعرف من ننتقد او من المسؤول عن ذلك، وهكذا بات المواطن يدور في البحث عن لقمة العيش فقط، ولم يعد يفرح بالشهر الكريم او بالاعياد، فقط يظل يفكر كيف سيوفر لقمة العيش والاشياء الضرورية للأسرة.

وتتابع الاستاذة فوزية، كان راتب الموظف يكفي لمواجهة جميع متطلبات رمضان، اليوم لا يمكن ان يوفر ثلاث سلع فقط من ضرورية الشهر، فقط يكفي ان تعرف ان الكيس الرز عبوة 40 كيلوجرام قيمته اكثر من 88 الف ريال، أي اكثر من راتب شهر الذي لا يتجاوز 75 الف ريال، وقيس الباقي على ذلك.

الخيام الرمضانية 
بعد انتظار كبير من قبل عدد من الاهالي في عدن، لبدء افتتاح ما يسمى بالخيام الرمضانية التي تعرض من خلالها عدد من السلع والمواد المتعلقة بالمطبخ خلال رمضان المبارك، تم افتتاح ثلاث خيام رئيسية في عدن كلها واحدة في مديرية الشيخ عثمان، واخرى في الشابات بمديرية خور مكسر، والثالثة في مديرية المعلا.
وعند زيارتنا لتلك الخيام للتعرف على نوع السلع والمنتجات المعروضة فيها واسعارها، وجدنا معظم ما يتم عرضه في الخيام منتجات محلية، او لوكلاء بضائع خارجية معظمهما هذه المرة قادمة من الدول الافريقية، في ظاهرة غريبة ولأول مرة على ما يبدو.

وما لمسناه من الزائرين ومرتادي تلك الخيام ان فارق السعر بين البضائع المعروضة فيها والمعروضة في الاسواق والمحلات، لا تكاد تتجاوز الـ 500 ريال فقط، الا ان معظم المعروض في الخيام سلع افريقية ومن منشأ غير معروف للاهالي، الامر الذي دفع القائمين على تلك المنتجات في الخيام إلى تقديم عروض او منح المتسوقين فيها نماذج منها لتجربتها.

ويبحث المواطن في عدن عن الاسعار الرخيصة لعدد من المنتجات المتعلقة برمضان، حتى يتمكن من توفيرها للأسرة خلال الشهر في محاولة منهم احياء طقوس الشهر المتميزة المتعلقة بالموائد الرمضانية المنزلية، لكنه لم يعد يجد ما يلبي حاجاته المقيدة بميزانية دخل محدودة للغاية ولم يطرأ عليها أي تغيير منذ سنوات الفوضى، رغم ما تطرأ من تغييرات كارثية بسعر العملة المحلية والتي وصل سعرها حاليا إلى 1622 ريال للدولار الواحد، بعد ان كانت في الزمن الجميل لا تتجاوز 180 ريال للدولار.

تحضيرات في المساجد
وفي هذا الصدد، تجد الاستعدادات من قبل القائمين على المساجد المنتشرة في المدينة قائمة من خلال التحضيرات عبر نصب مكبرات صوت خاصة بالشهر الكريم كما هو الحال كل عام يتم نصبها في شعبان وازالتها في شوال عقب انتهاء الشهر والابقاء على مكبرات الصوت التي تعمل طوال العام.
كما تشهد العديد من المساجد محاضرات دينية من قبل مشائخ السلفية للحديث عن الصوم والعبادات وفضائل رمضان ، وغيرها من الأمور الدينة المتعلقة بالعبادات، الامر الذي يجعل المواطن في عدن يشعر بقدوم رمضان، بعيدا عن منغصات الحياة التي فرضت على سكان المدينة وجميع اليمنيين والتي تتصاعد مع مرور كل عام منذ سقوط الدولة وانهيار النظام واجتياح الفوضى للبلاد.

منغصات وتحديات 
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يواجه العديد من سكان المناطق المحررة منغصات وتحديات افرزتها فوضى 2011، وجعلت منها معاناة متصاعدة على اليمنيين، والمتمثلة بارتفاع سعر الصرف وغلاء المواد الغذائية، وغياب الخدمات.
هذه المنغصات ليست جديدة على سكان اليمن، فهم يعيشونها يوميا منذ 13 عاما، تزداد مع زيادة تدهور سعر الصرف وارتفاع الاسعار، وغياب الخدمات وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، فهي من آثار الحرب والصراعات المستمرة التي تسببت بها مليشيات الحوثي وحلفائها الارهابيين.
إن تأثير حروب الحوثيين تتصاعد كل عام، حتى انها وصلت إلى البحر الأحمر وبدأت تأثيراتها تطرأ على اسعار السلع المستوردة بعد توقف حركة الملاحة نحو الموانئ اليمنية، او ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين البحر واغيرها من العوامل التي افرزتها هجمات الحوثيين الارهابية على الملاحة خدمة لايران.

اليوم زادت تلك المغامرة الجديدة لجماعة لا تراعي الجوانب الدينية او الانسانية والأعراف او العادات، بل تسعى لتنفيذ مخطط على حساب الابرياء، ما جعل الأزمة تنعكس على المواطن والاهالي في الداخل اليمني والتي تجسدت بعدم قدرة الاسر على شراء متطلبات رمضان، او حتى الفرحة بروحانية الشهر وطقوسه الدينية.
هذا يعني أن الكثير من الأسر المحتاجة ستواجه صعوبة في توفير الطعام الكافي لإفطارهم وتحضير وجباتهم الأساسية خلال شهر رمضان.