السياسة بين الشرع والعقل والإنفعالات ..!!
السياسة أمر من أمور الحياة المهمة والضرورية ، وتهتم بشئون المجتمعات البشرية ، وكيفية إدارة منظومة الحكم فيها ، ودائماً ما ينظر الكثير من الناس إلى السياسة من المنظور المادي ، وهذه هي السياسة المادية البشرية ، بعكس حال نظرة الدين الإسلامي للسياسة ، فهو ينظر إليها من منظور مثالي وشرعي ، وهذه هي السياسة الشرعية الإسلامية المثالية ، التي تهدف إلى تحقيق الخير والصلاح والسعادة للبشر ، ونظراً لهيمنة النزعة المادية داخل النفس البشرية ، فإنها عادةً ما تميل إلى السياسة المادية ، وتعمل على الابتعاد عن السياسة الشرعية ، كونها تكبح الأهواء والأطماع والنزوات المادية داخل النفس البشرية ، وتعمل على تنظيمها وضبطها والسير بها نحو الإيجابية والمثالية ، لذلك يمكننا القول بأن السياسة الشرعية في المنهج الإسلامي بمفهومها الصحيح والكامل ، لم يتم تطبيقها على أرض الواقع ، إلا خلال فترة العهد النبوي والخلافة الراشدة ، وبعد ذلك بدأت السياسة في المجتمع الإسلامي تميل شيئاً فشيئاً نحو السياسة المادية ، لتصبح السياسة الشرعية الإسلامية مجرد شعارات ، يتم رفعها والمزايدة بها واستغلالها ، لمصلحة السلطات الحاكمة ..!!
وطالما ......
والسياسة المادية هي السائدة اليوم في كل المجتمعات البشرية ، فإننا سوف نتحدث عنها كأمر واقع ، وسوف نوضح بأنه حتى السياسة المادية ، لم يتم التعاطي معها بمفهومها الصحيح ، من القيادات السياسية في المجتمعات العربية ، فالسياسة المادية بحسب مفهومها الغربي ، هي فن الممكن وصولاً لتحقيق أعلى درجات الفائدة والمكسب ' ويتحكم فيها كلاً من العقل والمصلحة ، ولا مجال فيها للعواطف والانفعالات ، فالمسألة هنا بالنسبة للعقل السياسي المادي مسألة مكسب وخسارة ، وأي فعل سياسي سوف يعود عليه بالخسارة ، فإنه لن يخاطر بفعله أبداً ، وأي فعل سياسي سوف يعود عليه بالمكسب ، فإنه لن يتردد في فعله ، ومن هذا المنطلق نلاحظ نجاح السياسات الغربية ، في كل المجالات كونها سياسات يتحكم فيها العقل والمصلحة ، ولا مجال فيها للمخاطرة والمجازفة ، ولا مكان فيها للعواطف والانفعالات ، بعكس الحال لدى الفاعلين السياسيين العرب ، حيث نلاحظ فشل الكثير من سياساتهم ، لأن معظمها نتاج إنفعالات وعواطف ، بعيدة كل البعد عن العقلانية والمصلحة ..!!
وذلك يقودنا إلى أن الفاعلين السياسيين العرب ، لم يتمسكوا بالسياسة الشرعية الإسلامية ، لأنهم لو عملوا بها كما ينبغي ، لأرشدتهم إلى طريق الحق والصواب ، ولحققت لهم ولشعوبهم الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، وفي نفس الوقت لم يستوعبوا السياسة المادية بالشكل المطلوب ، لأنهم لو استوعبوها كما ينبغي ، لضبطوا كل سياساتهم وتصرفاتهم بضابط العقل والمصلحة ، ولحققوا لأنفسهم ولأوطانهم وشعوبهم على الأقل النجاح المادي الدنيوي ، لتصبح السياسة بالنسبة للفاعلين السياسيين العرب ، عبارة عن تصرفات وأفعال مزاجية وإنفعالية تتحكم فيها الأهواء والعواطف والانفعالات والمواقف اللحظية ، وما يحدث اليوم على المشهد السياسي العربي من إنتكاسات سياسية ، وانسانية وإجتماعية ، وحروب وصراعات دامية ، هو النتيجة الطبيعية والمنطقية ، للسياسات الإنفعالية والمزاجية للفاعلين السياسيين العرب ، فلا هم بالذين تمسكوا بالسياسة الشرعية الإسلامية كما يجب ، ولا هم بالذين استوعبوا السياسة المادية العقلية المصلحية وعملوا بها كما ينبغي ، ( لا شرع ولا عقل ولا مصلحة ولا دنيا ولا آخرة ) ..!!