السعادة وفلسفة الحياة

10:56 2024/02/07

يبحث كل انسان منا عن السعادة  ، فيكد وقد يشقي كثير لينال منها  بنصيب وافر ، وفي سعيه عنها بكل مرحلة من مراحل حياته يظن ان هذه السعادة الذي يرجوها ، ولكن سرعان ما يتبخر هذا  المذاق السريع للسعادة ليعاود البحث عنها مجددا في جوانب أخرى من حياته  .

وكل ما أدركته حتى الآن ان مبادرتي بلعبة او حلوى الشكولاتة لطفل تغمره بالسعادة والانتماء اليك ، وتسري ابتسامته كفلق الصبح في عيني وقلبي وروحي فتنعشني وتمدني بالطمأنينة والغبطة  وطاقة روحية تملأ الكون شرقا ومحبة .

يتزايد هذا الشعور عندما أقدم هذه الهدايا البسيطة للطفل اليتيم واربط بيدي حانية على شعره واحتضنه فيشعر بالأمان والاهتمام والحنان فيرمقني بنظرة امتنان وحب تغسل قلبي من أكدار الحياة فأصفو صفاء البدر ليلة اكتماله .

قد تتداخل المشاعر عند انجاز كتاب لي وافرغ من همه ، فاشعر بالراحة النفسية ، او عند نجاحي في مهمة انسانية معينة او رسالة ابثها عبر مقالاتي واجد رجع الصدى الجيد حولها فاشعر بالغبطة من وصول رسالتي للناس مما يشجعني على استكمال المشوار .

ولكن فرحتي تتعمق أكثر من الانجاز عندما يسأل عني من انقطع عني لسنوات وعاد محملا بذكريات الطفولة وايام البراءة الاولى ، فاشعر كأنني ولدت من جديد و أني ما زلت طفلة تلهو مع صديقاتها  أسفل منزلها تسمع زقزقة العصفور وتتابع سرب الحمام وهو يطير بجناحيه في منظومة ابداعية رائعة .

الناس عادة في سنوات العمر الاولى تحصر السعادة في أشياء مادية كالتفوق العلمي والتميز المهني ، وتحقيق الذات والشهرة والنجاح المتوالي ، ورغد العيش وامتلاك المال و البيوت والسيارة ، و الزواج  الناجح والأبناء وغيرها من متطلبات الحياة الضرورية ، ولا ننكر ان اشباع هذه الاهداف يحقق قدرا من السعادة المهمة ، لكنها كانت سعادة مؤقتة تنتهي لفترتها بزهو اللحظات التي نعيشها من تفوق وحب وزواج وعمل ، فصرنا نبحث عن معاني جديدة للسعادة لم نشرب كاساتها بعد .

وهذا يعني ان رؤيتنا للسعادة قد تتبدل من مرحلة عمرية لأخرى ، ومن معطى ثقافي واقتصادي لآخر ، ومن بيئة لأخرى  ، لكنها النهاية تعبير عن الفرح والابتهاج وكل ما يزرع  السرور في النفس البشرية ، وتتباين تعريفات السعادة من مجتمع لآخر وفقا لطبيعته الفكرية والاجتماعية والدينية ، كما تتباين في مفهومها لدى الفلاسفة والأدباء كل حسب تجربته مع السعادة .

ولكن بالعموم ، فإننا كثيرا ما نخلط بين السعادة والمتعة ، كما لاحظ سالم العنزي في مدونته ، فالمتعة  قصيرة الأجل  وهي  شعور يخص الانسان وحده ، وتكون ردة فعل على  العوامل الخارجية كما تكون مؤقته حيث انها تؤخذ ولا تعطى المتعة شعور يرتبط بالأخذ و تعتمد كيميائياً على الدوبامين ( مادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات ) .

قد تتحق المتعة بشعور البهجة أو الفرح عند القيام بعمل  يسبب المتعة. وتختلف مصادر

 المتعة من شخص لآخر، فمنهم من يشعر بالمتعة عند القراءة ، ومنهم من يشعر بالمتعة

عند الاستماع إلى الموسيقى ، ومنهم من يشعر بالمتعة عند ممارسة  الرياضة، وغيرها.

بينما السعادة الأطول أجلا  فهي  شعور يتأثر به من حولك وقد تكون ردة فعل على انجازات على المستوى الشخصي .

وتتميز بأنها تعطى ولا تؤخذ

السعادة شعور يرتبط بالعطاء و تعتمد كيميائياً على السيروتونين ( أحد الناقلات العصبية وتلعب هذه المادة دورا مهما في تنظيم مزاج الأنسان )

وترتبط السعادة  برضى الإنسان عن حياته بمختلف جوانبها الشخصية والعاطفية و

الاجتماعية والمهنية أيضاً ، بما ينعكس على الحالة المزاجية للفرد تجعله اكثر  استقرارا

نفسيا .

تختلف نظرة  كبار المفكرين والفلاسفة للسعادة وفقا لخبراتهم الحياتية ومعتقداتهم الدينية والفلسفية للحياة . فمارتن لوثر ، يرى ان الأشخاص الذين لا يبحثون  عن 

 السعادة ، هم غالباً ما يجدونها ، لأن أفضل طريقة لنسيان السعادة ، هي في البحث عنها

عند الآخرين .

بينما ستيف مارابولي، يعتقد ان السعادة هي ليست غياب المشاكل ، وإنّما القدرة على

التعامل مع هذه المشكلات .

ويعتبر كاري جونز ، ان سر السعادة يكمن في الحرية ، ويكمن سر الحرية في

الشجاعة.

ويربط البعض بين ا لسعادة والعطاء ، وليس الأخذ ، مثل  غاندي ، الذي يرى أن السعادة تتوقف على ما تستطيع إعطائه ، لا على ما تستطيع الحصول عليه .

وأيضا ، آن فرانك ، يذهب الي اعتبار الأشخاص السعداء ، هم الذين يجعلون من حولهم يشعرون بالسعادة والسرور .

هذا التعدد لمفاهيم السعادة لدى المفكرين والمصلحين والفلاسفة أنما تعكس حقيقة اختلاف السعادة من شخص لآخر حسب  تركيبته الجينية والميول الوراثية وخبراته

الحياتية وتربيته  ومعتقداته ، وطرق التكيف مع الشدائد والمحن .

فقد يجد البعض السعادة في  الأشياء البسيطة بينما يحتاج البعض الآخر إلى تجارب أكثر

تعقيدًا ليشعروا  بالسعادة .

وقد تختلف نظرتنا للسعادة بحسب العمر والجنس والاختلافات المعرفية ومستوى القدرات  والمهارات العقلية  ومع هذا قد يكون متوسطي الذكاء ومحدودي المعارف اكثر سعادة من المفكرين والفلاسفة ، لأنهم يتعاملون مع الحياة ببساطة ومع مشكلاتها بتلقائية كأنها سحابة صيف وتمر بسلام مما يشعرهم بالطمأنينة .

 ذُو العَقْلِ يَشْقَى فِيْ النَّعيم بِعَقْلِهِ                  وأَخُو الجَهَالَةِ فِيْ الشَّقَاوةِ يَنْعَمُ

 تتباين النظرة للسعادة بين  شعوب الشرق وشعوب الغرب ، فبينما يعتبر الغرب عناصر الثروة اساسا للسعادة ، فان النظرة الشرقية للسعادة تتداخل فيها  مقومات أخرى للسعادة كالعلاقات والاجتماعية والأسرية .

و الروابط البشرية القوية والعلاقات الشخصية مهمة  لتحقيق السعادة في مناطق أخرى من العالم مثل سويسرا وأيسلندا وأستراليا ، تمامًا و دول شرق آسيا  وأمريكا اللاتينية .

اما في المنظور الصوفي الاسلامي فتحقق السعادة عندما ينجح الانسان في تحطيم أصنامه الشخصية من غرور وكبر وطمع وجشع وأنانية وتملك  ويتحرر من خوفه الا من الخالق العظيم ، وهنا يحدث له التخلي عن حقارة الدنيا وحقارت نفسه الامارة بالسوء ، فيدخلا مرحلة التحلي وهي التحلي بالصفات الأخلاقية والروحية ثم مرحلة التجلي حيث يتجلى فيه نور الحق ويرى الدنيا على حقيقتها لا تساوي جناح بعوضة فيسلم قيادته لربه ويشعر بالرضا والطمأنينة والسلام الداخلي مهما كان الوضع الذي يعيشه .

ختاما ، فإننا بحاجة إلى تقوية روابطنا الانسانية والأسرية الدافئة التي كانت وستظل مبعثا على السلام والامان والسعادة ، وان نتعاون جميعا في خلق حالة جماعية من السعادة ، وان نبث روح الدعابة والفكاهة بيننا لنتجاوز الطاقات السلبية التي قد تصيبنا من جهد العمل والطموح الشاق أو الامراض والفشل وغيره ، ولنتواصل مع أدياننا السماوية  والتي كرست  لتبادل البشر المحبة فيما بينهم  كما يتبادلون المنافع الدنيوية ـ فلحظة حب صادقة كفيلة بإزالة جبال الاحزان من صدورنا وزرع ياسمين الفرح والسعادة في قلوبنا وقلوب محبينا ، فالحب بين البشر كفيل بخلق فردوس السعادة على كوكبنا الارضي .

متع الله الجميع بنعمة الرضا والعطاء وادخال السعادة الغامرة على قلب محزون .

و في وجهة نظري ايضا ان السعادة هي الرضا و القناعة بطريقة لا تعيق الطموح و السعي انما الرضا مهما كانت نتائج العمل و الاجتهاد سواء على الصعيد الشخصي او المهني او العام

و السعادة هي التناغم بين العقل والروح والقلب والجسد و جعل حالة من التوافق و الصداقة بينهم حتى لا يتنافر كل ما بداخلك و يدخلك في صراعات تقلق سلامك الداخلي و انسجام أركانك 

كما ان السعادة برأيي هي نابعه من النفس الداخلية فالكثير من الاشخاص يملكون كل مقومات السعادة من نجاح و استقرار مادي و اسري و لكن لا يشعرون بنعم الله عليهم بسبب الامراض التي تصيب قلوبهم و ارواحهم فهنا يجب علاج النفس و عقد جلسات صلح بين الروح و الجسد الذي يتعامل مع المحيط بحواسه الداخلية و الخارجية 

في الفترة التي كنت اعيش بها في بلد أجنبي كانوا دائما يحثونا على تعلم الاعتماد على النفس وتعلم العيش منفردين حتى لا تكون سعادتنا مرتبطة بأشخاص و معتمدة عليهم 

و لكن بطبيعة تربيتنا و نشأتنا كشرقيين لا يمكن أبدا فصل انفسنا عن اهلنا و أسرتنا فنحن كائنات اجتماعية أسرية نفرح باللمة الحلوة و تجمع الاهل و الاصدقاء و لا نستطيع العيش بمفردنا و نحن ايضا كشعوب تتسم بالعاطفة و الإنسانية لا يمكننا ان نشعر بالسعادة إذا احد افراد أسرتنا حزين او مريض بل نتعاطف و نتأثر بمن حولنا بدليل شعورنا بالحزن على اهلنا في فلسطين واليمن وسوريا والسودان و قبلها العراق وليبيا ولبنان

نحن شعوب نفقد السعادة اذا رأينا طفل يشعر بالبرد او امرأة مسنة مكسورة القلب على ابنها الشهيد او رجل جائع او اسرة بلا مأوى 

نحن شعوب تفقد سعادتها اذا ما رأت تراجع في القيم و المبادئ و السلوك و الاخلاق و العلم و الثقافة 

نحن تعلمنا ان نحمل الهموم فلم تكن همومنا الشخصية همنا الوحيد انما نحمل في قلوبنا هموم أمة بأكملها 

نحاول ان نسترق بعض السعادة و بعض الوقت و نرفه عن انفسنا ولكن 

اقول كما قال شاعر الأردن مصطفى وهبي التل (عرار)

..

فبلادكم بلدي وبعض مصابكم همّي وبعض همومكم الآمي

فداركم داري وبعض تلادكم هو طارفي ومناكم أحلامي

وكما لكم هدف فان لمثله سعيي وغايتي وصبوتي وهيام