النفاق السياسي ..!!

02:34 2024/02/19

هناك العديد من الناس يمتلكون قدرة عجيبة على التلون وتبديل أقنعتهم وتغيير مواقفهم ومبادئهم وقيمهم بحسب ما تقتضيه مصالحهم الشخصية والمادية الضيقة ، وهكذا مواقف تندرج ضمن النفاق السياسي ، وهكذا عينات من البشر هم أكثر خطراً على النظام السياسي والإجتماعي المتعارف عليه في مجتمعاتهم ، وهم أكثر خطراً حتى على المعتقدات الدينية السائدة وعلى القيم والأفكار والمبادئ والثوابت الوطنية والقومية ، لأنهم وفي سبيل مصالحهم الشخصية الضيقة ، سرعان ما يتنصلون عن كل ذلك ، وسرعان ما يتبنون مواقف جديدة ، تتعارض تماماً مع مواقف سابقة لهم ، فتراهم يتنقَّلون في عالم السياسة والدين والمعتقدات والأفكار ، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، ومن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ' وهكذا ' ودائماً وأبداً ما تكون بوصلة مواقفهم وتحركاتهم في أتجاه المصالح والمكاسب والمناصب ..!!

كل ذلك التلوُّن والتبدُّل في مواقف هكذا أشخاص ، هو نتاج عدة أسباب منها ' المعاناة من أمراض وعقد نفسية ، ناتجة عن عدم الثقة بأنفسهم ، والإفراط في حب الذات ' وحب السيطرة وحب الظهور بأي طريقة كانت ، ولو على حساب المبادئ والثوابت الوطنية والقومية ، وهكذا أشخاص عادةً ما يلهثون خلف الطرف الأقوى ، ليلتمسوا القوة منه ، وخلف الأغنى ليلتمسوا الرزق منه ، بحسب نظرتهم القاصرة للحياة ، وبحسب ضعف إيمانهم ، وهكذا أشخاص هم سبب إنهيار القيم السامية ، والمبادئ الراقية ، والثوابت والأخلاق العظيمة في كل زمان ومكان ، فهم يبيعون آخرتهم بدنياهم ، ويبيعون مواقفهم ومبادئهم بعرضٍ دنيوي زائل ، ويبيعون إحترامهم لأنفسهم واحترام الناس لهم بمصالح شخصية ضيقة وآنية ..!!  

فكم ضاعت من ثوابت وقيم دينية وقومية ووطنية ، بسبب النفاق السياسي ، وكم سقطت من قضايا قومية ووطنية بسبب خذلان أرباب النفاق السياسي ، وما يعانيه مجتمعنا العربي من إنهيار للقيم الدينية والأخلاقية وضياع للحقوق العربية ، وما يتعرض له من فتن وحروب وصراعات ، هو النتيجة الطبيعية للسلوكيات السلبية لأصحاب المصالح الشخصية وأرباب النفاق السياسي ، الذين فرَّطوا في كل شيء ، في سبيل حصولهم على بعض المصالح الشخصية ، والمكاسب المالية والسلطوية ، وكل ذلك يصل بنا إلى نتيجة غاية في الأهمية ، مفادها بأن الثوابت والقيم والمبادئ والقضايا الوطنية والقومية بإختلاف أنواعها ، ليست في نظر أرباب النفاق السياسي إلا عبارة عن أدوات يمكن عرضها في المزاد للمتاجرة والبيع والشراء ، وهو ما يقود المجتمعات نحو السلبية والضعف والهوان ..!!

فعندما تطغى المصالح الشخصية والمادية ، على الثوابت والمبادئ والقيم الروحية والقومية والوطنية ، فعلى الدنيا السلام ، لأنك قد تجد أرباب النفاق السياسي في لحظة من الزمن ، وهم يرفعون شعارات الحرية والعدالة والدولة المدنية الحديثة ، وبعد فترة قصيرة تراهم وقد باعوا القضية برمتها، ليجنوا الأموال والمصالح والمكاسب والمناصب ، وليقفوا بدون خجلٍ أو حياء ، في صف السلطة مبررين ظلمها وفسادها وفشلها ، لذلك كان وما يزال وسيظل النفاق السياسي سبباً أساسياً لكل المصائب والكوارث التي تحل بالدول والأمم والأوطان والحضارات والأديان في كل زمان ومكان ، لأنك تجد أرباب النفاق السياسي دائماً وهم عبيداً للأقوي ، وتراهم دائماً وهم يتسكعون في أبواب السلاطين والحكام ، ليثبت لنا التاريخ وكذلك لتثبت لنا الأحداث التي نعيشها اليوم ، بأنهم دائماً ما يقفون في الجانب الخطأ ، وعادةً ما يقفون في صف الباطل وضد الحق ، وفي صف الظلم وضد العدل ، وفي صف الأقوياء وضد الضعفاء والمساكين ، وفي صف الحكام والمتنفذين وضد ابناء الشعب ، وفي صف المصالح والمكاسب وضد الثوابت والمبادئ والقيم السامية والعظيمة ..!!