عشر سنوات من الزيف والضجيج
لم تكتفي ميليشيا الحوثي بالسيطرة على المؤسسات وحوثنة الوظيفة العامة والهيمنة السلالية على الهرم الإداري في كل المرافق الحكومية المدنية والعسكرية والأمنية والتعليمية والدينية، ووصلت في عبثها واستخفافها بمقدرات الشعب اليمني إلى حد تحويل الملكيات العامة إلى ملكيات خاصة يتصرف الحوثي بها وبمقدراتها كيف يشاء ويهب إدارتها لمن يشاء من أتباعه وتسخيرها لخدمة مشاريعه السياسية والطائفية.
وباء سلالي اجتاح كل شيء وسيطر على كل شيء وصادر كل شيء ومنح نفسه الحق في امتلاك اليمن وتنصيب نفسه وصياً على اليمنيين الذين أصبحوا يعيشون في إقطاعية الحوثي الذي يتعامل مع اليمن كإرث سلالي ووحده من يمتلك الحق في تقرير مصيره واختيار هويته وثقافته وأخلاقياته، وكأن هذا الشعب وجد على هذه الأرض لخدمة السلالة والامتثال للحوثي وتقديم دماء أبنائه وأرواحهم لإثبات ولائه وعبوديته لدجال العصر الجديد.
عشر سنوات من الإنهيار السياسي والثقافي والأخلاقي أعادت اليمن إلى عصور الظلام وأخضعته لحاكمية الكهنوت الديني والسياسي الذي يستمد جبروته وسطوته وبقاءه من تسليمهم المطلق لرموزه وجلاديه والتعامل مع واقعهم المرير على انه قدر إلهي اختاره الله لهم وأن قبولهم وتسليمهم به واجب ديني وامتثال لإرادة الله وطاعة لرسوله الذي يدعي الدجال أنه ينتسب إليه.
عشر سنوات من الفوضى والسقوط، زمن لا يكاد يذكر في حسابات الوقت وتاريخ الشعوب، لكن ما شهده ويشهده اليمن من متغيرات سياسية وثقافية خلال هذا العقد الزمني المعقد وما طرأ على حياة اليمنيين من تناقضات وخضوعهم وتسليمهم ويقينهم بكل هذا الهراء السياسي الثقافي يشير إلى أنهم عاشوا ألف عام تحت سيطرة الكهنوت الحوثي وليس عشر سنوات، هي التيه والوهم والعبودية إذا ما قورنت بزمن النور والحقيقة والحرية الذي ولدوا فيه وعاشوا أيامه وصنعوا إنجازاته التي تسيطر عليها اليوم مليشيا الظلام وتعتبرها حقاً حصرياً للدجال السلالي عبدالملك الحوثي الذي استخف عقولهم وتحول إلى سلطة إلهية لا تنطق عن الهوى.
عشر سنوات من التيه استغل الكهنوت الحوثي كل لحظة فيها لتنفيذ أجنداته ومشاريعه المبنية على أساس تزييف الوعي وتغييب العقل والمنطق والتعامل مع مخزون المجتمع المعرفي والثقافي الديني والإنساني على انه كفر وثقافة مغلوطة صنعتها دوائر صهيونية وماسونية وقامت من خلال عملائها بترسيخها في عقول اليمنيين بهدف تجهيلهم وتشويه وتزييف قيم ومبادئ الإسلام وتاريخ المسلمين الذي لا يجوز أن يؤخذ إلا من آل البيت الذين اجتهد الهالك حسين الحوثي في ملازمه الشيطانية ويجتهد أخاه دجال مران اليوم على ترسيخ أحقيتهم في الوصاية على الدين وتفسير القرآن وكتابة التاريخ الإسلامي في عقول اليمنيين..
ونتيجة لتسيد مثل هذه الإدعاءات والمزاعم وتصدرها المشهد السياسي والثقافي في مناطق سيطرة المليشيا أصبح الدجال الحوثي (قرآناً ناطقاً) ما يعني أن كل حديثه مقدساً، وأمام مثل هكذا قداسة يُفرض على اليمنيين الإنصات والإيمان بكل ما يصدر عنه من هراء من خلال تسخير كل إمكانيات الدولة والمجتمع واستخدام كل الوسائل لإجبار اليمنيين على الاستماع لخطاباته المليئة بالزيف، وهو ما يمكن قراءته اليوم في تسخير كل وسائل الإعلام الحكومية المقروءة والمسموعة والمرئية واستخدام مكبرات الصوت في المساجد وفي الإذاعات الميدانية المستحدثة في الشوارع والجولات العامة لنقل خطابات الحوثي التي لا يتوقف نقلها عند حدود النقل المباشر وتحولت إلى ضجيج مستمر في وسائل الإعلام المختلفة وهراء تجد نفسك مجبراً على الاستماع إليه في وسائل المواصلات وفي الأسواق والمتنزهات والاستراحات والبوافي، وحتى وأنت في منزلك تأتي إذاعات الضجيج بمكبرات الصوت المتنقلة على متن السيارات والدراجات النارية وتصادر كل لحظة هدوء تحاول أن تعيشها داخل كيانك المنزلي الخاص.