دور الحضارة اليمنية القديمة في مسيرة التطور الفكري والسياسي والإجتماعي الإنساني ..!!

10:53 2024/02/20

من يبحث في تاريخ الحضارة اليمنية القديمة ، سوف يندهش من التطور والرقي الحضاري ، الذي وصلت إليه تلك الحضارة في جميع مجالات الحياة ، وسوف ينذهل من إسهاماتها الكثيرة في مسيرة تقدم وتطور الحضارة البشرية ، لأن التقدم والإنتاج الحضاري البشري ، هو عبارة عن سلسلة متواصلة من العطاءات والإنجازات البشرية ، وكل حضارة بشرية ساهمت بشكل أو بآخر في تقدم الحضارة الإنسانية ، وما تعيشه البشرية اليوم من تقدم علمي وحضاري ، هو ثمرة تلك العطاءات والمساهمات المتراكمة ، لجميع الحضارات الإنسانية ، وفي مقدمتها الحضارة اليمنية القديمة سبأ وحمير ، وما تلك الآثار الحضارية الكثيرة المنتشرة في ربوع اليمن ، في مختلف جوانب الحياة المادية المعمارية والزراعية والتجارية والصناعية ، وما تلك القصور والسدود والمدرجات الزراعية والنقوش والمدن والحصون والقلاع ، إلا مؤشرات على الإسهام الحضاري العظيم الذي قدمته حضارة سبأ وحمير ، في مسيرة الحضارة البشرية ، هذا طبعاً في الجانب المادي ..!!

أما بالنسبة للجانب الفكري والسياسي والإجتماعي ، فهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على مدى الرقي الحضاري لتلك الحضارة العظيمة ، ومن أهم تلك المؤشرات ، كان نظام الحكم في اليمن نظاماً ملكياً دستورياً ، حيث كان يتم إختيار الملك عن طريق مجلس الأقيال وهم حكماء ومشائخ القبائل اليمنية ، والذين كانوا بمثابة مجلس استشاري ، لا يستطيع الملك البت في القضايا الهامة ، إلا بعد موافقة ذلك المجلس ، وقصة الملكة بلقيس الواردة في القرآن الكريم خير دليل على ذلك ، وهذا مؤشر على رقي الفكر السياسي لحضارة سبأ وحمير ، أما في الجانب الإجتماعي فقد كانت العديد من الحضارات والقبائل البشرية ، لا تزال تنظر إلى المرأة نظرة دونية ، نتيجة الجهل والتخلف ، وقد وصل الحال ببعض المجتمعات البشرية إلى دفن ووأد البنات وهن أحياء بين التراب ، بينما كانت المرأة اليمنية الحرة الكريمة تحظى بمكانة عالية وراقية ورفيعة في الحضارة اليمنية ، لدرجة جعلتها تتولى الحكم وتدير شئون السلطة بكل جدارة واقتدار ( الملكة بلقيس أنموذجاً ) ..!!

وأما في الجانب الفكري والعقائدي ، فقد كان السبئيون والحميريون ذات نظرة ثاقبة في موضوع العبادة والاعتقاد ، فقد يمموا وجوههم نحو السماء نحو العلياء ، ففي البداية عبدوا الشمس لفترة معينة ، وعبادتهم للشمس كوحدة واحدة ، كانت دليل على اعتقادهم بوحدانية الألوهية ومكانتها العالية والعظيمة ، وهذا دليل على رقي فكرهم الديني ، وبعد دخول الملكة بلقيس في دين نبي الله سليمان ، انتقل اليمنيون إلى مرحلة التوحيد والإيمان بالكتب السماوية ، وهناك بعض الروايات التاريخية تقول بأن الملك المؤمن ذو القرنين الذي حكم مشارق الأرض ومغاربها من اليمن ، وفي فترة متأخرة من تاريخ الحميريين إعتنق الكثير منهم الديانة اليهودية ، وذلك في عهد التبع اليماني ذو نواس ' واستمروا على ذلك الحال حتى ظهور الدين الإسلامي ، الذي دخلوا فيه أفواجاً وناصروه وحملوا رايته في مشارق الأرض ومغاربها ، وأستمر البعض منهم في اعتناق اليهودية حتى يومنا هذا ، في ظل الحرية الدينية التي كفلها الإسلام ، وفي ظل الوعي الديني والتسامح الحضاري الذي يتمتع به أبناء اليمن ..!!

كل ذلك التطور والرقي الفكري والسياسي والاجتماعي الذي كانت تعيشه الحضارة اليمنية القديمة ، ودورها الرائد في مسيرة الحضارة البشرية ، مدعاة لأن يفتخر كل أبناء اليمن في كل زمان ومكان ، بتلك الحضارة العظيمة والخالدة ، ومدعاة لأن يستلهموا منها الدور الريادي في التطور والتقدم الحضاري ، ومدعاة لأن تدفع بكل أبناء اليمن نحو الإنطلاق في طلب العلم والمعرفة ليلحقوا بركب الحضارة الإنسانية ، بعد أن تأخروا في هذا الجانب بسبب بعض الظروف والاحداث السياسية التي وقفت عائق أمام طموحاتهم التقدمية والحضارية ،  كونهم أصحاب موروث حضاري عظيم ' فالإرث الحضاري له دور كبير في تحفيز الأجيال نحو الإبداع والتميز والرقي الحضاري ..!!