Image

قصة مؤامرة تدمير "اليمن السعيد".. إيران استخدمت العنف المبطن والمُعلن من خلال الحوثيين لتمزيق الوطن "أرضًا وإنسانا"

منذ فجر التاريخ، يتردد وصف "اليمن السعيد"، على تلك الأرض الطيبة، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.. فقد امتدت أيادي الخراب، ومعاول الهدم، ومؤامرات الفتنة، ومخططات التفرقة بين أبناء البلد الواحد، فتحول الأبيض إلى أسود، والأخضر بات يابسًا، و أطل الشيطان برأسه البغيضة، ممثلا في جماعة الحوثي الإرهابية، متدثرة برداء الانتساب إلى "آل البيت"، والعترة الطاهرة منهم براء.

وصف "اليمن السعيد" أطلق على بلدنا الحبيب، منذ أكثر من قرن، من مستشرقين غربيين مثل: فون هافن وكوركيل هانسن، حين كان اليمن يحمل شيئاً من آثار سعادته وتاريخه العظيم، قبل أن يغرق في مستنقع الحروب، طائفيةً كانت أم باسم "نكبة 11 فبراير" الربيع العبري فيما بعد، أو نزولاً عند رغبات إيران التوسعية.

وإيران، الدولة ذات التاريخ الطويل والمميز بدورها، تحولت منذ العام 1979 إلى قوةٍ مدفوعةٍ بغطاءٍ ديني، من أجل تحقيق طموحاتٍ ومصالح محددة، وبحجج مختلفة منها التاريخية وأخرى سياسية وغيرها جغرافية، فكيف أصبح اليمن إحدى ضحايا هذه الأطماع؟
شهد العصر الحديث، بعد الثورة الخُمينية في إيران عام 1979 منعطفات وتحولات في العلاقات بين البلدين، فتارة يلوح بصيص أمل في التحسن والتطور، وتارة تصل إلى حدة التأزم، بسبب التدخلات المباشرة في الشؤون الداخلية لليمن من خلال الذراع الإيرانية، وهي الحركة الحوثية في شمال اليمن وتحديداً محافظة صعدة، ودعمها اللوجستي لها مما كان له انعكاساتٌ على الأمن القومي اليمني، وأمن منطقة الخليج العربي، ثم على المنطقة بأسرها بعد الهجمات على السفن المارة في البحر الأحمر، وخليج عدن.

إيران أسست للطائفية السياسية
حاولت إيران تصدير ثورتها إلى محيطها العربي، مما جعلها تؤسس لنوعٍ من الطائفية السياسية التي أخذت تتشكل بوضوح من خلال تدخلاتها بدولٍ كاليمن ولبنان والعراق.
وبالنسبة لليمن، عملت محافظة صعدة التي تعد معقلاً للطائفة  الشيعية، وتقع شمال اليمن على إعادة إحياء معاهدها ومؤسساتها الدينية. 
وبدءاً من 1990، برزت شخصيتان من هذه المنطقة هما بدر الدين الحوثي وابنه حسين زعيما حزب "الحق"  بصفتهما الداعيين الرئيسيين لعقيدة الحركة الدينية السياسية التي أصبح أتباعها معروفين بالحوثيين.

وفي العام 1992، أسس حسين الحوثي تنظيم "الشباب المؤمن"، المعروف أيضاً باسم "حركة أنصار الله" من أجل مواجهة الحكومة اليمنية، ويذكر أنّ اليمن، وقف قبل ذلك بصورةٍ مباشرةٍ مع العراق في حربه مع إيران بين عامي 1980 و1988.
هذه الحركة، لم تقم بمواجهة الحكومة اليمنية من فراغ، إذ وقفت خلفها إيران، لوجستياً وأيديولوجياً، خلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي كبداية.
دعم وتوظيف "التجمعات الشيعية" في البلدان العربية
وفي هذا السياق، ترى الكاتبة اليمنية المتخصصة في بحوث الحرية والديمقراطية بشرى المقطري، أنّ "إيران تعمل على  دعم وتوظيف (التجمعات الشيعية) داخل البلدان العربية، على اختلاف مذهب بعض هذه التجمعات عن مذهبها الشيعي، وتقديم نفسها راعياً إقليمياً لها، لاستخدامها كورقة ضغط ضد الحكومات العربية لخدمة مصالحها الاستراتيجية".

وتضيف المقطري في قراءتها حول الواقع اليمني، والمنشورة العام 2015 في موقع "البيت الخليجي" للدراسات، أنّ "أتباع المذهب الشيعي في اليمن لم يكونوا يعانون من تمييزٍ دينيٍ أو اجتماعي، لكن استضافتها لقياداتٍ في السابق، مثل بدر الدين الحوثي، وصلاح بن فلتة، أفرز فيما بعد تقارباً سياسياً بين شيعة اليمن وقيادة إيران السياسية، ومن ثم بدأت فيما بعد (التسعينيات) مرحلة استغلال ضعف الدولة المركزية اليمنية سياسياً واقتصادياً، ليخلق الحوثيون مظلوميتهم، متبنين شعارات الثورة الإيرانية".

المظلومية المفتعلة
وبسبب هذه المظلومية المفتعلة ايرانيا، نشأت ستة حروبٍ في اليمن (2003-2006) أضعفت من بنية البلاد الاجتماعية والأمنية.
وكان الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري، أكد من خلال موقع "الجزيرة" في العام 2013، أنّ إيران "بذلت جهوداً كبيرة لنشر التشيع في اليمن طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عبر استقدام بعثات طلابية يمنية للدراسة في إيران ولبنان، واستمرت في هذه السياسة... لتصبح أكثر جدوى بالنسبة إليها بعد اندلاع "نكبة 11 فبراير" في 2011، حيث أخذت في تجنيد واستقطاب شباب وناشطين وتسفيرهم خارج اليمن، تحت لافتة إقامة مؤتمرات وورش عمل وندوات يستدعى لها عدد من الناشطين الشباب والأكاديميين ومشايخ القبائل وغيرهم، للحضور إلى بيروت أو طهران ... وكان في كل مرة يتم اختيار مجموعة منهم وتأهيلهم لما بعدها من دورات إعلامية أو أمنية أو عسكرية أو سياسية، وذلك رداً على توقيع المبادرة الخليجية بشأن انتقال السلطة سلمياً في اليمن آنذاك".
وأدت إلى تزايد وجود إيران السياسي والعسكري في سوريا ولبنان واليمن، وقبلها العراق منذ احتلاله، وكان واضحاً أنّ العراق نموذج للدولة العربية التي يمكن لإيران التدخل في مفاصلها الحيوية، اعتماداً على ضعفها وتحطمها بعد الحرب والمشاكل الاقتصادية، وشيوع الطائفية السياسية. مما يشير بوضوحٍ إلى طبيعة البيئة التي ربما تفضل السياسة الخارجية الإيرانية أن تخلقها، أو أن تكون موجودة في البلد العربي الذي تتدخل فيه؛ إذ يجب أن يتحلى بالضعف والفشل والانقسام الطائفي في أسوأ الأحوال، مما يجعل قبول أي تدخل، على أنّه ينم عن نوايا حسنة، أمراً شبه مستحيل.

سعت بذلك إيران على تحويل حالة "الربيع العبري او ما تسمى نكبة 11 فبراير" لصالحها إن أمكن، كما حصل في سوريا مثلاً. وكما تحاول أن يحصل في اليمن، رغم مواجهتها للتحالف العربي هناك، وعدم قدرتها حتى اليوم على تحقيق أهدافها، مؤدية بإصرارها على دعم الحوثيين وميليشياتهم المسلحة، على المساهمة في إطالة الحرب في اليمن، وتحويله إلى مستنقعٍ للخراب والدمار.
وفي دراسةٍ ميدانيةٍ وبحثيةٍ موسعة، أجراها مركز "أبعاد" اليمني للدراسات والبحوث حتى العام 2018، ونشرت في موقعه الرقمي الرسمي، تظهر أرقامًا مخيفة حول جرائم الحوثيين حتى نهاية العام 2017 في اليمن، عدا عن تدمير البُنى التحتية هناك، وتدمير الحياة الاجتماعية، من خلال تقويض الأمن وظروف الحياة الطبيعية التي تسببت في تحطيم حياة الكثير من الرجال والنساء والأطفال، إضافةً إلى "تعطيل الاقتصاد اليمني، ومواجهة أي محاولاتٍ لإنهاء الحرب والبدء بعمليةٍ سياسية تعيد الاستقرار في اليمن".
وتتحدث الدراسة الموثقة، عن "دعم إيران للحوثيين، لإبقائهم كجرس إنذارٍ لتشكيل الخطر ضد السعودية ودول الخليج العربي، كما أنّها ومن خلال الحرس الثوري الإيراني، استطاعت تهريب قطع الأسلحة والصواريخ إليهم، خصوصاً بعد انطلاق عملية عاصفة الحزم، من أجل إلحاق الأذى بالسعودية والإمارات، من خلال تقنيات صواريخ لم يكن ممكناً لليمنيين عموماً امتلاكها من قبل".

قامت إيران باستغلال النكبة منذ اندلاعها لتحويلها إلى عنف يفتح باب التدخل الإيراني.

عنف ميليشيات الحوثيين
ومما سبق، يتضح أنّ تنظيم مليشيات الحوثيين، وأساليب وتقنيات تسليحها، إضافةً لاستخدامها العنف المفرط ضد المدنيين في اليمن، دون أن تقبل بحلولٍ سياسيةٍ داخلية، عمل على إطالة أمد الحرب واستنزاف اليمن بشراً وأرضاً، واستهداف الدول العربية المحيطة، من أجل فرض نوعٍ من السيطرة الخارجية المطلوبة من قبل إيران، لجعل اليمن حصان طروادة الذي يهدد الخليج العربي على الدوام.
أما بخصوص سياسات إيران في علاقتها مع اليمن، فيبدو جلياً أنّها ليست علاقة طبيعية، بل قامت على استغلال تلك النكبة المشؤومة منذ اندلاعها، وتحويلها إلى عنفٍ يفتح باب التدخل الإيراني، والسيطرة على الحكم في اليمن إن أمكن، وتحقيق مطامع اقتصادية (التحكم بمضيق هرمز) وأخرى سياسية.
كما أسهمت طهران في تسليح حلفائها الحوثيين، ومنع أي استقرار، كما أنّها حولت العامل الديني الطائفي، إلى سلاحٍ ضد اليمنيين، فتسببت في اقتتالٍ  يخدم مصالح إيران تحت عباءة الدين.
إنّ تاريخ العلاقات اليمنية الإيرانية، أصبح مخضباً بالدماء، منذ اللحظة التي اختارت فيها إيران استخدام العنف المبطن والواضح أيديولوجياً وعسكرياً من خلال الحوثيين، ليمزق اليمنيين أنفسهم من أجل بزوغ كيانٍ جديدٍ يمثلها، وحتماً سيكشف التاريخ حجم وتفاصيل دمار اليمن السعيد على يد طموحات إيران غير المشروعة، ولو أنّه لم يكن بهذه السعادة قبل الحرب، إلا أنّه لم يكن يوماً، بحاجة إلى كل هذا الدمار.