ِالنتائج السلبية للقراءة اللحظية للمشهد السياسي ..!!

11:06 2024/02/10

يعتقد البعض أن الحديث عن الأمور السياسية أمر سهل ، وهذا الكلام في الحقيقة غير دقيق ، لأن السياسة علم قائم بذاته ، قد يكون من العلوم الإنسانية غير الخاضعة للتجارب المعملية والتطبيقية ، كما هو حال العلوم التطبيقية ، كالفيزياء والرياضيات وغيرها ، لكنه يظل علماً له نظرياته ومداخله ومناهجه ، وكذلك الحال بالنسبة لقراءة المشهد السياسي لهذه الدولة أو تلك ، فإن القراءة الصحيحة تتطلب قراءة ذلك المشهد من جميع الزوايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمذهبية ...الخ ، وكذلك تتطلب قراءة الظروف والبيئة المحيطة بذلك المشهد ، وتأثيراتها عليه من كل المستويات الداخلية والإقليمية والدولية ، لأن قراءة ذلك المشهد على المستوى الداخلي فقط ، سوف تكون نتائجه سطحية وبعيدة عن الواقع ، خصوصاً في ظل تصاعد حدة التدخلات والتفاعلات الإقليمية والدولية في الشئون الداخلية للدول ، وتأثيراتها المباشرة عليها ، بحسب ميزان القوة ، فالدول الأقوى تتدخل وتؤثر بشكل مباشر في سياسات الدول الضعيفة ، بما يحقق مصالحها ويضمن تنفيذ مشاريعها ..!!

لذلك من الخطأ قراءة المشهد السياسي لدولة ضعيفة ، بمعزل عن قراءة التأثيرات والمتغيرات الإقليمية والدولية على ذلك المشهد ، وبذلك فٱنه من الخطأ تحميل طرف سياسي ، أو قائد سياسي ، المسئولية الكاملة للاختلالات أو الإخفاقات في ذلك المشهد ، وهذا ما حدث بالفعل خلال فترة الربيع العربي ، حيث تم قراءة المشهد السياسي للدول العربية التي تأثرت به ، بشكل مجتزء وناقص ، من خلال التركيز على الفاعل السياسي الداخلي فقط ، وتحميله كامل المسئولية عن الاختلالات الحاصلة ، دون النظر إلى التأثيرات الكبيرة للفاعلين الإقليميين والدوليين في ذلك ، وتلك القراءة المجتزئة والناقصة ، لبت في ذلك الوقت طموحات المعارضة ، لتنفيذ أهدافها باسقاط الأنظمة العربية القائمة ، وكان تفكيرها في ذلك الوقت تفكير لحظي ، في حدود طموحها للوصول إلى السلطة ' دون مرعاة للتداعيات السلبية الناتجة عن ذلك الفعل ..!!

وما حدث ويحدث من تداعيات سلبية وكارثية ، في الدول التي ضربتها عاصفة الربيع العربي، هو نتاج تلك القراءة المجتزئه والناقصة للمشهد السياسي ، وهي نتاج ذلك التفكير اللحظي النفعي ، الذي لم يمنح القائمين على تلك المؤامرة مجالاً للتفكير ، في حجم وتداعيات ما بعد إسقاط الأنظمة العربية القائمة ، وكأن قوى المعارضة التي انخرطت في ذلك الربيع ،  كانت في عجلة من أمرها ، وكأن ما حدث كان بمثابة الفرصة التي كانت تنتظرها ولا ترغب في تفويتها مهما كان الثمن ، ومهما كانت التداعيات ، خصوصاً وأنها على ما يبدو قد حصلت على ضوء أخضر من فاعلين دوليين ، وخصوصاً من وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ( عرَّابة الربيع العربي ) ، والتي كانت قد زارت المنطقة العربية قبل احداث الربيع العربي بوقت قصيرة ، مطلقة إشارات كانت بمثابة الضوء الأخضر ، الذي كانت تنتظره قوى المعارضة العربية ، لإسقاط الأنظمة القائمة ..!!

لتتفاجأ قوى المعارضة بعد وصولها إلى السلطة ، بضغوط وتدخلات إقليمية ودولية كبيرة جداً ، فوق قدرتها وطاقتها وإمكانياتها ، ولتدرك ولكن بعد فوات الأوان بأنها لم تقرأ المشهد السياسي كما ينبغي ، ولتدرك أنها كانت مجرد أداوات استخدمها الفاعلين الإقليميين والدوليين ، لتنفيذ مشاريعهم ومخططاتهم التقسيمية في المنطقة ، فلا قوى المعارضة بالتي وصلت إلى السلطة ، وحققت هدفها ، وأستقرت فيها ، ولا هي بالتي تركت الأنظمة السابقة تستمر في ذلك ، وتنقذ وطنها من الدمار والخراب وشعبها من القتل والفوضى ، عن طريق إجراء بعض الاصلاحات السياسية ' وهذه هي النتيجة الطبيعية والكارثية ، لعدم قراءة المشهد السياسي بشكل صحيح ، وفي الأخير لم يستفد أحد من الربيع العربي المشئوم سوى قادة المعارضة ' بينما غالبية الشعوب المنكوبة بمن فيهم المغرر بهم الذين انخرطوا في ذلك الحراك قد خسروا الكثير الكثير ' ليقف الجميع أمام فاجعة وكارثة عصفت بكل شيء جميل في حياتهم ..!!