نكبة فبراير التي أزاحت دولتين عربيتين!

09:27 2024/02/12

كلما عاد فبراير المشؤوم تعود إلى الذاكرة وقائع  تفكيك دولتين عربيتين،  هما اليمن وليبيا. 
فهل كان علي عبدالله صالح ومعمر القذافي من السوء والإجرام بحيث استحقا تلك الطريقة من الإقصاء والقتل، وحتى إخفاء قبريهما وتشرذم بلديهما، وتشريد شعبيهما، وتبديد ثروات وقتل أرواح، ثم الإجهاز تمامًا على الدولتين؟ .

يقول ماكس فيبر عالم الاجتماع الفرنسي مستكملًا ما قدمه العلامة ابن خلدون: بأن "الدولة هي ارقى صيغ العيش المشترك بين السكان، ويجب الحفاظ عليها  لديمومة الحياة والتعايش والعمران والمدنية".

انظر عزيزي القاريء بمنظار محايد لصورة ليبيا واليمن قبل وبعد، مثلما تقدم عيادات التجميل دعايتها الجاذبة في إصلاح ما افسده الدهر قبل وبعد.  
أنا عشت في اليمن سنوات، وكذلك عرفت ليبيا جيدًا، كانت الحياة فيهما تنبض وتتساب الناس إلى شؤونها بكل آمن ودعة، وتطلُّع إلى شيء من الأمل في ان يكون الغد اجمل. 
كانت هناك مدارس وجامعات ومعاهد مجانية يذهب إليها التلاميذ ويعودون إلى بيوتهم سالمين بلا خطف او تنكيل او تجهيل. كان الموظف يتقاضى راتبه في نهاية كل شهر والكهرباء والماء، وحتى فاتورة الهاتف المنزلي شبه مجانية . كنت تجد بناء ومشاريع تشيَّد ودول مهابة ومطارات تشتغل، والأهم من كل ذلك أن المواطن ينام وينهض في الصباح ولديه دولة تحميه و تحقق له الأمن والاستقرار والانتقال والسفر بكل حرية وراحة..

واليوم ضاع الأمن والأمان، وانتشرت المليشيات والخطف والقتل والنهب والسلب، وظهور  كائنات ومخلوقات غريبة لا هم لها سوى السرقة والإفساد، وتدمير كل ما له علاقة بمفهوم الدولة القادرة، وإبقاء صور شكلية عن الدولة لغرض البطش والفتك بالمعارضين  والعبث بمقدرات ألناس.  
اتذكر في عام ٢٠٠٨ ذهبت إلى ليبيا للقاء المهندس سيف الإسلام القذافي، والذي كان يقدم مشروعًا ليبيًا للتحديث وتطوير الدولة والمؤسسات، فتعرفت على  سائق السيارة الذي نقلني إلى مكتب المهندس سيف وأعادني إلى فندق المهاري في العاصمة طرابلس، وهو نفسه كما علمت لاحقا كان يسوق سيارة سيف.. و فوجئت بعد سنوات ان ذلك الشخص نفسه هو اليوم  عبد الحميد دبيبة يحكم جزءًا من ليبيا وتعترف بسلطته  أمريكا وبريطانيا والغرب باجمعه، وتمنحه السويفت المالي وحق التوقيع على صكوك المصرف المركزي الليبي، ولا تعترف بأي قرار او جسم معين من البرلمان الليبي المنتخب!

نفس الأمر تكرر في اليمن، فقد تم تسليم السلطة بطريقة ما إلى الحوثيين وجيء بشخص يترأس مجلس الحكومة، يقول بعض الأخوة اليمنيين بانه كان بائعًا متجولًا  في  صنعاء، ومن ثم ليخلفه غلام اخر يدعى المشاط، ويصر على حمل رتبة المشير التي كان يحملها الرئيس العربي الشهيد علي عبدالله صالح. 
يا لها من مفارقات لا تأتي مصادقة كما يقول علماء اللغة العربية ،مصادفة أصح من صدفة.. ولا مصادفات في السياسة.
ان ما جرى في البلدين العربيين المهمين ليس تغييرا عفويا او استجابة شعبية إنما كان تتويجًا لمشاريع أمريكية وصهيونية في تدمير ممنهج لكل ركائز الأمة العربية، واستغلال بعض السلبيات، ووضع حركات الإسلام السياسي في سدة الحكم من أجل القول انها تغييرات داخلية. 
ضياع اليمن وليبيا وقبلهما العراق، دمر كل شيء في هذه البلدان،  وطنًا ودولة وانسانًا أيضآ لم يكن مصادفة. 
الضحية هي الشعوب التي ضاعت بين شعارات الديمقراطية المزيفة وصرخات "إرحل إرحل"، والتي من بعدها تم ترحيلنا جميعا عن أوطاننا إلى فضاء  الغربة والتشرد، حيث نتابع مأساة او قل عذابات أوطان مهمشة كان لها صولات وجولات، ولم تعد بعدما كانت تسمى بلاد الرافدين او ليبيا المختار و جوهرة المتوسط او سبأ وقحطان والجنتان عن يمين وشمال. ورغم كل ذلك،  الأمل لا ينتهي ما دامت الحياة والشعوب ولَّادة.. ولا بد من صنعاء وإن طال السفر.